hit counter script
شريط الأحداث

خاص - جورج غرّة

تحقيق: إفصلوا مطار بيروت عن تشكيل الحكومة... وإلاّ

الإثنين ١٥ أيلول ٢٠١٨ - 06:10

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع


ما حصل في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت منذ أيّام وأثار موجة من البلبلة في البلد يمكن أنْ يتكرّر في أيّ لحظة، خصوصاً وأنّ المطار ومنذ 20 عاماً لم تحصل فيه أيّة أشغال لتطويره أو توسيعه أو تغيير تجهيزاته، بل حصلت أعمال صيانة عاديّة لضمان استمراريّة العمل فيه، على الرغم من أنّ معدّاته وتجهيزاته باتت متهالكة، وقد أصبح بحاجة إلى ورشة "إعادة إعمار" كاملة، لاسيّما وأنّ ذلك لن يؤدي إلى كسر خزينة الدولة لأنّه مصدر أساسي لتغذيتها بنحو 300 مليون دولار سنوياً. ألا يحق إذاً لهذا المرفق الحيوي بحصة منها طالما أنه المطار الوحيد في البلاد وهو واجهة لبنان اتجاه العالم؟

رسائل ومناشدات
وَجَّهَت شركة "طيران الشرق الأوسط" في بداية العام 2016 رسالة رسميّة إلى رئيس الحكومة السابق تمّام سلام وتبعها منذ ذلك الحين عشرات الرسائل الخطّية والشفهيّة تحت عنوان "المخاطر التقنيّة الداهمة لبعض الانظمة الحساسة في مطار بيروت"، وفي حينها قالت الشركة للحكومة إنّه "مع بداية موسم الصيف، قد تتعرّض العمليّات التشغيليّة للخلل نتيجة تراجع قدرة أنظمة منشآت المطار، لأنّه مضى على تركيبها 20 عاماً وغالبيّتها لم يعد يتوفّر لها قطع غيار، ويمكن أنْ تتوقف بشكل مفاجئ عن العمل ما يعيق تشغيل المطار بشكل طارئ".
وشدّد "طيران الشرق الأوسط" في كتابه هذا على "ضرورة استبدال الأنظمة التي هي في حالة سيئة وحرجة على وجه السرعة لكي لا تتسبب بإنقطاع في تشغيل المطار". وتبيّن في حينه أنّ الكلفة التقديريّة لتسيير شؤون المطار واستبدال الأمور الملحّة هي 18.5 مليون دولار، وهذا المبلغ ليس لإعادة "نفض" المطار بل لتسيير أعماله الضروريّة.

أجهزة المطار متهالكة وتنبيهات أوروبيّة جدّية
في أي لحظة قد يتوقف العمل بـ"جرّارات الحقائب" أو بأنظمة البوابات أو بأنظمة التفتيش أو بحركة المطار كلها، لأنّ المطار بحالة يُرثى لها.
وقد نبّه الأوروبيّون الطيران المدني اللبناني جدّياً هذه المرّة بوقف كل الرحلات من وإلى لبنان. ما يعني أنّ أيّ طائرة منطلقة من أوروبا يمنع عليها التوجّه إلى بيروت، وأيّ طائرة من بيروت لا يحق لها الذهاب إلى أيّ دولة أوروبيّة. وهذا الأمر، إذا حصل، سيشكّل كارثة على البلاد فور الإعلان أنّ مطاره غير صالح عالمياً وسيفقد العالم كله ثقته بلبنان لهذه الناحية.

ما حصل سيتكرّر!
إذا انهار المطار تنهار الدولة، وما حصل منذ أيّام من زحمة ومن توقف في عمل المطار لم يتفاجأ به لا وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال يوسف فنيانوس ولا الطيران المدني ولا المسؤولين لأنّه متوقّع، وما سيحصل في الأيام المقبلة ما لم يتم وضع خطة طوارئ حقيقيّة سيكون أسوأ، لأنّ مطار بيروت أُنشئ منذ 20 عاماً لكي يستوعب 6 ملايين مسافر واليوم من المتوقع أن يقفل العام على 11 مليون مسافر. هذه الزيادة سببها ارتفاع عدد اللبنانيّين المسافرين كما تأثير وجود مليون ونصف المليون سوري، إضافة إلى اعتماد المصريّين المقيمين في قطر لبنان وجهة تحويل بسبب الأزمة الخليجيّة وعوامل أخرى أثّرت في ارتفاع عدد المسافرين في المطار.
عائدات المطار سنوياً هي 300 مليون دولار تذهب إلى خزينة الدولة وتدفع لخدمة العجز والدين العام، وفي المقابل ماذا تقدّم الدولة لصيانة واجهة لبنان؟ صفر ليرة... وبعد أزمة حقيقيّة في المطار تحرّك رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري وطلب صرف 18 مليون دولار لتحسين المطار مرحلياً ريثما يتمّ صرف 70 مليون دولار متبقّية لإعادة تأهيله بالكامل كما يجب.
فمطار بيروت حصل اليوم على 6 بالمئة من الأموال التي يجنيها سنوياً، ويجب أنْ يحصل على ما أقلّه 20 في المئة من الأموال التي يجنيها سنوياً لصيانته وتطويره بشكل دائم لأنّه رافعة البلد. فمن غير المقبول أنْ يتوقف "شريط الحقائب" وألاّ يكون هناك مكيّفات تعمل وأنْ يكون هناك نقص حاد بعدد الموظفين وأنْ يكون "موكيت" ومراحيض المطار بحالة كارثيّة والروائح الكريهة منبعثة من داخلها.
وفي حين تعالت منذ أيام أصوات تقول إنّ مطار نيس في فرنسا أصغر من مطار لبنان ويدخله ملايين الركاب، تردّ مصادر بارزة بالقول إنّه لو كان مطار لبنان يمتلك تجهيزات مطار نيس لكان سبقه بمراحل وحقّق إنجازات وبات نقطة "ترانسفير" في المنطقة، لأنّ موقع لبنان الجغرافي يسمح له اليوم أنْ يكون أقوى من نقطة اسطنبول حتى.

