hit counter script

باقلامهم - بشارة الشمالي

ما بين كردستان العراق وكاتالونيا اسبانيا

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 06:09

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تزايد عدد الدول تباعاً منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي الى تفكك يوغوسلافيا ونشوء دول جديدة منبثقة من حركات انفصالية حول العالم. ومع فارق أيام قليلة ما بين استفتاء كردستان العراق واستفتاء إقليم كاتالونيا في اسبانيا، فلا بد لنا أن نطرح القواسم المشتركة والإختلافات بين الإستفتائين بالإضافة الى استفادة كل من الجهتين من العبر التاريخية على المستوى الوطني، الإقليمي والدولي.

"لن نعيد أخطاء أجدادنا منذ مئة عام"، بهذه العبارات الصارمة توجّه لي أحد قادة حزب الإتحاد الديمقراطي السوري PYD في لبنان أثناء مناقشة تطورات الأزمة السورية سنة 2013، إن ما يميّز الأكراد في سوريا فإنهم لا يسعون إلى الاستقلال الكلّي عن دمشق لا بل يشجعون قيام نوع من الإدارة الذاتية، وهذا ما يحصل الآن، فبذلك يبقون على خطوط تواصل مع دمشق ولا يستفزّون دول الجوار الإقليمية وخاصة تركيا.
في العراق، حقق الأكراد بشكل عام وقائدهم مسعود البرزاني بشكل خاص أهم أهدافهم بالحصول على إستقلالهم (ولو نظرياً من دون أي إعتراف دولي حتى الآن)، لكن بحصولهم على مبتغاهم هل إحتسبوا الأخطاء الناجمة عن هذه الخطوة؟
في السبعينيات كان الشاه في إيران من أبرز داعمي أكراد العراق ليبقوا شوكة بخصر بغداد وصدام حسين تحديداً. ومع إزدياد الضعط على حكم الشاه داخلياً، إتفق مع صدام حسين في إجتماع دام لأربع ساعات ونصف خلال القمة العربية في الجزائر سنة 1975 أزالوا فيه مختلف المشاكل بينهما: إتفقا على حل أزمة الحدود المشتركة، كذلك أوقف الشاه الدعم المسلّح للتمرد الكردي في العراق مقابل سماح السلطات العراقية للحجاج الإيرانيين بزيارة المدن المقدسة في العراق. ونعلم لاحقاً ماذا جرى بحق الأكراد من قبل صدام حسين.
بالعودة الى إلإستفتاء الأخير في كردستان العراق، أستطاع داخلياً أن يفرض مسعود البرزاني نفسه كبطل قومي وحيد (في ظل الغياب التام لجلال طالباني بداعي المرض) يفي بوعوده أمام شعبه وأستطاع بسهولة كسب أكثرية مطلقة مؤيدة للإستقلال بالرغم من تعطيله للمؤسسات الدستورية في الإقليم وإنتهاء مدة ولايته الرئاسية. فمن السهل جداً في ظل جوار متوتر وغارق بالحروب، اللعب على الحبال الهوياتية والوطنية من دون إعتبار للنتائج على البعدين الوسطي والبعيد.
مقابل هذا الكسب الداخلي/ الشخصي تراكمت الخسائر في الدائرة الأوسع على ما يلي:
- تعمّقت الأزمة مع بغداد، بعد أن كان الحد الأدنى من الحوار قائماً بين الطرفين لإدارة النزاع بينهما.
- خسر المجال الجوي بعد أن كان الإقليم يدير مطاراته وحتى كان يصدر تأشيرات خاصة بالإقليم، فأصبح الآن منعزلاً جوياً بعد أن أغلقت بغداد المجال الجوي في شمال البلاد.
- خسر تصدير النفط من خلال تركيا كذلك مع ايران التي أوقفت تجارة النفط مع الإقليم.
- اصطفّت تركيا وايران جنباً إلى جنب مع بغداد ضد الإقليم وازدادت المناورات العسكرية المشتركة بينهم، مما يحمل إنذارات شديدة اللهجة لإربيل.
- على الأرجح أن الإستفتاء ونتيجته ستؤثر على الوحدة الكردية مع أكراد سوريا، تركيا وايران. ففي سوريا كما ذكرنا سابقاً لا يطمح الأكراد الى الإستقلال التام لا بل يكتفون بإدارة ذاتية. في تركيا يوجد إحتمالين،أولهما أن تحاول أنقرة إستمالة أكراد تركيا ضد أكراد العراق وذلك عبر عدة خطوات كالتسامح بحقوقهم فيما يخص اللغة أو حتى إطلاق سراح قائدهم عبدالله اوجلان أو الإحتمال الثاني أن تزيد الحملة العسكرية ضدهم في حال ظهر أي تماهي أو تضامن مع أكراد العراق، وعلى ما يبدو أن الإحتمال الثاني مرجّح أكثر من الأول.
- دولياً، وبعد أسبوع من إجراء الإستفتاء، لم تعترف بهذا الاستفتاء أي دولة بعد، فمثلاً وزير الخارجية الأميركي تيليرسون قال ان الاستفتاء غير شرعي.
أما إستفتاء إقليم كاتالونيا في اسبانيا فيختلف مع إستفتاء إقليم كردستان داخلياً (بالرغم من العلاقة المتأزمة مع العاصمة تاريخياً وحتى اليوم) لكنه متشابه في البعدين الوطني والإقليمي.
