hit counter script

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

في ظلّ حرب على الاستقلال الكردي

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٧ - 05:58

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

هل تقوم دولة كردية مستقلّة في أراضي ما كان يسمّى العراق الموحّد، او الجمهورية العراقية التي قامت على انقاض النظام الملكي الذي انهار في 1958؟ الجواب نعم كبيرة بالنسبة الى كردستان العراق. ما ليس واضحا حدود هذه الدولة التي بدأت الحرب عليها منذ الآن، خصوصا في ظلّ الخلافات الدائرة في شأن مستقبل مهمة مثل مدينة كركوك. ما ليس واضحا أيضا ما سيفعله اكراد تركيا وايران وسورية على ارض الواقع في حال قيام دولة مستقلة في كردستان العراق.

عندما يتبيّن بوضوح ان هناك عملية إعادة تشكيل للمنطقة، ليس امام الاكراد في العراق سوى التمسّك بموعد الاستفتاء على الاستقلال في الخامس والعشرين من الشهر الجاري. مثل هذا الاستفتاء سيكون فرصة لتثبيت حقوقهم اكثر بكثير مما انّه سيوفّر مناسبة لاعلان الاستقلال. المهمّ بالنسبة اليهم نجاح الاستفتاء. امّا الاستقلال فيستطيع ان ينتظر، لا لشيء سوى لانّ كلّ المؤشرات تدلّ على ان لا عراق موحّدا يمكن ان تقوم له قيامة بعد اليوم. تبدو الازمة العراقية عميقة الى درجة يستحيل معها استعادة البلد، الذي تاسس في عشرينات القرن الماضي بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، لوحدته.

بدأت الحرب على كردستان العراق قبل الاستفتاء الذي اكد غير مسؤول كردي كبير، بما في ذلك هوشيار زيباري وزير الخارجية السابق في العراق، انّ نتائجه لا تعني اعلان الاستقلال بشكل تلقائي. في النهاية يستطيع الاكراد الانتظار، بل الانتظار طويلاً، لا لشيء سوى لان الرياح الإقليمية تسير وفق ما يريدونه ويشتهونه وما يطمحون اليه في المدى البعيد في أراض تتجاوز العراق وحدوده الجغرافية.

هناك سؤال كبير سيبقى مطروحاً، بغض النظر عن استقلال كردستان العراق او عدم الإعلان عن ذلك. هذا السؤال هو: ما العمل باكراد تركيا واكراد سورية واكراد ايران؟

نظراً الى ان هذا السؤال مطروح بجدّية كبيرة، نجد قيام تحالف من نوع جديد يضمّ النظام السوري وايران وتركيا ضد اكراد سورية قبل ان يكون ضدّ اكراد العراق. يفسّر قيام هذا التحالف تلك الجهود التي بذلها «حزب الله»، الذي ليس في نهاية المطاف سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني، من اجل نقل مقاتلي «داعش» مع عائلاتهم من منطقة الحدود السورية - اللبنانية الى دير الزور.

لم يكتف الحزب بتأمين وقف المعارك بين الجيش اللبناني وارهابيي «داعش» كي لا يتمكن الجيش من القضاء عليهم، بل حرص على تهيئة كل الأجواء والوسائل التي تضمن انتقال هؤلاء الى دير الزور التي تبدو وجهة المعركة الجديدة مع اكراد سورية الذين يتحرّكون ويتوسّعون في الشمال السوري وعلى الحدود السورية - العراقية بغطاء جوّي أميركي.

ما يفترض ان يتفهمّه اللبنانيون وان يستوعبوه جيّداً هو ان ما يجري في المنطقة يتجاوز لبنان. ان يحفظ لبنان نفسه يبقى إنجازا في حدّ ذاته. الامر يتعلّق بدول كبيرة مثل العراق وسورية لم يعد في الإمكان إعادة اللحمة اليها. الامر يتعلّق أيضا بأزمة تمرّ فيها تركيا التي لم تعرف في ايّ وقت لا كيف تدير سياستها السورية ولا كيف تتعاطى مع الاكراد، بما في ذلك اكرادها. اما ايران، وخلافا لكلّ ما يقال عن مشروعها التوسّعي الذي توفرت له انطلاقة جديدة بعد انهيار النظام في العراق في 2003، فانّها في مأزق عميق. نعم، انّها في مأزق عميق حتّى في علاقاتها مع شيعة العراق الذين يكتشفون يوما بعد يوم انّهم عرب وليسوا إيرانيين وانّ لديهم مصلحة في ان تكون بلادهم على علاقة جيّدة مع محيطها العربي قبل ايّ شيء آخر.

