hit counter script

كلمة الرئيس سليمان خلال رعايته حفل تخريج طلاب جامعة سيدة اللويزة

الجمعة ١٥ تموز ٢٠١٢ - 22:29

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان خلال رعايته حفل تخريج طلاب جامعة سيدة اللويزة:

"حضرة رئيس الجامعة، أيها المتخرجات والمتخرجون، أيها الحفل الكريم، هنيئا لجامعة سيدة اللويزة عيدها الخامس والعشرون،
ونحن وإن كنا نحتفل اليوم ببهجة وبهاء باليوبيل الفضي لهذا الصرح التربوي والأكاديمي العريق وبتخرج ألف طالب من طلابه الأعزاء للسنة الدراسية 2011-2012، فإننا ندرك جيدا أنه لا يسعنا فصل الجامعة بطبيعة الحال عن بيئتها، وعما يحوطها من أحداث، وعن الواقع السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي الذي يطغى على نفوس الناس وهمومهم.

وإذا كان من الطبيعي أن تتأثر الجامعة بهذه الأحداث، فإنه يؤمل منها دوما، في أن تؤثر بدورها في الحراك الوطني، وأن تدفع بالمسار الفكري والعمل السياسي باتجاه بلورة رؤى مشتركة، مبنية على الروح الوطنية والقيم، وعلى مجموعة مبادئ ونظم تساعد في تحقيق العدالة والسلام والتنمية البشرية المستدامة.
وهذا ما فعلته جامعة سيدة اللويزة بجدارة، من خلال الندوات والمؤتمرات والأنشطة العديدة التي نظمتها، طوال الخمس والعشرين سنة المنصرمة، إضافة لالتزامها الدؤوب برسالتها التربوية، وعملها الدائم من أجل خير الشبيبة والطلاب، ونضالها المشهود في سبيل الاستقلال والسيادة والحرية وحقوق الإنسان. وهي ستكون مع كل لبنان شهر أيلول المقبل، في استقبال قداسة البابا بينيديكتوس السادس عشر، الذي يقوم بزيارة رسمية ورعوية للبنان، لنثبت مجددا أن لبنان هو رسالة حرية وعيش مشترك، لا مجرد بلد كغيره من البلدان، كما دعانا من حاريصاالراحل الكبير الطوباوي يوحنا بولس الثاني.

