hit counter script

مقالات مختارة - دوللي بشعلاني

زيارة الوزراء الى دمشق لن تطيح بحكومة الحريري

الأحد ١٥ آب ٢٠١٧ - 08:09

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أقامت زيارة الوزراء في حكومة الرئيس سعد الحريري الى دمشق للمشاركة في المعرض الدولي الذي استضافته العاصمة السورية دمشق الدنيا ولم تُقعدها الى درجة الحديث عن إطاحتها بالحكومة خصوصاً وأنّ الوزراء الزائرين قد لبّوا الدعوة من دون موافقة المجلس على هذه الزيارة. وكان لافتاً الاستقبال الرسمي والحاشد الذي حظي به الوفد اللبناني عند معبر جديدة يابوس الحدودي ثمّ خلال المشاركة في المعرض، فبدا الجانب السوري وكأنّه يستعرض بحضورهم.
ولا ترتدي هذه الزيارة التي قام بها كلّ من وزير الزراعة غازي زعيتر والصناعة حسين الحاج حسن، ومن ثمّ انضمّ اليهما وزير الأشغال والنقل يوسف فنيانوس، على ما أفادت أوساط ديبلوماسية عليمة، فتح أي صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية- السورية لا سيما وأنّ هذه العلاقات لم تنقطع يوماً، وإن كان يعتبرها البعض «مجمّدة»، والدليل بقاء السفارتين في كلّ من البلدين، وتعيين سفير جديد في سوريا في التشكيلات الأخيرة التي أنجزها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ووافقت عليها الحكومة هو سعد زخيا مكان القائمة بالأعمال الحالية هناك فرح نبيه برّي.
فالزيارة «غير رسمية»، والحكومة لم تُرسل الوزراء الى دمشق في مهمة علنية أو سريّة لكي يجري الحديث عن فتح صفحة قديمة أو جديدة، ولهذا فإنّ كلّ ما أثير حولها لا يتعدّى المواقف النابعة من سياسة كلّ حزب. والمعلوم أنّه في لبنان، وتحديداً في مجلسي الوزراء والنوّاب انقسام حول بقاء الرئيس السوري بشّار الأسد أو رحيله عن السلطة. غير أنّ لبنان معني بالأزمة السورية، على ما أكّدت، ليس فقط من خلال مشاركة «حزب الله» في المعارك السورية (حتى من دون موافقة الحكومة على ذلك)، إنّما من خلال استضافته لمليون ونصف مليون نازح سوري، بعضهم مع النظام السوري الحالي، وبعضهم الآخر ضدّه. وعليه بالتالي حلّ مشكلته هذه التي باتت تفوق كلّ قدراته الذاتية وتُشكّل عبئاً كبيراً على كاهله وكاهل اللبنانيين كافة في أسرع وقت وبأي طريقة متاحة.
وإذا كانت الذريعة بأنّ تعيين سفير لبناني جديد في سوريا قد حصل كإجراء روتيني إداري من دون أن يعني هذا الأمر إطلاقاً إقراراً بالعلاقات الطبيعية بين البلدين، فأوضحت الأوساط نفسها أنّه عندما تقرّر حكومة بلد معيّن قطع علاقاتها مع دولة أخرى، فإنّ أول ما تفعله هو طرد سفير هذه الدولة من بلدها، ومن ثمّ فهي لا تقوم بالتالي بتعيين سفير لديها. وإذا كانت الحكومة لم ترفض اليوم تعيين السفير الجديد في سوريا ولم تقم بطرد السفير السوري الحالي علي عبد الكريم علي من لبنان، وذلك بسبب عدم كسر التوازن مع فريق 8 آذار، على ما قيل، فإنّ زيارة وزراء من «حزب الله» و«حركة أمل» و«تيّار المردة» الى دمشق لن تؤدّي بالتالي الى كسر التوازن نفسه، ولا الى معادة هذه الأحزاب المشاركة في الحكومة، ولا الى زعزعة الحكومة الحالية أو استقالتها.
من هنا، فإنّ الحكومة لا تمنع زيارة أي وزير من وزرائها، بشكل فردي وشخصي وخاص، الى أي دولة تقيم علاقات معها، أكانت مميّزة أو طبيعية أو فاترة أو مجمّدة، من سوريا الى إيران فروسيا أو الولايات المتحدة الأميركية وسواها، باستثناء إسرائيل كونها عدوّة للبنان. كذلك فلا يستطيع فريق في هذه الحكومة، مهما حسّن علاقاته الشخصية مع النظام السوري، إجبارها مجتمعة على التفاوض معه في أمر معيّن، لا سيما موضوع عودة النازحين السوريين الى بلادهم، ومسألة ترسيم الحدود وما الى ذلك، ما لم يقتنع الفريق الآخر بأنّه الخيار الأنسب لحلّ مشاكله.
