hit counter script

باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

تفكيك المصطلحات في عصر التغيير الناعم

الإثنين ١٥ آذار ٢٠١٨ - 06:16

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ماذا يفهم القاريء العربي إذ يقال له بأنّ "المجتمع الإنساني" أو "المجتمع الدولي" يدين دولةً ضعيفة من العالم لأنّ ما يحصل فيها يتناقض مع "حقوق الإنسان" أو مع "مواثيق المؤسسات الدولية" أو "مباديء الأمم المتّحدة" و"القوانين الدولية". له الحق ألاّ يفهم شيئاً ، ونحن معه عندما نجد أنفسنا نكرّر كلمات مبهمة المضامين تشابه العديد من المصطلحات والمفاهيم الأخرى المعرّبة عن الإنكليزية أو المولّدة عربياً بما يناقض مضمونها الأصلي الأممي منذ أن ضربت فلسطين بصاعقة 1948 وصولاً إلى صواعق " الربيع العربي" منذ سبع.

لو خطونا نحو لبنان المشغول بالإنتخابات البرلمانية اليوم والتي قد لا كثيراً الى المشهد المألوف في الإنتخابات البرلمانية ، لوجدنا الفتون الشعبي بمصطلح جديد هو "المجتمع المدني". ما الذي يعنيه هذا المصطلح/اللعبة الذي قد يفهمه البعض بكونه مجتمع غير عسكري أوغير أمني ولا علاقة له بالسلطات المألوفة أو هو خارج من المدينة أو من العاصمة رافض لما هو سائد. وقد يفهمه آخرون بكونه المناهض للمجتمعات القبلية والريفية ، مع أنّ جذور المصطلح خرجت أميركياً من رحم تجمّع جمعيات لمجموعات من المواطنين الناشطين في الميادين المختلفة والتي قد تجد ظرفاً لتتعاضد من أجل تصويب أخطاء يرتكبها الحكام أو كبار الإدارييين في المؤسسات الرسمية والخاصة. وبهذه العودة صار يعيّر "المجتمع المدني" بالتبعية للغرب.
كيف نفكّ مصطلح" الدولة الفاشلة" Failled State مثلاً المتداول على أكثر من مستوى وغرض في نظرة الغرب إلى بعض دولنا؟ إنّه مصطلح صار مألوفاً في الثقافة العربيّة المعاصرة ويختلط بمصطلحين آخرين مشابهين مثل " الدولة المارقة" Rogue State أو "الدولة الهشّة" أو"الضحلة" Fragil State.
للتدقيق ، جاءت الإشارة الأولى لفشل الدول على اللسان الأميركي توصيفاً للدول الشيوعية بين 25 أكتوبر/ تشرين الأول 1917 و25 ديسمبر/ كانون الأول 1991، حيث عاش العالم مع الاتحاد السوفييتي الإمبراطورية العظمى التي دحرت ألمانيا النازية، ونافست الولايات المتحدة قبل أن يعلن إسقاطه من داخل من دون إهدار نقطة دمٍ واحدة. وفي العام 1993 نشر مقال في مجلة "الفورين أفير" بالعنوان ذاته، وفي ال2005 أصدر صندوق السلام تقريره السنوي الذي صنّف فيه يوغوسلافيا وهاييتي والصومال والسودان وليبريا وكمبوديا دولاً فاشلة غير قادرة على الحفاظ على نفسها كدول.
وكاد الفشل ينحصر في 3 عناوين كبرى هي سلب الموارد والأزمات الداخلية والكوارث المناخية والضغوط الخارجية لتتفرّع مواصفات الفشل في ذرائع منها الإنهيار الإقتصادي، فقدان الشرعية،إنتهاك حقوق الإنسان، فشل الخدمات العامة، غياب القانون، سيطرة أجهزة الأمن على الدولة،إماء غير متوازن، نزيف بشري، بعثرة الديمغرافيا عبر النزوح والهجرة، تدخل خارجي حائل دون نهوض الدولة.