أيها الأعزاء،
اليوبيل الفضي لجامعة سيدة اللويزة مناسبة طبيعية للاعراب عن التقدير للآباء المؤسسين على شجاعتهم ورؤيويتهم وإقدامهم، برعاية من الكنيسة الأم التي حرصت منذ القدم على إحاطة أبنائها بالخير ودفعهم باتجاه مقاصد العلم والفضيلة، وتقدير مماثل للذين توالوا على إدارة هذه الجامعة العزيزة والقيمين عليها، وعلى رأسهم، منذ انطلاقتها، صاحب شعار شركة ومحبة ابن الرهبانية المريمية غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وقدس الأب العام بطرس طربيه ومجلس المدبرين ومجلس الأمناء، والرئيس الحالي الأب وليد موسى، لبعد نظرهم وحرصهم على التوسيع والتحديث ورفع المستوى التربوي والأكاديمي للـ NDU، بدعم من محبيها وأصدقائها في لبنان ودول الانتشار. وقد أصبحت جامعتكم من أوسع الجامعات وأكبرها مساحة وأحسنها تجهيزا، في موازاة جودة بنائها الإنساني الداخلي.
آمل بهذه المناسبة ان تتمكن الجامعة في لبنان من تخصيص مساحة أوسع للبحث العلمي والابتكار، والعمل على توفير الإمكانيات اللازمة لذلك، بدعم من الدولة ومن القطاع الخاص، وأنتم تعلمون أن الدول المتقدمة تخصص ما بين 2 و 4 بالمئة من ناتجها الوطني الإجمالي لأغراض البحث العلمي.
وإني على يقين ايضا بأن الجامعة ستحرص كذلك باستمرار، على إنشاء فروع واختصاصات تتلاءم مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل، وخصوصا في مجالات التكنولوجيا الجديدة والسياحة والزراعة والصناعة وتقنيات استثمار النفط والغاز، بحيث لا تشكل هذه الاختصاصات جوازات سفر أو تأشيرات خروج للهجرة والاغتراب، بل حافزا للتشبث بالوطن وعدم بيع الارض التي ورثناها عن الاجداد، مع العلم أن الدولة تعي ما يقع على عاتقها من مسؤولية في هذا المجال، وهي ستمضي قدما في الإجراءات الآيلة إلى استثمار ما تختزنه مناطقنا البحرية من ثروات طبيعية، وإقرار مشروع قانون اللامركزية الإدارية، إلى غيرها من المشاريع المحفزة للنمو الاقتصادي وللانماء المتوازن للمناطق.
أيها الحفل الكريم،
نعيش منذ العام 2008، وللمرة الأولى منذ العام 1975، سنوات متتالية خالية على السواء من الاقتتال الداخلي، ومن الاحتلال الإسرائيلي لمعظم أراضينا، ومن أي وجود عسكري أجنبي، ما عدا ما تضطلع به قوات الأمم المتحدة العاملة في الجنوب من مهمة حفظ سلام، مع تسجيل ارتفاع مطرد في نسب النمو الاقتصادي لغاية عام مضى.
ومع ذلك، أعلم ما يعتمل في نفوسكم ونفوس المواطنين من مخاوف وهواجس بشأن أمنهم وسلامتهم وكيفية توفير سبل العيش الكريم لأبنائهم، في ضوء ما شهدته الشهور الماضية من توتر وتفلت نعمل جاهدين على ضبطه وكشف ملابساته.
وأعلم ما يتداوله الناس من انتقاد للدولة والسياسيين، وقد تدنى الخطاب السياسي، وحال الوقت المستهلك لتشكيل الحكومات المتتالية والتناقضات والتجاذبات في داخلها، دون تحقيق العديد من الوعود الواردة في بياناتها الوزارية، في ظل عدم كفاية الصلاحيات وملاءمتها مع مسؤوليات رئيس الدولة لتمكينه من الدفع بالقرارات والأمور باتجاه ما قد تقتضيه الظروف من حسم.
وبالرغم من ذلك، فإن البكاء وجلد الذات لا يليق بشعب أبي، مكابر، شجاع؛
والاكتفاء بالانتقاد وبإلقاء اللائمة على الآخرين، لا يجدي ولا يفيد،
فليتحمل كل فرد من أفراد المجتمع، وكل مكون من مكونات الدولة والوطن، مسؤولياته في هذه المرحلة المفصلية من تاريخنا، وليقدم أهل الرأي على بلورة فكر نهضوي واقتراحات حلول، تساهم بإخراج النظام السياسي مما وقع فيه من مآزق على صعيدي الممارسة وتوزيع الصلاحيات، ولتعمد أجهزة الدولة من جيش وقضاء وهيئات رقابة على فرض سلطة القانون على كل مخالف أو مرتكب، بغطاء كامل، من أهل الحكم وأصحاب القرار، على ما هو مفترض، وكما أدعوها لذلك وأحضها عليه، وليمارس الشعب حقه في المساءلة والمحاسبة، ما دمنا ننعم بنظام ديموقراطي يضمن الحريات ويسمح للمواطنين بإعادة تكوين السلطة بصورة دورية وسلمية، في وقت تنتظرنا استحقاقات دستورية جديدة عامي 2013 و 2014 سنلتزم بها.
كما أتطلع لأن أراكم أيها الشابات والشبان، تمارسون حقكم في الانتقاد والمساءلة والاعتراض، وتلتزمون واجبكم في الاقتراح والاقتراع، ولا تلوموا السياسيين الذين سمحتم بانتخابهم، فساوموا أو استهانوا بمصالحكم ومستقبلكم، إذا ما تقاعستم أنتم عن أداء واجبكم الانتخابي، أو إذا لم تحسنوا اختيار الأجدر والأشرف من بينهم.
أما الفتنة التي يخشاها البعض فليس لها من أفق سياسي موضوعي في لبنان، ما دمنا توافقنا في الطائف على مشاركة متوازنة في السلطة لمختلف الفئات التي يتشكل منها المجتمع، كما توافقنا في "إعلان بعبدا" على دعم الجيش على الصعيدين المعنوي والمادي، والتمسك بميثاق الطائف، وتحييد أنفسنا عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية، وعدم السماح باستعمال لبنان مقرا أو ممرا أو منطلقا لتهريب السلاح والمسلحين، والتزام قرارات الشرعية الدولية، واستمرار السعي للتوافق على استراتيجية وطنية دفاعية ومن ضمنها موضوع السلاح من مختلف جوانبه.
وأخيرا حان الوقت ليتخلى الجميع عن ارتباطاتهم أو رهاناتهم الخارجية ويلتزموا "إعلان بعبدا" ويجاهروا به ويدافعوا عنه، ولا داعي تاليا لخوف محبط ومربك، بل عزم وإرادة وتصميم على عدم الوقوع في شرك الفتنة، وهي لن تقع، وحرص على مواصلة الحوار وإعادة بناء جسور الثقة بالدولة وتعزيز بنيانها ومؤسساتها الضامنة الوحيدة للعدالة والوحدة الوطنية والانتظام العام.
وفي خضم التحولات التي تجري في محيطنا العربي فقد حان الوقت ليقطف لبنان ثمار نضال شعبه من أجل الحرية والديموقراطية.حان الوقت ليخرج لبنان من كونه ساحة تتصارع عليها الأمم ...او ساحة تجارب للاصدقاء والاشقاء...
حان الوقت لعودة لبنان جامعة الشرق الأوسط ومشفاه، ورسالة سلام وحوار وثقافة ومحبة، وفقا لما كان ولما يجب أن يبقى عليه.