وأفادت بأنّ أي زيارات من وزراء أو مسؤولين الى سوريا لا تُقدّم أو تؤخّر في العلاقات اللبنانية- السورية الرسمية الحالية، إلاّ في حال قام هؤلاء بمناقشة الملفات الداخلية مع النظام، باسم الحكومة ومن دون موافقتها. إلاّ أنّ هذا الأمر لن يحصل، على ما أوضحت، فليس من أي وزير يتحدّث في الخارج باسم الحكومة ما لم يكن مكلّفاً من قبلها وبشكل رسمي، وفريق 8 آذار ليس بوارد التنسيق مع سوريا في أي من المواضيع قبل موافقة الشركاء الآخرين في الحكومة.
في الوقت نفسه، ذكّرت بالزيارة الرسمية التي قام رئيس الحكومة سعد الحريري الى دمشق في 19 كانون الأول من العام 2009، التقى خلالها الرئيس الأسد وكانت الأولى (والأخيرة) له منذ اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري، وقد وُصفت يومها بأنّها «كسرت الجليد وبدّدت ذيول الماضي». وجاءت زيارته يومها بصفته رئيساً للحكومة «التوافقية»، ورئيساً لـ «تيّار المستقبل»، وابن الرئيس الحريري الذي شكّل اغتياله مفصلاً مهمّاً في العلاقات مع سوريا التي وُجّهت اليها أصابع الإتهام في هذا الإغتيال. وأقام الحريري يومذاك في «قصر الضيافة»، وكانت أجواء اللقاء بنّاءة ووديّة وإيجابية. وذُكر بأنّه ستكون هناك زيارات أخرى لمسؤولين لبنانيين إلى سوريا بهدف تفعيل العلاقات بين البلدين. وكانت أطرافاً لبنانية وقتذاك ضدّ هذه الزيارة، إلاّ أنّ الحريري قام بها من أجل مصلحة البلدين والشعبين.
وأضافت أنّ البعض رأى فيها أيضاً «بداية طيبة لعودة العلاقات إلى الحالة الطبيعية بين البلدين»، وأنّها «زيارة مؤسساتية لرئيس حكومة لبنان»، وقيل إنّ الحريري يحمل معه الى سوريا برنامج عمل قوامه «المصارحة والمصالحة»، ويسعى الى إقامة «علاقات شفافة ومتوازنة» بين الدولتين الجارتين.. وتساءلت: ما الذي استجدّ بعد كلّ هذه السنوات؟ لم يتغيّر شيئاً فيما يتعلّق بالمحكمة الدولية، لا بل حـوّلت الإتهام من النظـام السوري الى عناصر من «حزب الله»، فما الذي يجعل الاصوات تعلو اليوم خوفاً من زيارات غير مماثلة، بل شخصية؟!
وفيما يتعلّق بما يُقال بأنّ زيارة سوريا تجعل المسؤولون السياسيون يعترفون بالنظام الحالي في الوقت الذي تُحاربه دول عربية وأجنبية عدّة، أشارت الأوساط الى أنّ الأمم المتحدة لا تزال نفسها تعترف بوجوده، وهي ليست بحاجة الى لبنان في هذا السياق، وإلاّ فلماذا تُبقي على المندوب الدائم لسوريا في نيويورك بشّار الجعفري، ولماذا تُرسل المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا لحلّ الأزمة القائمة مع النظام الحالي؟
وكشفت الأوساط نفسها بأنّه في المرحلة المقبلة سوف يقتنع المشاركون في الحكومة كافة أنّه لا بدّ لها من التفاوض مع النظام السوري الحالي، في حال بقي برضى الدول الغربية والعربية، ليس اعترافاً به، بل من أجل حلّ قضايا ملحّة بين البلدين وعلى رأسها أزمة النازحين وعودتهم الى سوريا وترسيم الحدود، وإن علت الأصوات اليوم رافضة لزيارة شخصية لوزراء للمشاركة في معرض دمشق الدولي الذي توقّف في السنوات الخمس الماضية بفعل المعارك الدائرة هناك.

دوللي بشعلاني

 

  • شارك الخبر