hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - نسيم الخوري (نسر حرمون)

عندما يصبح الوطن سلعةً تعرض في الساحات العامّة

الأربعاء ١٤ آب ٢٠١٩ - 06:20

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أمامي ببساطة مصطلحات ثلاثة تقلقني في لبنان: "إعلام"، "تأثير"، "رأي عام". أضعها كلّها بين قوسين تدليلاً على عدم نضجها المفهومي الوطني لدى أهل الرأي والإعلام وقد أثرى العديد منهم وينحدر معظمهم إلى البطالة والبحث عن مهنٍ جديدة وتنقرض سلطاتهم التي تجاوزت الحدود ولم تتحدّد مسؤولياتهم ولطالما كتبت عن عدم إعترافي وإحترامي الكامل لمهامهم وسلوكهم. لقد كانوا وما زالوا رماة الزيوت فوق النيران المشتعلة.
أترك صراع الديوك الخبراء والإعلاميين في الوضعين الإقتصادي والمالي إلى حيّزٍ آخر أو إنتظارٍ آخر أو تعفّنٍ يفصح عن عقولٍ مريضة تهدّم وطنها بألسنتها وتصريحاتها المرتجلة وكأن الوطن سلعة قابلة للبيع والشراء.
السؤال الكبير الأوّل: ما هو الإعلام وما دوره في إظهار الوقائع والحقائق والأرقام الصحيحة للناس ولماذا الإستغراق في جعل صورة لبنان والمنطقة كلّها أعشاشاً مرعبة للعبث والغزو؟
هو شاشات متعددة ومرايا متقعّرة متنافرة لأنظمة وسياسات وأحزاب متعدّدة وإعلانات تجارية متلوّنة وبرامج وشرائح بارزة ومتقدّمة من الصبايا الخرّيجات الجميلات اللواتي يبرزن أحياناً وكأنهن وصلن الى الشاشات من كواكب أخرى ومعهن إعلاميون ومحلّلون يكرهون الأسئلة ولا تغويهم سوى الأجوبة. سحبتهم النجومية من "سلطات" الإعلام ورسالاتها وجذبتهم تحوّلات الدول وإنهياراتها إلى التلذّذ بجلد الآذان والعيون والنفوس بالمصائب والكوارث الإرهابية والخرائب المتنقّلة كلازمة حياة/موت يمطونهما خصوصاً إذ يقف السياسيون متنافسين لإطلاق التصريحات المكرّرة المتناقضة العابقة بالشرور وتوسّع مناخات الخوف والتذكير بالحروب وعدم الإستقرار.
صار الإعلام إعلام حروب متعددة الأنواع، وتناكف إعلاميين أثرياء لا ينحصرون بالتلفزيونات أبداً ولا بالإذاعات أو بالصحف.
القرّاء في إنقراض مريع، لكن صدقوني، بأنّ المشاهدين هم في إنقراض أكبر يكرهون سياسات الشاشات والإنقسامات المتنوعة. سقطت الحدود كلّها وفرضت تقنيات التواصل المرضي حضورها تحقيقاً للمعاصرة السطحية. وصار التواصل حاجةً لربّما تتجاوز بل تسبق الحاجات البيولوجية لكنها تحقّق مستلزمات الفوضى التي لم ولن تخلق جديداً سوى ردود الأفعال.
كانت الشاشات تتبع السياسات في لبنان مثلاً بعدما تأسّست محاصصة على الطوائف والأحزاب، لكن بعدما تراجعت الدولة وقويت السلطات وتشابكت الطوائف وفقدت غالبية الناس ثقتها بالحزبيين والمنتفعين منهم، بدت وكأنها تخلي الميدان العام الى رجال المخابرات والأمن ونساء الإعلام. صارت السياسات تتبع الشاشات وغواياتها وتتوجّس منها إن لم نقل تخاف من أصواتها العالية وكشف الأغطية عن أسرار السياسيين وإنزلاقاتهم وإرتباطاتهم الخفيّة المشبوهة بالأنظمة والأعداء والجهات المختلفة الدولية والإقليمية.