ذنب وزير الأشغال العامة والنقل
أعلن وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس عن الخسائر اللاحقة في تجهيزات المطار في أكثر من مناسبة ونبّه من مشاكله وشدّد في جلسات الحكومة على حاجة المطار لـ80 مليون دولار، ولكن الجميع ردّ بمقولة: "ما في مصاري"، ومرّوا على البند مرور الكرام وأهملوا واجهة البلاد الأساسيّة مجتمعين، و"لدى وقوع البقرة كثر السلاّخون".
في العام المقبل، إذا لم تُصرف الأموال اللازمة سنصبح من دون مطار، وسيُعلن الأوروبيّون جدّياً هذه المرّة أنّ مطار بيروت غير صالح، وسيوقفون الرحلات منه وإليه، وعندها "ستدبّ" الصرخة وسيرضخ مجلس الوزراء للأمر الواقع. رجاء إذاً، أبعدوا تشكيل الحكومة ومنصب وزير الأشغال العامة عن تطوير المطار وصيانته، وأبعدوا المناكفات السياسيّة عنه لأنّ "بهدلة ومذلّة" ساعة واحدة في أعين آلاف اللبنانيّين تضاهي مناصب الدولة كلها.
المشهد الذي حصل في المطار كان متوقعاً كما حصل سابقاً في العام 2015 ولكن اللبنانيّين ينسون سريعاً أو يتناسون. ومنذ العام 2016 نقول إنّ المطار تخطى طاقته الاستيعابيّة وتجهيزاته باتت سيئة، وفنيانوس منذ وصوله يسعى إلى إصلاح المطار ومجلس الوزراء مجتمعاً لم يعطه الأموال لتأهيل المطار، فلماذا يلومونه؟ أليس ذلك مجرّد مهاترات سياسيّة بسبب تشكيل الحكومة وملفات وحسابات أخرى؟
أبعدوا ذل الناس عن المناكفات، ولمن يستغلّ أزمة المطار لتحويل أشخاص إلى القضاء، كانوا في مجلس الوزراء، نسأل: لماذا سكتم في حينها ولم تمرّروا البند المتعلّق بالمطار (رقم محضره 58 ورقم القرار 6)، تحديداً في جلسة 8/2/2018 عندما قدّم وزير الأشغال العامة والنقل تحديثاً للمخطط التوجيهي لمطار بيروت، وقال في حينها إنّ المطار تجاوز القدرة الاستيعابية من 6 ملايين راكب إلى 7.8 وسيزيد مليون راكب سنوياً. وقال الوزير أيضاً وقتها إنّ الأنظمة والتجهيزات أصبحت بحاجة إلى الاستبدال وإلى تأهيل شامل بهدف الحفاظ على مستوى مقبول من الخدمات، وهذه الأعمال الملحّة والتجهيزات المطلوبة لا تدخل ضمن عقد التشغيل والصيانة الموقع بين "مجلس الإنماء والاعمار" وشركة "MEAS".
دائماً ما يقول الوزير فنيانوس إنّه لا يريد أنْ يلزّم جهة معيّنة، ولتمنح الـ18 مليون دولار لـ"مجلس الانماء والاعمار" ليلزّم الأشغال. هو لم يقل يوماً إنّه يريد 88 مليون دولار لوزارة الأشغال؟ وجع الناس في المطار غير مقبول. الأمور كان يمكن أن تكون أسوأ وقد تصبح أسوأ في الأيّام المقبلة.

