hit counter script

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

مرحلة الصواريخ الباليستية والميليشيات

الخميس ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 06:59

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كان ردّ الفعل الايراني على البيان الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية الذي يدين ممارساتها «الإرهابية» في المنطقة وممارسات ميليشياتها، في مقدّمها «حزب الله»، بانّه من النوع الذي «لا قيمة له».

تتصرّف ايران في المنطقة من منطلق ان كلّ شيء مباح لها، بما في ذلك الحصول على أسلحة إسرائيلية في اثناء حربها مع العراق بين العامين 1980 و1988 في ما عرف بـ «ايران غيت».

كان الصاروخ الذي اطلقته ايران من اراضي اليمن في اتجاه مطار الملك خالد في الرياض بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير. لم يكن الصاروخ سوى تتويج لسلسلة من العمليات العدائية والاستفزازية تستهدف المملكة انطلاقا من الأراضي اليمنية التي تقع تحت سيطرة الحوثيين (انصار الله) الذين تربطهم علاقة عضوية بـ «حزب الله» في لبنان والذين تديرهم ايران بصفة كونهم ذراعا من اذرعتها في المنطقة.

ليس الاجتماع الاستثنائي الذي عقده مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية سوى دليل على ان السعودية باتت تعتبر ان كفى تعني كفى وانّ لا مفرّ بعد الآن من خطوات عملية لمواجهة الخطر الايراني. صار واضحا من خلال البيان الصادر عن مجلس الجامعة انّ هناك وعيا كاملا لما تقوم به ايران في المنطقة. هناك متابعة في غاية الدقّة لنشاطاتها مع تركيز خاص على الصواريخ الباليستية. تلك الصواريخ التي تعمل ايران على تطويرها والتي يتبيّن مع الوقت انّها، مع الميليشيات المذهبية، اخطر بكثير من الملفّ النووي الذي كان موضع اهتمام إدارة أوباما.

هل في استطاعة الدول العربية الاقدام على خطوات تقنع ايران بانّ البيانات الصادرة عن الجامعة العربية ليست من النوع الذي «لا قيمة له»؟ سيتوقف الكثير على ما سيلي الاجتماع الأخير لمجلس الجامعة. في هذا الاجتماع، كان هناك وضوح ليس بعده وضوح لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير. كذلك، كان وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن احمد بن محمد آل خليفة في غاية الدقّة، خصوصا عندما تطرّق الى نشاطات «حزب الله» وسلوكه. لم يعد سرّا ان هناك علاقة في العمق بين الحزب ومواطنين بحرينيين يعادون المملكة الصغيرة التي استقبلت تاريخيا اعدادا كبيرة من اللبنانيين والتي كان أبناؤها يعتبرون لبنان وجهة سياحية طبيعية لهم.

سيكون موضوع الصواريخ الباليستية موضوع الساعة في الأشهر والاسابيع المقبلة. الموضوع ليس مرتبطا بايران وحدها، بل بدول تسميها الولايات المتحدة بـ «المارقة». تستفيد هذه الدول من التكنولوجيا الكورية الشمالية لتطوير ترسانتها الصاروخية. لذلك، كانت فرنسا على حقّ عندما دعت الولايات المتحدة الى معالجة هذا الموضوع بما يستحقّ من اهتمام بدل التركيز على الملفّ النووي الايراني والاتفاق الذي تمّ التوصّل اليه في شأنه صيف العام 2015. لم يكن الملفّ النووي الايراني في واقع الحال سوى غطاء لنشاطات أخرى اكثر خطورة منه بكثير. في مقدّم هذه النشاطات، يأتي تحرّك الميليشيات المذهبية التابعة لإيران في دول عدّة من بينها العراق وسورية ولبنان والبحرين واليمن. يأتي دور الصواريخ الباليستية حيث لا تستطيع هذه الميليشيات الوصول، أي الى مدينة مثل الرياض على سبيل المثال.