أيها المتخرجات والمتخرجون،
تحتفلون في هذا الصرح الجامع، مع من يحوطكم من أهل وأحباء، بنجاح أحرزتموه بجهدكم ومثابرتكم، وتستعدون للانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل التفاعل مع الحياة، بما تحتويه من تحديات وآمال، متسلحين بالمعرفة والعلم، والإيمان.
فهنيئا لكم هذا الإنجاز، وتنبهوا، إلى أن مساركم الجديد يتطلب مواصلة تحصين الذات بالثقافة والخبرة والتأهيل وتطوير المعارف والمهارات.
وفي زمن العواصف والتقلبات، ستحتاجون إلى الحكمة والتبصر، بمقدار ما ستحتاجون إلى شجاعة الشباب وإقدامه.
حسبي أن تتذكروا، أن الثقافة الإنسانية الحقة، الضامنة للنجاح والهناء، هي تلك التي تسمح للأفراد والمجتمعات المتقدمة والمستنيرة، بتلافي الوقوع في دائرة خطرين متوازيين : خطر التطرف وخطر اللامبالاة أو الانطواء على الذات، وأعلم كم تركز جامعتكم على أهمية "الشخصية الثقافية" التي يحملها طلابها.
أقدموا بذكاء إذا، وبكثير من الشجاعة والحكمة.ومع انفتاحكم على الحداثة، لا تتخلوا عن مجموعة التقاليد والقيم الروحية والأخلاقية والعائلية والوطنية التي صقلت ذواتكم ومكنت الشعب اللبناني عبر التاريخ من التماسك والصمود والمحافظة على كيانه وخصوصيته وعنفوانه.
حافظوا على إيجابيتكم وعزمكم والإيمان وضعوا نصب اعينكم مصلحة لبنان ولا تدعوا مصلحة تعلو عليها كما لا تعلو شجرة على شموخ الارز .
عشتم
عاشت جامعة سيدة اللويزة
عاش لبنان". 

  • شارك الخبر