فضيحة الفضائح... أوروبا تحذر
هل تذكرون الإنذار الأوروبي بشأن الأمور الأمنيّة الذي أتى منذ عامين لتحسين الإجراءات الأمنية؟
فُتح آنذاك ملف أمن المطار وتحسين الإجراءات الأمنية، وأُقرّ الملف في مجلس الوزراء في جلسة 12/4/2016 (رقم المحضر 93- رقم القرار 14)، وأتى يومها سفير الاتحاد الأوروبي والسفير الفرنسي وسفراء آخرون ووجّهوا إنذاراتهم، ومجلس الوزراء تحرّك فوراً بعد خضات إعلاميّة.
ولكن حتى اليوم لم يتم تركيب الأجهزة بعد صرف الأموال، والملف جال مطوّلاً بين دائرة المناقصات وبين ديوان المحاسبة. التجهيزات الأمنيّة والتقنيّة المطلوبة منها ما هو عالق في المناقصات ويتم حلّ أموره بالتراضي ومنها الآخر يتم شراؤه حالياً بعد عامين ونصف من الإنتظار، فالروتين الإداري في لبنان يقتل بنية الدولة. حتى اليوم التغييرات المطلوبة لم تحصل والمطار فعلاً تحت المجهر الأوروبي ما لم يتم تسريع الأعمال وتجهيز المطار بالمعدّات الأمنيّة اللازمة. فمن غير المقبول أنْ تبقى المعاملات تدور لعامين في حين أنّ الأمر ملح وأمني ولا يتعلق بلبنان فقط.
الـ18 مليون دولار التي ستُصرف ليست لتحويل المطار إلى مطار سنغافورة بل هي لترتيب المداخل ولتحضير البنية لوضع التجهيزات الأمنيّة الجديدة. وهذا المبلغ يلبي المتطلبات الأوروبيّة وتحقيق معايير السلامة الدولية وإلا سيصنّف مطار بيروت على أنّه "مطار غير صالح للاستعمال". وهنا الخطورة، فالأوروبيّون يقولون إنّ اللبنانيّين يكذبون ولم ينفّذوا أيّ التزام والوضع خطير، وتحويل الحملة ضد وزير الأشغال فيها ظلم وافتراء، لذلك إرحموا المطار وأخرجوه من التنانش، ولا تستعملوه لتسديد فواتير حسابات سياسيّة خلفيّاتها تقع كلها في إطار تشكيل الحكومة. فإذا لم نفِ بإلتزامنا للأوروبيّين فعلى مطار بيروت ألف سلام.

الضغط يرتفع
كادر الموظفين في المطار في الطيران المدني صغير بالنسبة لعمل المطار، وما ليس مسموحاً به أنْ تقدّم شركة خاصة مثل "الميدل إيست" 200 عامل على الجرارات، لكي تصل الحقائب من الطائرات إلى الركّاب، لأنّه من دونهم هناك مشكلة حقيقيّة.
من جهة أخرى عُلم أنّ فنيانوس سعى إلى إنشاء "الهيئة العامة للطيران المدني" عبر قانون عمره سنوات. فمنذ أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحتى اليوم عجزت الدولة عن تعيينه، وهذه الهيئة مهامها تولّي كل ما هو تنظيمي وتحريكي.

عطل "سيتا" أسقط القناع
ما حصل مع شركة "سيتا" يحصل في كل العالم، والمشكلة أنّه حصل في فترة مزدحمة من العام، والجميع يشكر عطل شركة "سيتا" لأنه أسقط القناع عما يحصل من كيديات سياسية بحق المطار، فلولا العطل لما تحرّك الجميع، وكل الفكرة هي أنّ استعمال عذاب المسافرين من أجل كيديات سياسيّة لا يؤدي إلى إصلاح المطار، بل سيؤدي إلى مطار متوقف نهائياً عن العمل في العام المقبل.
فمن المتوقع أنْ يرتفع عدد الركاب 9 بالمئة في العام 2019، وثقافة السفر اليوم في لبنان باتت سهلة ولم تعد حكراً على الميسورين مادياً بل باتت في متناول الجميع وبات كل مواطن يسافر أكثر من مرة في العام، لذلك سيرتفع الضغط على المطار أكثر كل عام.

إفصلوا المطار عن التشكيل... وإلا
المهم اليوم هو اخراج المطار من لعبة الحكومات والتأليف وتوزيع الحقائب، فهل مشكلة المطار هي في توزيع الحقائب؟ البعض يريد أنْ يأخذ وزارة الأشغال من "تيّار المردة" وفي المقابل يتم تدمير المطار. والخلاصة غير المقبولة أنْ يتم تأخير المناقصات بسبب أو من دون سبب، في ما خصّ التجهيزات الأمنيّة في ديوان المحاسبة ودائرة المناقصات لأنّ هناك التزام مع الأوروبيّين وإلا فهناك عقوبات كبيرة على لبنان ستنال من كل بنية البلد. فهل يتحمّل الديوان المسؤولية عن التأخير والعقوبات وأنْ يستغرق الأمر أكثر من عامين ونصف لنبدأ بشراء المعدّات؟
هناك مزايدات في موضوع المطار، فمطار مردوده 300 مليون دولار سنوياً يحق له بشيء منها بدل أنْ تذهب كلّها لسد العجز ودفع فائدة الدين العام. المطار هو وجهة سياحيّة واقتصاديّة ومطار بيروت بات معبراً للبنان وسوريا ولديه تأثير كبير على الاقتصاد الوطني وحركة السياحة وحركة النمو الاقتصادي.
 

  • شارك الخبر