hit counter script
شريط الأحداث

مجتمع مدني وثقافة

بو جوده في سنة الشهادة والشهداء: ما يهدد الكنيسة عدم تحمل أبنائها عن جدارة مسؤولية الرسالة

الأحد ١٥ تموز ٢٠١٧ - 11:14

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

نظمت ابرشية طرابلس المارونية ورعية مار مارون في بلدة البحيري في قضاء زغرتا، احتفالا دينيا، لمناسبة سنة الشهادة والشهداء، انطلق بمسيرة صلاة وتأمل في الباحة الخارجية للكنيسة، تكريما للشهداء الموارنة عبر التاريخ. من ثم ترأس راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده قداسا احتفاليا في كنيسة مار مارون في البلدة، عاونه فيه رئيس دير مار يعقوب في كرم سده المونسنيور انطوان مخائيل، المونسنيور يوسف توما، وخادم الرعية الخوري شهيد دعبول، ولفيف من كهنة الابرشية.

حضر القداس وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية الدكتور بيار رفول، رئيس بلدية البحيري شربل جبران، مختار البلدة بدوي البستاني، وجمهور واسع من المؤمنين من ابناء البلدة والبلدات المجاورة.

بعد الانجيل المقدس، القى المطران بو جوده عظة قال فيها: "أعلن غبطة البطريرك ومجلس الأساقفة الموارنة السنة الممتدة من عيد مار مارون في 9 شباط 2017 إلى عيد مار يوحنا مارون، البطريرك الماروني الأول، سنة للشهادة والشهداء، تخليدا لذكرى كل الذين إستشهدوا حبا بالمسيح في الكنيسة الجامعة منذ نشأتها وللشهداء الموارنة تلاميذ مار مارون الذين إستشهدوا سنة 517 وللبطريرك دانيال الحدشيتي الذي إستشهد منذ سبع مائة وأربعة وثلاثين سنة، سنة1283 والبطريرك جبرايل الحجولاوي الذي مر على إستشهاده ست مائة وخمسون سنة، سنة1367، والطوباويين الشهداء الإخوة المسابكيين الذين إستشهدوا مع الرهبان الفرنسيسكان وعدد كبير من الموارنة في أحداث دمشق سنة1860، والذين تعيد لهم كنيستنا المارونية في العاشر من تموز".

اضاف بو جوده: "تاريخ الكنيسة، منذ نشأتها، هو تاريخ شهادة وإستشهاد، إذ أن الكثيرين من أبنائها قد إقتدوا بالشهيد الأول، السيد المسيح الذي قال: ليس من حب أعظم من حب من يبذل نفسه في سبيل أحبائه. فعلى مثال المسيح إستشهد الشماس إستفانوس مباشرة بعد موت المسيح وقيامته، وتلاه عدد كبير من الشهداء، عبر الأجيال، إبتداء من أيام نيرون ولغاية اليوم إلى درجة أن المؤرخ الفرنسي دانيال روبس لقب القرون الأربعة الأولى من تاريخ الكنيسة بكنيسة الرسل والشهداء. وقد إستمرت هذه الفترة لغاية السنة 313 عند وصول الإمبراطور قسطنطين إلى الحكم، بعد إهتدائه إلى المسيحية، متأثرا بأمه الملكة القديسة هيلانه، وبعد أن ظهرت له علامة الصليب في السماء مكتوب حولها "بهذه العلامة تنتصر". وهكذا فإنه قد حرر الكنيسة من عصر الإضطهاد الأول وسمح للمسيحيين بممارسة شعائرهم الدينية بحرية، وببناء الكنائس والأديار".

وتابع بو جوده: "لكن نتائج هذه الحرية لم تكن دائما إيجابية، إذ أن المسيحيين إستسلموا لإغراءات العالم فصاروا يعيشون بالرتابة والروتينية في حياتهم الإيمانية، وإنتشرت في ما بينهم الإنقسامات والصراعات اللاهوتية حول بعض العقائد الإيمانية وبصورة خاصة حول ألوهية المسيح وكونه إبن الله بالطبيعة وليس بالتبني، وحول ألوهية الروح القدس فعقدت المجامع المسكونية لمعالجة هذه الخلافات ومن بينها المجمع الخلقيدوني الذي عُقِدَ سنة 451 والذي حدد أن في المسيح طبيعتين إلهية وإنسانية، فرفضها عدد من الكنائس المحلية، بينما بقي تلاميذ مار مارون متعلقين بها، وهو الذي مات حوالي السنة410، وإجتمع تلاميذه والرهبان الذين إقتدوا بحياته التقشفية في دير كبير لقب ببيت مارون، فإضطهدهم أعداؤهم وقتلوا منهم ثلاث مائة وخمسين وهم الذين تُعيد لهم كنيستنا المارونية في الحادي والثلاثين من تموز من كل سنة".

