hit counter script

ليبانون فايلز - خاص خاص - كلوفيس الشويفاتي

رسالة من أضنة وطرسوس ومرسين إلى اللبنانيين

السبت ٢٣ آذار ٢٠١٩ - 05:48

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بعد مشقة ساعتين للوصول إلى مطار بيروت، انطلقت أجنحة لبنان بإتجاه أضنة، نحو أربعين دقيقة ودوّى صوت قائد الرحلة معلناً الاستعداد للهبوط.
من شباك الطائرة وأنت معلّق بين الأرض والسماء تتراءى أمام ناظريك سهول خضراء غنّاء، تخالها سجادة حيكت أو رُسمت بيدين من وحي إلهي، أين منها سهول البقاع وعكار..
هبطت طائرة الرحلة التي نظّمتها شركة نخّال في مطار صغير، دخلناه من دون تكلّف أو رهبة أو تعقيدات، حيث شعرنا لأول مرة أن المواطن اللبناني مرحّب به وطريقه سالك أكثر من الأجنبي، فزينة التي تحمل الجواز الأميركي اضطررنا إلى انتظارها نحو نصف ساعة لتنهي المعاملات، لنلاحقها بالمزاح عمّا يعانيه المواطن الأميركي في مطارات العالم...
المحطة الأولى كانت في مطعم يشرف بأبهة سلطانية على نهر سيحان وميناء صغير هو متعة للنفس وللنظر... وبعد طبق الكباب التركي والطعام الذي يحوي كلّ البهارات والحر لمن يرغب، انطلقنا تحت أمطار غزيرة إلى برج الساعة الذي يعود تاريخ بنائه إلى العام 1882.
المحطة التالية كانت في جامع صابنجي المركزي، بنته عائلة صابنجي الثرية التي تمتلك مئات المؤسسات والعقارات في المنطقة. الجامع قيمة فنية وعمرانية على ضفة نهر سيحان المترامي والمنحدر مسافة 560 كيلومتراً من جبال طوروس إلى المتوسط، يأخذ مداه الطبيعي من دون أي اعتداء أو تشويه لضفتيه بمبانٍ ودشم وردميات.. غير شرعية.
ورغم الأمطار الغزيرة توقفنا على الجسر الروماني الحجري الذي يجتاز الضفتين بقناطر رومانية تعلوها حجارة مرصوفة بمنتهى الجمال والدقة..
في اليوم التالي وتتبعاً لخطوات رسول الأمم إنطلقنا من أضنة إلى طرسوس حيث زرنا ما يعرّفونه بـ "كهف الإنسان الأول"، هو مغارة صغيرة، في لبنان الآلآف منها. دخلنا بعدها مغارة أخرى تحت الأرض، حفرت دهاليزها ووسّعت معارجها لتتحوّل معلماً سياحياً، ليس فيها نسبة خمسة في المئة من مساحة وجماليات مغارة جعيتا.
في تلك المنطقة الريفية شعب ما زال على طبيعته من دون أن يلوثه غبار التكنولوجيا ومصانع الموت وأبنية وجدارن الإسمنت، يستقبلك بلباس تقليدي عارضاً بضاعته ومنتوجاته في ساحة قرب الكهف فيعيدك إلى زمن مضى. الأطفال يمارسون ألعاباً انقرضت في يومنا هذا، دراجاتهم الهوائية دخلت متاحف لبنان منذ أيام بائع الجرائد. ولعبة البلبل الذي يلفه طفل بحبل ويرميه على قارعة الطريق، فـ"يغزل" أمام ناظريك بسرعة تخال أن توربينا يحرّكه، لعبة لا يعرفها أحد من أولادنا...
منتوجاتهم المحلية "بلدية" بتعبيرنا اللبناني لا تدخلها المواد الحافظة ولا الصبغات ولا التعليب... كان جورج، الكبير بيننا، يعرف عادات أهل هذه المنطقة وطعم الحر والملح والحلو والمر، يسبقنا ببعض الجمل والكلمات التركية التي تكسر المسافات والأسعار المتدنية أصلا بين البائع والشاري.
انطلقنا بعدها إلى كنيسة مار بولس في طرسوس، وبتغطية من محطة TRT التركية استكشفنا الطريق الروماني والبئر التاريخية ومياهها الشافية قبل دخول الكنيسة الحزينة، إذ لا راع ولا شموع ولا بخور فيها. على سقفها رسومات قديمة للسيد المسيح وللإنجيليين تحتاج ترميماً. وعلى جانب المذبح صورة للقديس بولس وضعت على سيبة خشبية.
الكنيسة محطة سياحية لا دينية، فلا جرس ليقرع ولا ذبيحة تقام ولا صليب ولا صلوات إلا بإذن خاص من السلطات.
من طرسوس إلى مرسين، واجهة بحرية نظيفة وميناء جعلوه منتزهاً ومكاناً للترفيه والرياضة وقبلة لطالبي الراحة والاستجمام.
أما جولات التسوّق في المحال و"المولات" التي شغلت أعضاء الفريق المتفاجىء بالأسعار المتدنية جداً، أخذت الحيّز الأكبر من الحديث، فخمسة أحذية اشترتها ميرنا لأولادها وزوجها بسعر حذاء واحد في لبنان، فهل هذا معقول؟ ومعطف زينة الجميل ثمنه زهيد، لبسته مباشرة متمتمة: "لا يمكنك أن تتجرأ وتسأل عن سعره في بيروت". أما مارلين التي كانت عرّابة الفريق و"أخت الكل" لم يمنعها إرهاق الرحلة من اقتحام متجر ثياب في آخر المشوار لشراء حاجيات ابنها وليم من الماركات العالمية وبأسعار خيالية. وكان تمني مصباح لافتاً "لا تخبروا من في لبنان كم هو سعر الحذاء إذا شاهدتموني انتعله في احتفالات رسمية".
أما عبير، ضحكة الفريق الدائمة، فملأت حقيبتها بما زاد وزنه وخفّ ثمنه، فيما اشترت لينا حقيبة إضافية لتنقل الثياب لأولادها بربع أسعارها في بيروت، ووثّقت كل شيء بالصور...
لميس الصورية كانت تراقب كل ذلك وتحلله من الناحية الاجتماعية والنفسية.
رافقتنا في رحلتنا أيضا ضحى البعلبكية الملتزمة والنظامية، وهدى السلطانة التي لم تفارق الضحكة ثغرها، ولم نصادف معضلة إلا والحلّ عندها، منذ صعودنا في الباص والتاكسي إلى قمرة قيادة الطائرة.
وتبقى الرسالة للبنانيين، أضنة وطرسوس ومرسين.. مناطق ليست أجمل من لبنان وجباله وشواطئه، لكنها أصبحت مقصد عشاق السياحة والتسوّق، لأنها أرض نظيفة لم يُسمح للبشر بتلويثها أو الإعتداء على مقدّراتها أو بمصادرة شواطئها ونهرها بحجج إنسانية واجتماعية رغم أن هناك الكثير من الأحياء البائسة والفقراء.. ولم يكن نفوذ الإنسان وجشعه وطمعه على حساب السائح والوطن والمواطن.. ومن له أذنان سامعتان فليسمع. 

  • شارك الخبر