hit counter script

كلمة العماد ميشال عون في حفل العشاء السنوي للتيار الوطني الحر في ذكرى 14 اذار

الأحد ١٥ آذار ٢٠١٢ - 15:20

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في كلّ عام مثل هذا اليوم، نحتفل بذكرى 14 آذار، هذه الذّكرى تبقى الأهم في تاريخنا، لأنّنا في تلك المرحلة تصرّفنا بدون عقدة تجاه القوى الكبرى، ولا تجاه الصّغرى. بالنّسبة لنا، لقد تساوَت أميركا مع القنّاص الّذي يختبئ على سطح بناية ويطلق الرّصاص على المواطنين، لأنّ كلّ موقفٍ، لا يرتكز على الحق وعلى العدالة ولا تكون مقاربته مقاربة قانونية ووفقاً للأعراف الدَّولية، سنرفضَه ونتواجه وإياه، من أيّةِ جهةٍ أتى، ولن يعيقنا أي شيء عن مواجهته والتصدي له.

14 آذار كان بمثابة الصّرخة لإيقاظ الشّعب اللّبناني واستنهاضه، فعندما وصلنا إلى هذا التّاريخ كانت ذروةَ الظّلم وذروةَ الإحتقار من كلّ الأطراف الدَّولية تلاحقنا؛ فكان لا بُدّ من رفع الصّوت وسحب معادلة الحرب الأهلية وتحويلها الى حرب وطنية، لذلك كانت المواجهة مع جيش الدّولة الوصّية على لبنان أي سوريا.

في تلك المرحلة لم يكُن بالإمكان اتخاذ القرار، فقرارُنا معطّل. نريدُ أن ننتخبَ رئيسَ جمهورية ويريدون أن يربحوا المعركة مسبقاً بدون أن يخوضوها، فيضعون شروطَها. كنّا غير قادرين على تنفيذ قراراتِنا، لأنّهم كانوا يسيطرون على القوى على الأرض ويضعون يدّهم على المؤسّسات. أخذوا منّا المال من البنك المركزي، قسّموا قوى الأمن وعيّنوا مديراً ثانياً، قوى الجيش أيضاً قسمّوها بالقوّة فالجيش لم يفرط كما قالوا، بل هم أقفلوا المعابر بين المنطقتَين ولم يكُن بإمكان الجنود أن يلتحقوا بوحداتهم، عندما كنّا في معقل الحرية في بعبدا.

إذاً، هذه الدّولة المعطّلة بقرارٍ خارجي كانت تحتاج الى التحرير، وبالإضافة إلى هذه الأمور السّيئة الّتي كنّا نعيشُها، كان يُفرَض علينا كلُّ شيء، وملفُّ الخلافات قد فاض، ولم يكُن بإمكاننا أن نزيدَ عليه أوراقاً. فكان لا بُدَّ أن نثورَ ضدَّ هذا الظّلم، كانَ لا بُدَّ أن نجسّدَ الخطَّ العملي بمقاومةٍ عسكرية، فكان 14 آذار.

 قلب هذه المقاومة كان الجيش وأركانُ الجيش، هم الذين دفعوا ثمنَ هذه المرحلة العزيزة علينا جدّا،ً وتمكّنا من خلق التضامن بين الشّعبِ اللّبناني وجيشِه، فتداخلَ الجيشُ بالشّعب بشكلٍ لم يسبق له مثيل. وتجسّدَت هذه اليقظةُ الوطنية بمقاومة حقيقية.

يقول لنا بعضهم أحياناً: "قاومتم صحيح، ولكنً ماذا حصل في ما بعد؟! فأنتَ قاتلتَ وانكسرت!" فأجَيب: "هذا صحيح! هُزِمتُ عسكريّاً، فالقوّةَ العسكرية فرضَت علينا أمراً واقعاً، ولكنَ مقاومتّنا حفظَت لنا حقَّنا، وعندما تتغيّر الظّروف سنتمكن من استرجاعه.." وهكذا كان. عدنا إلى لبنان أحراراً؛ سوريا في سوريا، ولبنان في لبنان.