وقال: "عصر الشهادة والإستشهاد في الكنيسة الجامعة لم ينته مع وصول قسطنطين إلى الحكم، بل إستمر عبر الأجيال ولغاية اليوم في عدد كبير من بلدان العالم وما زال مستمرا لغاية اليوم. وكلنا يسمع كيف أن إخوة لنا في الإيمان يستشهدون حبا بالمسيح في عدد من بلدان الشرق الأوسط والبلدان العربية، وآخرهم إخوة لنا من أقباط مصر الذين خيروا بين نكران المسيح والموت فإختاروا الموت قائلين: بالروح والدم نفديك يا صليب، بالروح والدم نفديك يا مسيح. البابا القديس يوحنا بولس الثاني، في المرحلة التحضيرية للإحتفال باليوبيل الكبير للسنة الألفين للمسيحية أشار إلى أن عصر الشهادة والإستشهاد لم ينته، وقال إن القرن العشرين المنصرم كان من أكثر القرون التي رأت المسيحيين يُستشهدون في عدد كبير من بلدان العالم، تحت الحكم النازي في ألمانيا أو الحكم الشيوعي في روسيا والصين وبلدان أوروبا الشرقية، أو الحكم الفاشي في ثلاثينيات القرن العشرين في إسبانيا، أو في المكسيك في بداية هذا القرن العشرين، وهي في الأساس بلدان كاثوليكية إستولت على الحكم فيها تيارات ملحدة، أو في فرنسا على أثر الثورة الفرنسية الكبرى سنة1789 ".

واردف يقول: "أما في ما يخص الكنيسة المارونية فبإمكاننا القول بأنها كانت منذ نشأتها كنيسة الشهداء، من أيام تلاميذ مار مارون سنة517 ولغاية اليوم، تحت الحكم الفاطمي ثم على أيام المماليك وأيام العثمانيين، حيث إضطر البطاركة الموارنة إلى التنقل من مكان إلى آخر بسبب ملاحقتهم والتعدي عليهم وإضطهادهم إلى أن إستقروا لمدة أربع مائة سنة تقريبا في الوادي المقدس في قنوبين، حيث عاشوا حياة الشظف والتقشف في المغاور وتضاريس الصخور كي يستطيعوا المحافظة على إيمانهم، وحيث لاحقهم العثمانيون وإعتبروا أن بمجرد سيطرتهم وإعتقال بطريركهم، كما حصل مع جبرايل حجولا، يصبح بإمكانهم خنق كنيستهم وإلغاؤها من الوجود. لكن الأمر إختلف تماما وجذريا، إذ أن دم شهدائهم كان دائما، على ما يقول ترتليانوس، زرعا لمسيحيين جددا، تنفيذا لما يقوله السيد المسيح بأن حبة الحنطة إن لم تقع في الأرض وتمت تبقى مفردة، أما إذا ماتت فإنها تأتي بثمار كثيرة".

وختم بو جودة: "كل الإضطهادات التي عانى منها آباؤنا وأجدادنا، وما عانت منه الكنيسة المارونية لم تمنعها من الإستمرار في تحمل مسؤولية الرسالة والشهادة للمسيح مما دعا البابا القديس يوحنا بولس الثاني إلى القول بأنها جعلت من لبنان ليس مجرد وطن كغيره من الأوطان بل بلد رسالة للشرق والغرب وللعالم أجمع. أما ما يهدد الكنيسة ويضعفها فهو في عدم تحمل أبنائها عن جدارة مسؤولية الرسالة، عندما يصبح إنتماؤهم إليها مجرد إنتماء عددي وطائفي وسياسي. بينما المطلوب منهم أن يكونوا كما طلب منهم المسيح شهودا له في اليهودية والسامرة وحتى أقاصي الأرض، خاصة بعد إنتشارهم في مختلف أصقاع العالم حيث أصبح عددهم في بلاد الإنتشار يضاهي بكثير عددهم في لبنان، الذي يبقى موطنهم الروحي. هذه هي مسؤوليتنا، نحن أبناء مارون: في أن نبقى ثابتين في إيماننا راسخين لا نخاف الذين يقتلون الجسد ولا يستطيعون أكثر من ذلك. فعلينا إذن أن نكون شهودا حقيقيين لإيماننا، وإذا إقتضى الأمر أن نكون شهداء فنحن مستعدون لذلك كي تكون دماء شهدائنا زرعا لمسيحيين جدد في هذا الشرق وفي العالم أجمع".
 

  • شارك الخبر