على المستوى الداخلي إن اقليم كاتالونيا قابلٌ للحياة أكثر من إقليم كردستان، إقتصادياً يشكّل الإقليم رافعةً اقتصادية للبلد وخاصة من خلال قطاع السياحة. كذلك للإقليم منفذ بحري (بعكس كردستان) يستطيع من خلاله تعزيز تجارته. دعائياً للإقليم ركائز قوية يتكّل عليها لتعزيز وبث صورته على المستوى الأوروبي والدولي، أكان من خلال الرياضة (فريق برشلونة وحلبة الفورمولا وان) أو من الثقافة (اللغة، المطبخ، الفن...)
لكن هذه التسهيلات المشجعة على الإستقلال الموجودة داخلياً تواجهها صعوبات فائقة على المستوى الوطني بالعلاقة مع مدريد واقليمياً مع الإتحاد الأوروبي وحتى على الساحة الدولية.
إسبانياً، تعلم مدريد أن أي تساهل تجاه الإنفصال في الشرق (كاتالونيا) سينتظره الشمال (إقليم الباسك) على أحرّ من الجمر ليكون الإنفصال الثاني عن مدريد. كذلك في ظل الأزمة الإقتصادية التي تعصف بالبلد، فالحكومة الاسبانية ليست بحاجة حالياً لأي أزمة جديدة. فلذلك أظهرت السلطات المركزية قوتها لقمع الإستفتاء وهذا ما انتهى عليه يوم الإستفتاء بمئات الجرحى حسب السلطات الكاتالونية.
إقليمياً سيقف الإتحاد الأوروبي بجانب مدريد وذلك من البديهيات لتفادي تمدد الحركات الإنفصالية في إسبانيا او أي بلد أوروبي آخر. فما إن مرّ إنفصال اسكتلندا عن التاج البريطاني بخير حتى أتى الإنفصال البريطاني عن بروكسل ليزيد الطين بلّة بالعلاقة مع لندن.
كذلك من المرجح أن تقف واشنطن مع الإتحاد الأوروبي وايضاً مختلف القوى الكبرى دولياً لتفادي تجرّع هذه الكأس في المستقبل أكان في كندا مع كيبيك مثلاً او حتى الصين مع أقاليمها الغربية.
الملفت للنظر في الاستفتائين كيفية تصرّف السلطة المركزية خلال يوم الإستفتاء، فبغداد المجروحة من حروب شتى منذ 2003 بالاضافة الى محاربة داعش في السنوات الماضية، تركت الإستفتاء يأخذ مجراه وكأنها عالمة انه سيولد ميتاً، ومتكلةً على سلسلة إجراءات ستأخذها فور الانتهاء من هذا اليوم بالإضافة لمواقف الدول الإقليمية.
بينما إسبانيا، عضو الاتحاد الاوروبي المبني على قيم الديمقراطية وحرية التعبير تعاملت مع الاستفتاء الكاتالوني بعنف شديدٍ محاولةً بدايةً منع إجراؤه ولاحقاً حين فشلت بذلك بذلت كل ما بوسعها من أجل عرقلته. فكانت أقتحامات الشرطة لمراكز الاقتراع قبل الاستفتاء واستخدام العنف لتفريق الجموع خلال اليوم وكأن المشاهد في شوارع برشلونة تعيدنا الى بدايات الربيع العربي.
منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية، انقسم العالم الى قطبين كبيرين يتنافسان بالسياسة، الإقتصاد والحروب... ومع انتهاء الحرب الباردة وسيطرة العولمة على الإقتصاد العالمي راحت الدول تتكاتف مع بعضها وتشكّل تحالفات إقليمية لتكون لاعباً مؤثراً على الساحة الدولية. فرأينا توسّع الإتحاد الاوروبي شرقاً (لو أن هذا التوسع أضرّ الاتحاد أكثر مما أفاده) وبروز دول البريكس و منظمة شنغهاي للتعاون...
وبالرغم من أن هذه القوى الجديدة أثبتت نجاحها النسبي في منافسة الولايات المتحدة الأميركية التي ما زالت حتى يومنا القوة الأبرز عالمياً، نرى شعوباً تتقوقع على نفسها وتنفصل عن دولها لغايات قومية لا تصلح لأي أهداف سياسية واقتصادية في عالمنا اليوم. فكان أمام أكراد العراق عدة أمثلة في الجوار عن الإنفصالات وفوائدها، أكان تجربتهمم الخاصة ونضالهم في الأربع دول، أم الحرب اللبنانية والانفصالات الفاشلة فيها إلى مؤخراً انفصال جنوب السودان...
كذلك لإقليم كاتالونيا، دروس عدة متوفرة من الساحة الأوروبية من المجدي أخذها بعين الإعتبار، ها هي الدول التي نشأت بعد تفكيك يوغوسلافيا، تأججت الصراعات القومية فيها وحرب البوسنة (آخر حروب أوروبا في القرن العشرين) ماثلةً أمام العالم منذ عقدين من الزمن، ما زالت آثارها حتى اليوم محفورة في شعوب البلقان المختلفة، ولكنها تبقى منضبطة طالما يبقى "الانتداب" الاوروبي ومن خلفه الأميركي (اتفاق دايتونا الذي أنهى الحرب في البوسنة والهرسك) للبلقان قائماً.
فبالنهاية، كما أن الحركات الإنفصالية مطالبة بالتعقّل ودرس الخطوات، كذلك للعواصم السياسية (المركز) دورٌ هام في احتواء الحركات الانفصالية من خلال الحوار والتحفيزات والضمانات الجدية، كي لا تذهب شعوبٌ فرق عملة عند إتفاق القوى الكبرى، وخاصة في منطقتنا.

 

  • شارك الخبر