بعد هذه المرحلة، أردنا تحسين العلاقات مع الجوار لأنّ هذه هي القاعدة التّاريخية والقاعدة الإجتماعية والسّياسية والجيوسياسية، فكلها تقول إنّ الدّول المتجاورة إما أن تكون على وئامٍ مع جيرانها، وإمّا أن تكونَ في حالةِ حرب. ليس هناك من حل وسط، Fifty – Fifty! طبعاً أحياناً تأخذُ الحربُ أوجهاً حامية، وأحياناً أوجهاً سياسية، وأحياناً إقتصادية كما ترَون اليوم في سوريا.

 في 13 تشرين خسرنا المعركة ولكننا لم نخسر المقاومة ولم نخسَر نفسَنا، بل خسرنا الأرض.. ولكن بعد 15 عاماً من العمل مع القوى الدَّولية صدرَ قانون استعادة سيادة لبنان عن الكونغرس الاميركي، ويقول بإخلاء الأراضي اللّبنانية من قِبَل السّوريين. هذا القانون الذي عملنا عليه لسنوات وسنوات.. كثيرون رفضوا عملنا والنّشاط الّذي قمنا به وانتقدوه! ثم قالوا إنّ اغتيالَ الحريري هو الّذي حرّرَ لبنان، سمعنا ذلك كثيراً وكتبوا عن الأمر كثيراً. نسوا أنّ قرارَ استعادةِ السّيادة اللّبنانية صدرَ في نهاية عام 2003، وليس في 14 آذار 2005 أو في 14 شباط 2005.

التحرير حصل عندما تركَت سوريا الأراضي اللّبنانية، وحققنا شعارَنا الشهير: "حرية، سيادة، إستقلال." ولكن هذه الأقانيم الثّلاثة لا يمكننا أن نحافظ عليها إذا لم يكن الحكم في لبنان قادراً على تحمل المسؤولية. فالفساد هو دائماً ما يجرُّ البلد إلى الإنحطاط وإلى الإندحار، وإذا أردنا المحافظة على شعارنا، فيترتّب علينا جهدٌ يوميّ. إذا كانت الحريّة تعني أن يقومَ شخصٌ ما بما يريدُه، فيجب أن يكونَ ما يريده لا يؤذي غيره، والحرية الحقيقية هي الّتي تحترمُ المعتقد لأيّ شخص وتحترمُ تقاليدَه وعاداتِه، وتعتمدُ حريةَ التّفكير والتّعبير من دون إيذاء أو تعرّض للآخر. أما الإستقلال فتمارسُه الدولة من دونَ أن تخلقَ مشاكل مع محيطها ومع دولٍ أخرى.

اليوم هناك ما يدهش، فأيّام السّوريين كنا نقول إنّهم هم من يرتكب الأخطاء وهم جرّوا اللّبنانيّين للفساد، ولكن، تبيّن لنا أنّ اللّبنانيّين أفسدوا السّوريين مع الأسف. وهذا ما لمسناه خلال عمل الحكومات المتعاقبة، بخاصة عندما نجد أنه منذ العام 1993 ليس هناك من مسك لحسابات الدّولة، وأن مالية البلد هي "مشيخة" توزّع الأموال وتقبض وتأخذ ولا يوجد حسابات! لا يمكن أن يكون لديهم عمل إداري صحيح! وهذا الأمر مُوَثّق، إذ لا يمكن الاتهامات جزافاً بخاصة عندما تتعلق بمخالفة القانون.. هذه الأمور موثّقة وفيها مستندات، ولا زلنا حتى الآن نعمل عليها.