من يدير الإعلام ؟ مدراء ورؤساء مجالس إدارات يوجّهون ويوجّهون (بفتح الجيم) من الخارج أيّ خارج بأثمانٍ وهدايا. هم الممسكون بالأرض وزمن الناس المقهورين حيث المخاطر والإغراءات والمال السريع والفوضى والساحة وشبكة من العلاقات الواسعة. كلّ العيون تنتظر إعلامياتنا بحللهم وثيابهم وكيدياتهم وعريهم وسلطاتهم ولهم سطوة وهيبة حيث لا أسرار إطلاقاً، وكأنّ كلّ ما يعرف يجب أن يقال. بكلمتين: سبقت الشاشات السياسات وتجاوزت كلّ السلطات الى حدود الفلتان الأخلاقي.
هل تؤثر هذه السلطات؟
يصعب الجواب بأقيسته الدقيقة بالرغم من كلّ نظريات التأثر والتأثير التي إهترأت لكثرة إستعمالاتها ورذلت في كليّات الإعلام. يبطل أن يكون لك دور في صناعة بضاعةٍ متخصّصة لها أساساً جدواها الوطنية قبل الجدوى المالية، ولها محاكمتها على فسادها كما المحاكمة على فساد الغذاء والدواء، ولها معايير لمنتوجاتها وبرامجها ومواصفاتها أهمّ من أيّ صناعة وطنية أخرى.
أوّل كلمةٍ يسمعها طلاب الإعلام أنّ طبيباً قد يقتل مريضاً أو يشوّهه عن طريق الخطأ، بينما تقلق إعلامية مبتدئة مسؤولي وطن أو تقتل مسؤولاً أو تخرّب جيلاً إن إعتقدت أنّ الشاشة أي شاشة هي مثل المرآة أمامها أو مصفف الشعر الذي يهندسها قبل طلّتها ويتباهى بها بأنّها هو الذي "خلق" صورتها.
هل يؤثّر الإعلام؟
بات التأثير كلمة فقيرة حقيرة جدّاً للتعبير عن دور الإعلام أساساً. هو يقلب الدنيا إن كان حرّاً من دون ضوابط لا يمكن التحكّم بسيوله. ما عادت تنفع الوقاية والرقابة في زمن تبادلت الأجيال فيه الأدوار السلبية وفارت الغرائز وإنحدرت العقول وإنقرض الحكماء. أتطلّع الى الإعلام في الدول العظمى هناك يصنعون إستراتيجيات الإعلام بعدما يصنعون وسائله ويروجون لها وقد يعجزون في مطاوعة الرأي العام. نحن لا نصنع مصباحاً مضيئاً في وسائل الإعلام ولا نصنع إعلاماً إلاّ إذا كان منقوعاً بالمال والطائفية والجمال والحريّات المطلقة، فكيف نصل الى صناعة الرأي العام. إنّه المصطلح المشتّت الذي لم يستقرّ فوق غصن شجرة لبنانية. ليس هناك من رأي عام في لبنان إلاّ بصيغة التشظّي الطائفي والمذهبي والمصلحي.
بأيّ لغةٍ نتكلّم عن الرأي العام. هل نغنّيه كذباً على طريقة زياد الرحباني؟ عن أي رأي عام نبحث في أكوام الطوائف والمذاهب والأحزاب؟
المفكّر سعيد تقي الدين أعطاه صفةً لا تليق بالحيوان إذ أسماه "بغلاً" والقاضي ذياب بركات زميل الدراسة في باريس إختصر أطروحته الدكتوراه بأنكار مصطلح أسمه رأي عام في لبنان .
ما العمل؟
ليس سوى سطرين في الوقاية المستحيلة ليس أكثر، علّنا نوقظ الأكثرية اللبنانية التي لا تسمع ولا تثق لا بالأحزاب ولا بالطوائف ولا بالمذاهب ولا بالإنقسامات ولا بتآكل السلطات ولا بتنمرد الشاشات؟
ماذا تفعل هذه الأكثرية؟
ربّما تتلهّى بالحياة المفرغة من معانيها مثل إعلام "اللايك" والصور والمسلسلات وتقطيع الزمان بإنتظار... ما لايمكن حصره وعليكم مساعدتنا لأن تملأوا هذا الفراغ... بالمصطلحات المناسبة للتفكير بمستقبل الأوطان التي لم تعرف ولن تعرف الخروج من الساحات الراقصة .

نسيم الخوري (نسر حرمون)
 

  • شارك الخبر