hit counter script

مقالات مختارة - مشرق عباس - الحياة

غضب كثير في العراق

الأربعاء ١٥ كانون الثاني ٢٠١٨ - 06:29

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا يمكن إغفال حجم الغضب الذي يسيطر على أحاديث العراقيين كلما جاء ذكر الوسط السياسي العراقي، أو الانتخابات والحكومة، أو رجال الدين وزعماء العشائر وحتى المثقفين ووسائل الإعلام!

واقع الحال أن الشعب العراقي الذي تعرض إلى حملات إبادة متواصلة، واختبر رعب الإرهاب والمليشيات والحروب التي لا تتوقف، ولملم عظام مئات الآلاف من شبابه في حفر المقابر، يحق له أن يجرب أعراض الكآبة الجماعية، مثلما يحق له أن يمر بمرحلة الارتياب بشأن مؤامرات كبرى تحاك له، ويشارك فيها الأخ والصديق والجار قبل العدو. يجري هذه الأيام الحديث في العراق عن مقاطعة الانتخابات، كترجمة لكل هذا الغضب، فليس من المنطقي أن يطرق الساسة باب سيدة فقدت عائلتها تحت انقاض المدينة القديمة في الموصل للمطالبة بصوتها، ولن يفعلوا مع أمهات ضحايا سبايكر، ولا أيتام الآلاف ممن فقدوا حياتهم ضمن «الحشد الشعبي» والجيش والشرطة، ويراد المتاجرة سياسياً بدمائهم في الانتخابات المقبلة.

قد يعرض أي سياسي نفسه للطرد والضرب بالأحذية لا بالطماطم، إذا جرب زيارة خيم النزوح في شمال العراق، أو مدن الصفيح جنوبه، أو مواجهة خريجيين عاطلين من العمل، أو أحياء تغرق في الظلام والمرض والجهل والمزابل.

إنه الغضب إذاً، ويخطئ من لا يتلمسه كيقين، والوسط السياسي من المفترض أن يشعر بالقلق من انفلات الغضب العراقي، وكان جرب خطره في تظاهرات اقتحام المنطقة الخضراء، لكنه مع هذا مازال يراهن على أن حسابات الانتخابات مختلفة عن حسابات الشعارات، وأن بالإمكان وصول السياسيين المغضوب عليهم إلى مقاعد البرلمان ومن ثم الحكومة بالاعتماد على قانون انتخابي مفصل على مقاساتهم، إضافة إلى التزوير، وشراء الأصوات، والتهديد بالمليشيات، والتحايل على بنود قانون الأحزاب.

الحقيقة المؤلمة مفادها أن بالإمكان فعل ذلك، وكانت انتخابات 2014 قد مثلت ترجمة للتلاعب بالقانون ومن خارج القانون على إرادة الناخبين، وان المعادلات الرياضية التي تتقنها الماكينات الانتخابية المدربة، لا تخطئ كثيراً، ما يغلق إلى حد كبير باب المفاجآت، ومعها يغلق باب الأمل بالتغيير.

دعوات مقاطعة الانتخابات التي تبنتها في هذا الموسم أطراف دينية وعلمانية، وفئات شعبية متضررة ويائسة، تنسجم مع حسابات الماكينات الانتخابية، فالمقاطعة افضل بكثير من «التصويت العقابي»، والقوانين لا تمنح نسب المشاركة قيمة.

الجسارة التي تتمتع بها الأحزاب العراقية خصوصاً الدينية منها، بمواجهة الغضب الشعبي، دفعتها للنزول إلى الانتخابات بتشكيلتها الأصلية، فلم تكلف نفسها حتى محاولة اللعب بالمرشحين الاحتياط! فهي تستثمر فعلياً بالسخط واليأس والإحباط، ولا تجد نفسها تجازف بدفع الغضب إلى مراحل متقدمة، بل تدرك أن ثمة نقاط تنفيس دينية وقبلية ومذهبية وقومية يمكن استخدامها في أوقاتها. دعاة المقاطعة يتحدثون عن أن الأحزاب الشيعية والسنية والكردية الهرمة، تعيد إنتاج نفسها بالتكيف مع مصطلحات «المدنية» و «الوطنية» و «عدم التبعية للخارج» و»الانتصار على داعش» و «محاربة الفساد» فتصوغ في نهاية المطاف المطالب نفسها التي حملها الغاضبون لأكثر من عقد مضى.

لكن المقاطعين لا يجدون من بين 206 أحزاب سياسية، عدد كبير منها لم يشترك في الانتخابات سابقاً، وتضم المئات من المرشحين الشباب والأكاديميين وغير المنتمين إلى القوى التقليدية، من يستحق أن تتم الدعوة إلى انتخابه، فهم يائسون تماماً، ويعتقدون أن القوى الصغيرة سوف تبتلع أو يتم شراؤها، وان حيتان السياسة العراقية ستستولي، كما اعتادت، على حصة الأسد حتى لو جمع كل مرشح مئة صوت تمثل أفزاد عائلته وعناصر حمايته.

نعم لا بد من الاعتراف بمستوى الإحباط الذي تخلفه عودة الوجوه السياسية المتسلقة على أزمات العراق من جديد إلى واجهته، والتنديد بطبقة سياسية وصولية لا يعنيها نتائج إهمالها لكَرَب العراقيين، لكن لابد من الاعتراف في المقابل بأن طريق التغيير طويل، ومكلف، وان القوى الغاضبة، عليها أن تترجم غضبها إلى أصوات وناخبين كنوع من «الاستشفاء» الجماعي. ومن دون ذلك، فإن علينا انتظار طوفان جديد.
مشرق عباس - الحياة

  • شارك الخبر