hit counter script

مقالات مختارة - مصطفى زين - الحياة

في أن الأساطير ليست واقعاً

الأحد ١٥ كانون الأول ٢٠١٧ - 06:57

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

«... مهلاً، هل هذه الوقائع والحقائق التي تحيط بنا من كل جانب لها نوع من التعالي أو القداسة أو العظمة، التي يجب أن ننحني لها لمجرد كونها حقيقة؟ نقول لترامب: لو كنت رئيساً لبلادك في زمن هتلر، هل كنت ستعترف باستيلاء هتلر على أوروبا لكونها حقيقة؟ وهذا إبراهام لينكولن، هل كان ينبغي له أن يعترف بالعبودية لأنها واقع؟ وهذا جورج واشنطن الذي وقفت تحت صورته للإدلاء بتصريحك العجائبي الخبيث بشأن قدسنا: لو كنت معاصراً له، هل كنت ستهمس في أذنه أن يعترف بسلطة بريطانيا لأنها أمر واقع؟ هل التاريخ سوى سلسلة من ردود الفعل على الوقائع، من نبذ الوقائع المشينة واللاأخلاقية؟ من التفاعل المستمر مع الواقع؟ هل الاعتراف بالواقع يستدعي الاستسلام له، للجريمة، للشر، للظلم والعدوان؟ لو قيّض للبشرية أن ترضخ للواقع كما يعرفه ترامب وصاحبه (نتانياهو)، لما كان للبشرية تاريخ يستأهل التدوين، بل لما كان لها تاريخ أصلاً» (طريف الخالدي).
عام 2014، دعا نائب الرئيس الأميركي جو بايدن دول الشرق الأوسط إلى التعاون «للقضاء على التهديدات المشتركة التي تواجهها المنطقة». قال: «لو أنني يهودي لكنت صهيونياً... والدي لم يشترط بي أن أكون يهودياً كي أكون صهيونياً. هذا أنا (صهيوني) إسرائيل ضرورية لأمن اليهود حول العالم».

العودة إلى التاريخ القديم اعتماداً على التوراة واعتباره واقعاً فيها الكثير من العسف. الأساطير ليست تاريخاً. هي رؤية بدائية متخلفة إلى الحياة والموت. وليست وقائع. وما تبرير احتضان أميركا وأوروبا إسرائيل وتقديس وجودها، باعتباره «وعداً إلهياً»، سوى تبرير للاستعمار، وإبادة شعوب وإخضاع أخرى. تبرير لا يقنع إلا «المؤمنين» بأساطير غيبية كانت تخيف البدائيين العاجزين عن فهم ما حولهم من ظواهر طبيعية وتحولات اجتماعية. الطريف والمأسوي معاً، أن معظم السياسيين في أميركا وأوروبا، بعد أكثر من ألفي عام على تلك الأوهام، ما زالوا يعتبرونها بوصلة عملهم في الشرق الأوسط الذي يتهمون شعوبه باللاعقلانية وإنكار الواقع، يشاركهم في ذلك مثقفون عرب يدعون الليبرالية والواقعية، ويتعالون على الأهل باعتبارهم «ماضويين»، ويصفقون لماضوية ترامب، وهو في أحسن حالاته وأفضل اجتهاداته الفكرية يعود إلى بعض ما سمعه عن إصلاحات دينية أطلقها مارتن لوثر، حين أعاد المسيحية إلى «جذورها» اليهودية المزعومة، وأسّس لما نعرفه اليوم بالصهيونية المسيحية المنتشرة في أميركا على مستوى شعبي ونخبوي، يسترجعها أمثال جورج بوش الأب والابن وبايدن وترامب وأعضاء الكونغرس في خطبهم وقراراتهم. ومن رؤيتها العدمية إلى العالم، استمد المحافظون الجدد أيديولوجيتهم المدمرة. وما دعوتهم إلى بناء شرق أوسط جديد ينهض من رماد القديم سوى صدى لهذه العدمية التوراتية التي ترى إلى كل الشعوب خدماً لدى «شعب الله المختار»، وإلا وجبت إبادتها.

لم نكن لنعود إلى الكلام على هذه الأوهام وإثارتها من جديد لو لم يملك المؤمنون بها، مثل ترامب ونخب عربية وغربية، أهم وسائل الإعلام وأفضلها، ويتحكمون بمصائر شعوب بأكملها ويستطيعون شن الحروب ونشر الدمار والخراب، باسم الواقعية، ويبرّرون احتلال فلسطين ويؤيدون اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لها باسم الواقعية وعدم جدوى الرفض والمقاومة، كأن وجود الشعب الفلسطيني في بلاده ليس واقعاً، والاحتلال والقمع والقتل والاستيلاء على الأرض وطرد السكان من بيوتهم وسجن عشرات الآلاف والدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل، ليست واقعاً.

لجأ ترامب إلى تقديس الأساطير لتبرير وقوفه إلى جانب إسرائيل باعتبارها دولة اليهود، واعداً الفلسطينيين من دون أن يلفظ اسمهم بسلام دائم، بعد رضوخهم لواقعه. ألغى التاريخ كله وأوقفه عند وعود قال إنها أصبحت أزلية، تحرسها أسلحة دمار شامل وأساطيل وصواريخ وجيوش على استعداد لشن الحروب وقتل من يقف في طريقها.
 

مصطفى زين - الحياة

  • شارك الخبر