تصوّروا أنّنا نواجه أشخاصاً مسؤولين ورؤساء مؤسّسات، من أكبر مؤسّسة إلى أصغر مؤسّسة. علينا أن "نتخانق" وإيّاهم يوميّاً حتى يطبّقوا الدّستور ويطبّقوا القوانين في عملِهم! هذه "الأعجوبة" الفريدة الّتي لا ترَونها في أيّ دولةٍ في العالم الا في لبنان! وهي تبدو أهم من العجائب السّبع! فعلى المواطن أن يتحاربَ والمسؤولين عن الدّولة حتى يلتزموا الدّستور ويطبّقوا القانون!! إنّه لأمرٌ غريب، كيف وصلنا إلى هذه المرحلة من الإنحدار! ولكن خلال هذه المرحلة ومع الوقت ومع هذا الإسترخاء الّذي قاموا به، أصبحَ اللّبنانيون للأسف، معتادين عليه وصارَ جزءاً من حياتهم اليومية!

نقول: "فلان سرق أموالاً"، يقولون: "نعم سرق". ومهما كان حجم وقيمة السّرقة، تمرّ وكأنّ شيئاً لم يكن. يجب أن يكون النّاخبون معنيّين كثيراً بهذا الأمر، فبنية البلد باتت فاسدة، كما أنّ إنتاجه بات فاسداً أيضاً. أنا أؤكّد لكم، ستطلعون على الأرقام، وستقومون بالمقارنة بين المصروف وبين مبرّرات هذا المصروف. لا يجوز أن نقبل كمواطنين أن يصبح الفساد في الدّولة هو القاعدة. لا يجوز أن نقبل بان يتحوّل دستورنا إلى ورق للإستعمال الصّحّي. قد تكون هذا التشبيه قاسياً بعض الشيء، ولكنه يعبّر عن الواقع. فإذا أردنا أن نعدد المواد الدّستوريّة التي يخالفونها، والدستور الذي ينص على محاكمة من لا يحترم القانون والنصوص الدستورية أمام محاكم خاصّة وخصوصاً إن كان المخالف من المسؤولين، نلاحظ أنّ ما من أحدٍ يحرّك ساكناً لتطبيق القوانين واحترام الدستور. وكذلك الأمر بالنّسبة للقوانين الماليّة، وعندما تقع المشكلة، يبدأ العمل على إنجاز تسوية ما ليتمّ التّلاعب بالأرقام وتصبح الأمور "قانونيّة" وعادلة. هذا الأمر لن يحصل. لم يحصل منذ العام 1926، ولن نسمح بأن يحصل الآن. المعركة قاسية ونحن بحاجة لدعم المواطتنين، لأنّ لبنان لا يستطيع أن يستمرّ لمدّة طويلة إذا بقيت هذه الذّهنيّة متحكّمةً بالدّولة. لا نستطيع أن ننتظر أكثر. هناك إستحقاق ينتظرنا في العام 2013، والخيار بسيط. صوّتوا لمن يريد أن يبني الدّولة، وأبعدوا من لا يريد الدّولة عنها. أنا أعتقد أنّ جميع الذين حكموا في لبنان قبل وصولنا الى الحكم، لا يزالون يمارسون للحكم لغاية اليوم بنفس الذهنيّة التركيّة العثمانيّة... لا نعرف بماذا نشبّه تصرّفهم هذا. مطلوب منكم أكثر من ذلك. المطلوب هو أن تكونوا فعّالين للدّفاع عن حقوقكم. هناك أربعة ملايين لبناني وخمسة وستون مليار دين. أي على كلّ لبناني خمسة عشر ألف دولار في السّنة. إذا كانت العائلة مؤلّفة من خمسة أشخاص، فإنّ حجم الدّين المترتّب عليها هو خمسة وسبعون ألف دولار. أولادنا وأولاد أولادنا سيقومون بتسديد حسابات، فيما نحن لا نعرف أين وكيف صرفوا هذه الحسابات.

