hit counter script

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

نعم... الأكراد انتهازيون!

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 06:17

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

بات واضحاً بعد أسبوع على الاستفتاء في كردستان العراق، انّ هناك ما يمكن وصفه معطيات جديدة. تتخذ هذه المعطيات شكل أسئلة من نوع ما انعكاسات خروج الاكراد من اللعبة السياسية الدائرة في بغداد ومدى قدرة بغداد على الذهاب الى النهاية في محاصرة كردستان من اجل اخضاعها؟

من بين الأسئلة الأخرى التي تطرح نفسها بإلحاح، هل سيتأثر وضع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يمكن اعتبار الاستفتاء ضربة قويّة موجّهة اليه شخصيا والى مستقبله السياسي؟ مثل هذه الضربة يمكن ان يستغلّها خصومه، على رأسهم نوري المالكي الذي يعدّ نفسه، بدعم ايراني، للعودة الى موقع رئيس الوزراء بعد الانتخابات النيابية المتوقعة السنة المقبلة.

الثابت ان التوازنات السياسية في بغداد ستتخذ شكلا جديدا في غياب المكوّن الكردي الذي سيجد نفسه منهمكا في إعادة ترتيب وضع الاقليم من منطلق ان الاستفتاء خطوة على طريق قيام الدولة المستقلة في يوم من الايّام.

قبل كلّ شيء، ليس الاستفتاء سوى خطوة أولى، لكنّها حاسمة، في رحلة لا تزال طويلة من اجل قيام دولة كردية في العراق. لا تزال هذه الدولة تبحث عن حدودها النهائية وتحاول في الوقت ذاته، عبر مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان، عدم اقحام نفسها في قضايا متعلّقة باكراد ايران وتركيا وسورية. تبدو مشكلة مستقبل كركوك اكثر من كافية كي ينشغل اكراد العراق لسنوات طويلة بقضية معقدة مرتبطة بامور كثيرة في مقدّمها وجود عدد كبير من التركمان والعرب واقلّيات اخرى في المدينة من جهة وموقعها الاستراتيجي وثرواتها من جهة اخرى.

لعلّ من اكثر الظواهر المثيرة للاهتمام التي رافقت الاستفتاء في كردستان العراق، ذلك الفرح الذي عبّر عنه اكراد ايران الذين يعانون ظلما كبيرا، خصوصا منذ قيام «الجمهورية الإسلامية». كان تعبير اكراد ايران عن فرحهم بالاستفتاء دليلا على مدى كرههم للنظام الذي أقامه الخميني في ايران، فضلا عن توقهم الى الاستقلال أيضا. تبيّن في ضوء الاستفتاء في كردستان العراق ان النظام في ايران لم يتمكن يوما من استيعاب الاكراد، ولن يتمكّن من ذلك يوما. لم يكن لدى هذا النظام سوى القمع للتعاطي مع اكراد ايران. يمكن العودة الى جريمة اغتيال عبد الرحمن قاسملو زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني الايراني في 13 يوليو 1989 للتأكد من مدى حساسية النظام في ايران حيّال أي بروز لقيادات كردية إيرانية تمتلك حيثية ما على الأرض. ذهب النظام الى حدّ قتل قاسملو ورفاق له في فيينا! يظلّ اخطر ما في قرار اجراء الاستفتاء في كردستان العراق، انعكاساته على دول الجوار، خصوصا في ايران وتركيا التي فيها 16 مليون كردي. هذه الانعكاسات تفسّر القلق الشديد في تركيا وايران وسورية وفي العراق نفسه حيث ذهب العبادي الى اتخاذ كلّ الاجراءات من اجل تعطيل مطاري أربيل والسليمانية وسدّ كل المنافذ البرّية لكردستان العراق.

لا يمكن فصل الاجراءات التي اتخذتها تركيا والكلام الصادر عن الرئيس رجب طيب اردوغان عن القلق الذي يعاني منه الرئيس التركي الذي دخل في السنوات الأخيرة مرحلة التفرّد بالسلطة وإعادة تركيب تركيا بما يتّفق مع توجهاته الشخصية بصفة كونه مؤمنا بفكر الاخوان المسلمين وتخلّفهم.