سيكون صعبا على اللبنانيين فهم التعقيدات التي تشهدها المنطقة ولماذا يلعب «حزب الله» الدور المطلوب منه إيرانيا في ظلّ الحرب على الاستفتاء الكردي. من اجل تبسيط الامور عليهم، يُفترض بهم الاقتناع اوّلا بواقع يريدون الهرب منه بشكل مستمرّ. يقول هذا الواقع ان «حزب الله» ليس سوى ميليشيا مذهبية عناصرها لبنانية تعمل في خدمة ايران. هذا على الاقلّ ما يقوله الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله الذي يعترف علنا بان كلّ ما لدى الحزب مصدره ايران. ليس لبنان سوى «ساحة» تستخدمها ايران للترويج لسياستها في المنطقة وللاساءة لهذه الدولة العربية او تلك وللهرب من الازمة العميقة التي تعاني منها على كلّ المستويات، وهي ازمة مرتبطة اوّلا وأخيرا بانّها لا تمتلك الوسائل، خصوصا الاقتصاد القوي، التي تسمح لها بمتابعة هجمتها على كلّ ما هو عربي في المنطقة.

قبل الاستفتاء على استقلال كردستان العراق، التقت قوى عدّة بينها تركيا وايران عند اتخاذ موقف حذر منه خوفا من امتداد العدوى الى خارج الحدود العراقية، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على اكراد تركيا وايران. من الطبيعي ان تتوجّه الأنظار الى ما يدور في الشمال السوري والى استخدام «داعش» في السعي الى التصدّي التمدد للكردي المدعوم اميركيا في تلك المنطقة.

يتلهى اللبنانيون بأمورهم الداخلية غير مدركين ان اللعبة في المنطقة كبيرة، بل كبيرة جداً. ما بدأ باحتلال اميركا للعراق وتسليمها البلد على صحن من فضّة الى ايران كان في العام 2003 زلزالا لا تزال تفاعلاته تتردد في كلّ الشرق الاوسط والخليج.

ما تفعله الولايات المتحدة حاليا هو التفرّج على ما يدور في المنطقة. تتدخل متى تدعو الحاجة الى ذلك. منعت قافلة «داعش» من الانتقال من الحدود السورية - اللبنانية الى منطقة قريبة من الحدود السورية - العراقية ثمّ انكفأت. هل تقدم على ما هو اكثر من ذلك؟ لن تقدم على ايّ خطوة ما دام كلّ شيء يسير حسب الخطة المرسومة التي تصبّ في مزيد من الشرذمة باشراف من ايران وروسيا والنظام السوري «الممانع» الذي ادّى دائما الدور المطلوب منه إسرائيليا.

الأكيد ان لا شيء يحدث بالصدفة، بما في ذلك انكشاف العلاقة القائمة بين «حزب الله» والنظام السوري من جهة و«داعش» من جهة أخرى. هناك خدمات متبادلة بين الأطراف الثلاثة. توفّر «داعش» فرصة للنظام السوري ولـ «حزب الله»، ومن خلفه ايران، للادعاء بأنّهم يخوضون حربا على الإرهاب.

ستستقل كردستان العراق. ليس معروفاً متى ستستقل. المعروف انّ على بلد صغير مثل لبنان ان يحفظ رأسه وان يقتنع اهله بان اللعبة الدائرة في المنطقة اكبر منهم. الاهمّ من ذلك، عليهم استيعاب انّ هذه مرحلة في غاية الدقّة والخطورة وانّه لا يمكن من دون ادنى شكّ الاستخفاف بالتنسيق الاميركي – الإسرائيلي على كلّ صعيد وفي غير منطقة، من سورية الى العراق، الى كردستان. اميركا لا تعترض من حيث المبدأ على الاستفتاء الكردي. اعتراضها على توقيته. اما إسرائيل، فليس ما يشير الى انّها متضايقة من شيء، خصوصا من انهماك «حزب الله» في ترتيب انتقال «داعش» الى الشمال السوري... ومن تركيز ايران وتركيا على الاستفتاء الكردي وتفاعلاته وتلهيهما بذلك.
خيرالله خيرالله - الراي

  • شارك الخبر