 هذه مرحلة البناء، فإن لم نستطع تحسين الوضع المالي والإقتصادي لا نستطيع أن نستمرّ. أعطيت مثالاً بسيطاً جدّاً ليفهمه الجميع وهو مثال "الدّكّنجي" الذي يسجّل على دفتر ما يقبض وما يدفع. قد لا يفهم الجميع معنى قطع الحساب، حساب مهمّة، إعتمادات وسلفات خزينة... لن يفهم الجميع التّقنية في المال، ولكن كلّ المسألة تلخّص بأمرين: حجم المبلغ الذي دخل إلى الدّولة وحجم المبلغ الذي صرفوه. المهمّ ان يكون المصروف دقيقاً وليس مأخوذاً إلى الجيوب. هناك الكثير من الموارد في لبنان، ولو قمنا بصرفها كما يجب، لما واجهنا أيّ تأخير في الإنماء لأنّ الديون التي أخذناها هي أقلّ بكثير من الفوائد التي دفعناها، وهذا بسبب التّدابير الماليّة التي إتُّخذت في العام 1993 وما بعد. لا يمكن ولا يجوز أن يكون المواطن فقط متفرّجاً ويعيش حالة الإنتظار. نطلب من كلّ مواطنٍ أن يكون فاعلاً وديناميكيّاً ويساعد في مجتمعه. لكلّ منّا القدرة على التّأثير في ثلاث نقاط: محيط عائلته الصّغيرة، محيط بلدته ومحيطه المهني. كلّ منكم يستطيع أن يكون فاعلاً كلّ يوم في هذه الأماكن الثلاث، لأنّ اللّبناني يتكلّم بالسّياسة صبحاً ظهراً ومساءً. كما يتكلّم في السياسة في جميع المناسبات العائلية والاجتماعية وفي كل مكان.. لذلك، أنتم تستطيعون أن تصنعوا يقظةً جماعيّة في هذه المناسبات، وتستطيعون ان تخلقوا نوعاً من التّضامن في ما بينكم لكي نستطيع أن نصلّح. أسوأ ما يحصل معي ، هو عندما أقوم بأمرٍ معيّن ولا أحد يجاريني فيه، فيكلّفنا الكثير من الجهد، وعندما نربح يقولون: "والله طلع معو حقّ الجنرال". هذا فعلاً أكثر ما يزعجني. نتعرّض كثيراً لهذه المواقف وللتشكيك والانتقاد، ثم بعد أن تظهر النتائج يقولون: "العماد عون كان محقّاً"، بعد أن نكون قد أُرهِقنا بالمواقف المشككة والمنتقدة.

إنطلاقاً من هنا، نريد منكم جهداً أكبر، وأهمّ جهد تقدّمونه هو الكلمة. الكلمة تملك القيمة الأكبر فيما هي الأقل كلفة. الكلمة هي كلمتكم وتقولونها أمام أولادكم وأقاربكم وفي محيطكم. لا يجب أن يحمل المرء "بندَيرة"، ولكن من خلال علاقات بسيطة، يستطيع أن يغيّر الرّأي العام لأنّ الحكم فيه شبكة مافيويّة، تضم خليّة قضائيّة وخليّة إعلاميّة. فعندما يتمّ إكتشاف فضيحة معيّنة، يجد لها بعض القضاء مخرجاً مشرّفاً، أمّا بعض الإعلام فيحوّلها إلى إنجاز وطني، بينما في الحقيقة هي سرقة.

أتمنى في لقائنا العام المقبل أن نقول إنّنا إستطعنا تحقيق شيئاً ما، وأن يكون الوضع قد تحسّن. لا أريدكم ان تكونوا يائسين، لأنّهم عملوا على تيئيسكم وأنا أعرف ذلك من خلال تعليقات النّاس الذين يزورونني، إذ اسمع كثيراً من يسأل: "أتعتقد أنّك تستطيع أن تعمل فعلاً على موضوع المحاسبة في الوقت الحالي؟". هذه أبسط الأمور التي يجب إنجازها، والمواطنون يقفون متفرّجين بدلاً من أن يضعوا يدهم بيدنا ويساندوننا، وهنا أتكلّم عن الذين يؤيّدوننا وليس عن الأخصام. قال لي أحدهم: "رح يطلع بإيدك جنرال؟" فقلت له: "ما الذي تقوم به أنت لتصحيح هذا الموضوع؟ ساعدني فقط بالكلمة خلال شرب فنجان قهوة مع الأصدقاء"..

  • شارك الخبر