لم يتردد اردوغان في اللجوء الى العلاقة المعروفة، وهي علاقة تاريخية، بين الاكراد العراقيين وإسرائيل لتبرير موقفه المعادي للاستفتاء. يلجأ اردوغان الى الورقة الإسرائيلية لتبرير سياساته تجاه كردستان العراق في مرحلة ما بعد الاستفتاء، علما انّه اضطر الى التخلي عن المزايدات التي لجأ اليها في الماضي القريب وأعاد العلاقات مع إسرائيل بعد فشله في فكّ الحصار عن غزّة عن طريق استعراض بحري مرتجل لم يؤد الى أي نتيجة على الارض. على العكس من ذلك، تابعت إسرائيل ممارسة سياستها القائمة على فرض حصار على غزة وتحويلها الى سجن كبير في الهواء الطلق، وهو امر لا تعترض عليه «حماس» التي اخذت القطاع رهينة منذ السيطرة عليه منتصف العام 2007، الى ان وجدت في 2017 انّه بات عليها البحث عن طريقة للخروج من مأزقها.

تكمن مشكلة اكراد العراق حاليا في انّ للحكومة المركزية في بغداد وتركيا وايران مصلحة في اجهاض الاستفتاء. سيعني نجاح الاستفتاء نهاية العبادي، سياسياً، في العراق. وسيعني ان كلّ الاجراءات القمعية والدموية التي لجأ اليها نظام الملالي في ايران لم تجد نفعا في المدى الطويل. وسيعني ان اردوغان لم يستطع تقديم نموذج يمكن ان يقنع الاتراك بان سلسلة الانقلابات التي قام بها، بما في ذلك الانقلاب على رفاقه في «حزب العدالة»، تصب في مصلحة البلد. حتّى النظام السوري المتهالك، الذي صار في مزبلة التاريخ، بدأ يتحدّث عن «حكم ذاتي للاكراد»، لعلّ ذلك يجعل منه صاحب كلمة في تقرير مستقبل سورية... او الظهور في مظهر من لا تزال لديه سياسة ما خارج ما يقرره الوصيّان الروسي والإيراني. لم يعد سرّا ان معركة الاستقلال الكردي ستكون معركة قاسية. الرئيس فلاديمير بوتين زار انقرة وذهب بعيدا في مراعاة اردوغان، حليفه الجديد، بتأكيد تمسّكه بـ«وحدة العراق». صارت وحدة الأراضي العراقية فجأة همّا إيرانيا وتركيا... وروسيا.

يبقى الموقف الاميركي. الأكيد ان القيادة في إقليم كردستان تفاجأت بالاعتراض الاميركي على اجراء الاستفتاء يوم الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي. ربّما كانت تفضل التأجيل في وقت تعتبر ان كلّ الجهود يجب ان تنصبّ على الانتهاء من «داعش». ولكن، يبدو ان واشنطن استدركت نفسها، ربّما بتأثير إسرائيلي، واتخذت موقفا اكثر ليونة من الاستفتاء وعرضت نفسها وسيطا بين إقليم كردستان والمعترضين على الاستفتاء. اتخذت واشنطن هذا الموقف المرن على الرغم من ان إعلانها، عبر وزير الخارجية ركس تيلرسون، عدم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء. اذا كان من ازمة في كردستان العراق، وهناك بالفعل ازمة، فانّ هناك أزمات لدى الحكومة العراقية وفي كلّ من ايران وتركيا. هناك بكلّ بساطة رفض للاعتراف بانّ الامور في كردستان العراق ما كانت لتصل الى ما وصلت اليه، لو كان هناك نظام ديموقراطي طبيعي في العراق قادر على تطوير نفسه. لم يكن الاكراد يتصورون يوما ان ما سيخلف البعث نظام أسوأ من البعث، أي نظام الميليشيات المذهبية التي يعبّر عنها تشريع «الحشد الشعبي». وهذا نجاح كبير في حدّ ذاته. انّه نظام التفوّق في التخلّف على البعث الذي استُخدم كشعارات لتبرير الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها في كلّ من سورية والعراق.

لم يكن الاستفتاء الكردي سوى نتيجة طبيعية لما آلت اليه الاوضاع في العراق، خصوصا بعد هبوط أسعار النفط واستشراء الفساد الذي أدى الى تبديد مئات مليارات الدولارات في مرحلة كان فيها المالكي رئيسا للوزراء. لم يعد لدى الاكراد حتّى مصلحة في مراعاة الحكومة في بغداد في ضوء ظهور علامات الإفلاس ومظاهره على هذه الحكومة. الاكراد انتهازيون؟ نعم انّهم انتهازيون. هل من سبب كي لا يكونوا كذلك عندما لم يعد يوجد من يريد مشاركتهم لا في السلطة ولا في الثروة، هذا اذا كانت هناك بقية من ثروة؟
خيرالله خيرالله - الراي

  • شارك الخبر