hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

منام مزعج

الأربعاء ١٥ تموز ٢٠١٧ - 06:44

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ءاستفاق مذعورا يصرخ ويبكي، وعيناه في آتون من لهب، فكأنّ امرا رهيبا ادركه وهو في عز النوم. قال بأنه ابصر في منامه بأنّ الاجهزة الخليوية والشاشات الصغيرة قد تفجّرت وفجّرت كل شيئء من حولها. قال بأنّ الساحر الشرير الذي يمتلكها قرر ان يبيد كل العناصر من حولها ويعاقب البشر الذين لا يلتهمون بالقدر الكافي كل التوجيهات والقصص التي يرسلها اليهم (فعلى ما يبدوا ما زال على الارض قلة لم تركع ولم تستسلم للساحر). ومن ثمّ قال الصغير لنا بأنه رأى الناس تبكي وتبحث عن من يوجهها بعد ان خسرت اجهزته. 

ولما استكان الصغير قليلا تطلع بي وبأمه مبهورا، وسألنا اذا ما كنا بخير ولم ينل منا سحر الساحر الشرير. فأبلغناه بأن لا. فسر وهدأ.
وجلبت له كوب ماء. وابلغته بأنّه حيث الملائكة تقيم لا تقبع الشياطين. ولقنته صلاة تعطل مفاعيل سحر الساحر في منامات الليل ليتلوها قبيل نومه. وعلّمته رسم اشارة الصليب كما تعلمت رسمها من جدتي. وطلبت اليه ان يرسمها ويقول كلمة "ذوكصا" في كلمة مرة شعر فيها بالخوف، فينجلي كل شيئ.
ومنذ صبيحة ذلك اليوم راح يستطلع التلفاز والهواتف الذكية ويراقبها محتارا. راح يسأل اكثر عن ماهية تلك "العلب الصغيرة والكبيرة" التي ترتبط بالتيار وتجري فيها الأرواح والبشر من كل الاطياف، والموسيقى من كل الانواع والكرتون والقصص التي لا تنتهي والاخبار التي لا تجف. وما انفك صغيري يسأل عن طبيعة تلك الاجسام المريبة المتصلة بأجسادنا وحياتنا ووجودنا التي صرنا ندمن عليها والتي تسرقنا من عائلاتنا واصدقائنا وانفسنا.
راح يسأل اذا ما كانت الهواتف اساس المعيشة. وراح يستفسر عن صناع "النوافذ والعلب" ومشغليها وأهدافها وعن آبائها وابنائها وبناتها ومنازلها. كان صغيري مصرا على اكتشاف الاسرار. كان مصرا على المضي في رحلة اكتشافه للكوكب وللأشياء والعناصر عليه. فالاولاد يوافون كي يعرفوا ويدركوا. وهم يكبرون ايضا بالمحبة وبالاكتشاف والمعرفة. قال بأنه عندما يكبر سيغيّر العالم وينزع سطوة الساحر عن البشر وسيعطل مفاعيل "نوافذه وعلبه الصغيرة والكبيرة"، كي يكون العالم أكثر انصافا وعدالة وامنا.
ابلغت صغيري بانّ "العلب والنوافذ الكبيرة" (أجهزة التلفزيون والحواسيب) و"العلب والنوافذ الصغيرة" (الهواتف الذكية) لم ترتكب شرا. وبأنها ليست من صنع الشرير بل من صنع بشر قد يكونون سحرة او قديسين او عاديين مثلي ومثله.
قلت له: ""علبنا الصغيرة والكبيرة" يا صغيري هي نوافذنا الى الساحر في غالب الاحيان، لكن ايضا الى الخالق ان احسنّا استعمالها. فكل شيء يبدأ وينتهي فيك وفيّ يا صغيري".
لقد كان منام ولدي حلما لانّ ما اسماه "علبا ونوافذا" هي فعلا مفخخة تفجر عالمنا. تفجره مع كل هذا الكم من الاخبار والصور التي قد تكون مختلقة او واهية او واقعية. زالت الحدود ما بين الابيض والاسود. وصار صعبا للغاية التمييز ما بين ما هو حق وما هو باطل، وما بين ما هو للخالق وما هو للساحر. صار الباطل موضة يفتخر بها. معدلات الاخبار المفزعة والمحبطة التي تصلنا عبر تلك العلب والنوافذ تسطر حياتنا وتفخخ وترسم افكارنا وتلغي معتقداتنا وتجعل عالمنا جحيما، ونحن نبحث عن الاثارة ونصنعها. ما عدنا نلتهم مياها واغذية كي نعتاش بقدر ما نلتهم اخبار وشرائط دعائية ووهما وعلبا، وما عدنا نقدر ان نتحرر من تلك "النوافذ والعلب" مخافة ان نموت في عالم الوهم ونعيش في عالم الحقيقة معزولين.
تطلعت الى عينيّ بطلي الصغير، وقد اغرورقتا بدمعتين. وعيناه كانتا كوكبين معلقين على مياه دمعتيه المالحتين. تطلعت به، وقلت له: "غدا عندما ستكبر يا صغيري ستكون بطلا، ستكون ومضة رجاء لمن حولك حتما وسيكون العالم حتما افضل". قلت له هذا وانا غير واثق من انّ العالم سيكون افضل ابدا مع كل هذا الكم من التفلت والجرائم والارهاب والسطوة...

  • شارك الخبر