hit counter script

- جهاد الملاح

تهكّم الشعب... وماذا بعد؟

الجمعة ١٥ نيسان ٢٠١٢ - 07:15

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تَدافَع نواب الأمة اللبنانية إلى منبر البرلمان، وسط أوراق وأفكار انقسمت حصراً بين هجوم ودفاع، بعناوين تقليدية معروفة، أولها تسجيل النقاط على الخصم وآخرها تجديد العبودية للرأي الواحد، وعلى ضفافها شعب مُستعبَد، يعيش على نبضات القدر، أو يتسكع بين حطام السياسات العفنة.
إن العلاقة التي يُجسّدها العقد الاجتماعي السليم، يجب أن تستند إلى الديمقراطية، التي تعني في روحها الأساسية، تمثيل السلطة للشعب بصدق وتجرد والسهر على مصالحه الحالية والمستقبلية. وعلى هذه القاعدة، فإن الفشل، عندما يصيب حكومات متلاحقة على مدى عقود، لا يبقى مجرد فشل بمعناه العادي، بل يصبح، استناداً إلى مفهوم الديمقراطية ومبادئ العدل والإنصاف، خللاً في العقد الاجتماعي، لمصلحة السياسيين، ثم يتحول إلى ديكتاتورية وطغيان، عندما ينتج شعباً يعيش وسط المعاناة وسياسيين يمرحون في اللامبالاة.
والتحليل الدقيق لجلسات مجلس النواب، وللكلمات والردود، بأشكالها ومضامينها، يفتح قناة مباشرة نحو اكتشاف ديكتاتورية متأصلة ومقّنعة بألف قناع ولون، بُنيت على الإهمال والفساد والسرقة، وكل أشكال التنصل واللامبالاة، فيما تجسدت أكثر صورها وضوحاً في المقاربات الهجومية والدفاعية، التي أبداها السياسيون، وكان الشعب آخر المستفيدين منها.
إلا أنه على جوانب خطابات النواب الذين بدوا متحدثين باسم "محافظات المريخ"، لاح في أفق لبنان، الذي لم يصله الربيع العربي لانخداعه بأوصاف نظامه، ضوء صغير من نسيج هذا الربيع، حيث تبارى اللبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي في التهكم على مهزلة البرلمان. وهو تهكم تجاوز في كثير من الأحيان، السخرية، ليعكس أسىً حقيقياً إزاء وضع البلاد، وينضمّ إلى الكلمات الصادقة التي رسمها "الهاكرز" على الصفحات الحكومية.
فهل يكون هذا التهكم بداية طريق إلى إصلاح الوضع اللبناني وتغيير مسار عقود من الفشل في الحكم ومن النفاق في السياسة؟
إن التهكم الذي اتخذ من الإعلام الاجتماعي الجديد طريقه إلى العلن، هو من دون شك جزء من الثقافة السياسية المستندة بشكل خاص إلى القدرة على تصوّر خريطة تفاعلية لما يجري في لبنان. لكن الثقافة السياسية لا تستقيم إلا إذا امتنع المواطن عن تطويع العقل وتقييده داخل حلبة تنغلق على فريقه السياسي وتدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، وتنشغل في إظهار "ضلال" الفريق السياسي الآخر، الذي بدوره، له حلبته وحقيقته المنزلة كأنها الدين وما بعده.
وهذه الثقافة لا تكتمل إلا إذا عرف المواطن أن الكهرباء والماء والأمن الغذائي والأمان الاجتماعي وضمان المستقبل، حقوق مكتسبة له، وأن السياسي الفاسد ليس فقط من يسرق، بل أيضاّ من يصرّح يومياً، فيرى ويؤكد ويستنكر ويندّد، ولا يفعل شيئاً منتجاً. وأكثر من ذلك، فإن المتدين لا يُثقَف سياسياً إلا إذا استلهم من الثقافة الدينية الصحيحة، حقيقة مفادها أن تصنيف المواطنين، والنظر إليهم حسب طوائفهم ومذاهبهم، فعل غريب عن الدين ولا تحركه إلا الشياطين.
في الأيام الماضية، تسمّر اللبنانيون على الشاشات لمتابعة نواب الأمة ووزرائها، وسط تهكم لافت ومتصاعد، مع العلم أن الغالبية تابعت حلقات البرلمان باستخفاف، أو بهدف المتعة والتشويق، كأي فيلم أو مسلسل تنتهي مفاعيله بانتهائه.
لكن في الحقيقة، فإن ما جرى تحت قبة البرلمان يمثل في المبدأ بلاغاً دستورياً وقانونياً حول الغبن الذي يصيب اللبنانيين في العقد الاجتماعي القائم. وإن كان القضاء لا يملك سلطة الإمساك به، فوحدها السلطة الأعلى قادرة على ذلك، وهي الشعب. فهل يتفاعل التهكم مع الأسى، ويتحرك هذا الشعب؟
بالطبع لا، ولن يتحرك طالما بقي راضياً بطبقة سياسية رخيصة وبدولة فاشلة وممزقة بين أنياب الدول، وبقي يعيش على أوهام الطوائف المقدسة، يلوّن الأديان على هواها، ويدوس الإنسانية بين شوارعها.
 

  • شارك الخبر