كانت الشكوى من الملفّ النووي الايراني، إسرائيلية، فيما كانت الشكوى العربية من الميليشيات المذهبية الايرانية ومن سعي ايران الى اختراق نسيج المجتمعات العربية والاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية. زاد الآن ملفّ الصواريخ الباليستية الذي يمكن ادراجه في الخطة الايرانية البعيدة المدى القاضية بتهديد كلّ مدينة عربية، خصوصا المدن ذات الطابع السنّي او المختلط والمتنوّع. لعلّ ما حل ببغداد ثمّ في الموصل افضل دليل على نيات ايران تجاه المدن العربية القديمة. كلّ مدينة سورية تعاني الآن من ارتكابات ايران وفظاعاتها. ماذا حلّ بحلب وحمص وحماة؟ ماذا سيكون مصير دمشق المطوّقة من كلّ الجهات؟

اذا لم تل الكلام الصادر عن اجتماع مجلس الجامعة أفعال حقيقية، ستبقى ايران تستخفّ بالعرب، خصوصا بعد ابتلاعها للعراق. يمكن الانطلاق من ملفّ الصواريخ الباليستية للتأكيد لإيران ان لكلّ شيء ثمنا.

اعلن وزير الخارجية السعودي ان بلاده «لن تقف مكتوفة». هذا كلام كبير يفترض ان تليه خطوات عملية وترجمة على الارض، خصوصا انّ الأكثرية الساحقة بين الدول العربية الأعضاء في مجلس الجامعة ايدت الموقف السعودي. جرت العادة ان تتحفّظ الجزائر. لكنّها لم تفعل هذه المرّة. لم يشذّ سوى لبنان والعراق لاسباب لم تعد تخفى على احد.

عاجلا ام آجلا، سينتقل ملفّ الصواريخ الباليستية الى مجلس الامن. سيحمي «الفيتو» الروسي ايران مجددا مثلما يحمي استخدام نظام بشّار الأسد للسلاح الكيميائي في حربه على الشعب السوري. في ظلّ «الفيتو» الروسي، سيكون هناك مزيد من العقوبات الأميركية والأوروبية على ايران.

المفارقة انّ ايران التي لا تجد ما تصدّره غير الميليشيات المذهبية والصواريخ والأسلحة تتحدّث عن «انتصارات» في المنطقة. على من تتحقّق هذه الانتصارات التي يتولى تعدادها الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله، الذي قلبه على الشعب اليمني، فيما مهمّته الحقيقية الانتقام من السوريين من شباب ورجال ونساء وشيوخ واطفال وتهجيرهم وتجويعهم. كلّ ذنب هؤلاء انّهم طالبوا ببعض من كرامتهم.

في النهاية ليس اثارة ملفّ الصواريخ الايرانية ونشاطات ايران وتدخلاتها في شؤون دول المنطقة في مجلس الجامعة سوى بداية. ليس سرّا ان السعودية ما كانت لتقدم على مثل هذه الخطوة لولا شعورها بانّ مرحلة ما بعد صاروخ الرياض ليست مثل مرحلة ما قبل هذا الصاروخ.

تكمن اهمّية هذا الصاروخ في انّه كشف انّ هناك حاجة الى عمل عربي مشترك وما يتجاوز العمل العربي المشترك الى تعاون مع الاميركيين والأوروبيين لافهام ايران ان هذه ليست مرحلة شبيهة بمرحلة ملفّها النووي بمقدار ما انّها مرحلة من نوع مختلف.

في النهاية، هل تستطيع إدارة دونالد ترامب التأكيد انّها مختلفة عن إدارة باراك أوباما وان تبرهن ان وقوفها مع حلفائها العرب في المنطقة ليس وقوفا بالكلام فقط، بل انّ لدى هذه الإدارة ما تدعم به الكلام؟

اتخذت فرنسا، عبر الرئيس ايمانويل ماكرون، موقفا في غاية العقلانية عندما دعت الى التركيز على ملفّ الصواريخ الباليستية والنشاط التخريبي لإيران في الشرق الاوسط والخليج. يفترض في إدارة ترامب تجاوز عقدة الملفّ النووي. بكلام أوضح، يفترض فيها الاقتناع بان الصواريخ والميليشيات المذهبية واثارة الغرائز المذهبية هي السلاح الأخطر لإيران... وكلّ ما عدا ذلك تفاصيل وتلهّ بها وهرب من مواجهة الواقع في منطقة تقف على كفّ عفريت.
خيرالله خيرالله - الراي

  • شارك الخبر