كيف نفهم العالم بل كيف نتصالح معه ونفهم لغته ومصطلحاته ونفك إستراتيجياته ونعرّي مطامعه ومصطلحاته، وبأي عين أو عقلٍ ننظر إليه ، لو وضعنا هذه المواصفات أو المصطلحات أمامنا وحاولنا تطبيقها ونحن نتطلّع بحرقةٍ وضعف دفين إلى دول العرب وتحديداً إلى مدينة القدس مثلاً وإغلاق باب كنيسة القيامة بالمفتاح الحديدي الصديء الذي يختتم الزمان المسيحي في مهد المسيح ويختم على مفاهيم المثل وسلوك الإيمان أمام المؤمنين؟
أليس في المصطلحات تقيم الدول العظمى لتفرغ المسيحيين من مسيحيتهم بعدما أفرغت جوهرهم في الغرب وتتطلّعٍ نحو إعياء المسلمين وتجويف حضورهم من عقائدهم وتواريخهم؟ بأيّ مصطلح نقرأ إلحاح الولايات المتّحدة الطاريء وإستعجالها بنقل سفارتها إلى القدس، أو بطلب "إسرائيل" من الكنائس فرض الجزية والخوّات لها من صواني المؤمنين؟
لنعترف بأنّ ظاهرة لغوية مستوردة تخلط الفشل بالنجاح وتجتاح الألسن والنصوص في وسائل الإعلام كما في تصريحات السياسيين وخطبهم. هذه الظاهرة تضرب في الجذور وقد تطفو على السطح بهدف التعمية أو عدم الوضوح، ولطالما صادفناها عناوين لحروبٍ قاسية طاحنة كانت حافلة بالرمزية والشاعرية. كان الهدف الأقصى وما زال بث الضياع إلى حدود التشويش في معايير الضعف والفشل مقابل القوة والنجاح في توصيف الدول وأرضها وشعوبها.
ما يطرح اليوم حول الدول الفاشلة له حيز كبير من الإهتمام وقد كتب وسيكتب فيه الكثير، لكنها مقاربات تفتقد الى الرؤية المتسلسلة المنطقية والبحث أو التحليل أو التمحيص.
ما هي معايير وطرائق وفلسفة وأسباب ونتائج إظهار دولة ما بأنها فاشلة؟
ما هي تعريفات الفشل؟
قد يكون لكلّ دولة من دولنا العربيّة والإسلامية إختراع دولي جاهز لإعلان فشلها الخاص عندما يمطّ التعريف مساحته إلى ما يتجاوز معانيه من حيث خلط الفروقات والحدود بين السلطة والسيادة والميثاقية والقوانين لا بهدف التغيير بل الإنصياع. الميثاقية أو المواثيق تتجاوز القوانين والتشريع يتحول إلى قوانين لكنّ التوصيف والإشارات الدولية إلى فشل دولة ما لا يصبح قانوناً، لكن تبقى القاعدة الكبرى له قدراً مسنوداً إلى "معاهدة وستفاليا" التي أقرّت البذرة الأولى لسيادة الدولة مع إستحالة محو الأطماع والتوسعات في إظهار السلطة والقوة في علاقات الدول.
صحيح أنّ القاعدة في فهم العرب لمصطلحات الغرب وتعريبها هي أنّ" ما شاع عاش"، لكنها قاعدة يفترض كسرها، لضرورة التفريق بين الفشل والسقوط أو الرسوب في فهم مصطلح Failled. هناك فشل كامل ونهائي ومستمر قد نجده لدى الأفراد يكون أو يصبح مرضياً أو بدافع مرضي وخارج عن طاقاته، لكن هناك صعوبة قوية ونادرة في إيجاد دولة مريضة نوصمها بالفشل منذ نشأتها. قد تكبو الدولة لكنها تتجاوز كبوتها إلاّ إذا كان هناك نوايا لحذفها كما حصل ويحصل مع الكثير من الدول.
ليس هناك من معايير دولية جازمة في مواضيع القول ب"الدولة الفاشلة" هناك ربّما قوانين أو إشارات تسقط على بعض الدول التي تطوّع أصابعها العشر وتشهرها في وجه العالم ويصبح العالم ساهراً على العدالة الدولية المستجيلة ، فتصبح المعاندة خروجاً عن تطبيق "الإرادة الدولية" (كيف نعرّف الإرادة الدولية ؟) بما يهدّد الأمن الدولي ، لكنّ تلك الإشارات في مجلس الأمن أوالأمم المتحدة لا تصبح قوانين تقرّ بالفشل إلاّ عند تعميم شعارات السيادة والمواصفات المستوردة الكثيرة كسجادات تعبر فوقها نحو تحقيق عصر السيطرة الناعمة الجديدة.

أستاذ مشرف في المعهد العالي للدكتوراه، لبنان

  • شارك الخبر