hit counter script

مقالات مختارة - عباس الحسيني

المخلص في ديانات بلاد ما بين النهرين

الثلاثاء ١٥ حزيران ٢٠١٧ - 06:13

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تقول بعض الروايات إن شعوب بلاد ما بين النهرين هم أول من أوجد فكرة المخلص المنتظر، حيث ظلوا ينتظرون مطلع كل عام مجيء الإله دوموسين(تموز) من عالم الموت ليخصب عشتار ويجلب لهم الربيع والحياة في سومر.

والإله تموزهو أدونيس الفينيقيين، وتعد أكبر دراسة عن هذا الإله المخلص هي تلك التي قدمها الشاعر"ستسياز"، الذي عاش عام 400 ق.م، وخلده في إحدى قصائده:"ولتكن ثقتكم أيها القديسون، بعودة الرب، فمن أجل الآلام التي تحملها، جلب لنا الخلاص".
وكان لدى السومريين المخلص إيليا جد الإله دوموسين، الذي هو أيضا مخلص البابليين والأكاديين، سوى أنه يظهر مرة باسم أيل ومرة باسم بعل, وفيما بلاد ما بين النهرين تعتبر الإله "مردك" الأقوى بين الإلهة، و"نرجال" إله الشر، تتكرر لديهم قصة الطوفان، وبدلاً من النبي نوح نصبح أمام "شمس نيشتين" الذي شرع يبني فلكاً بناءً لتوجهات الإله "مردك".
وكان للكلدانيين في العراق مخلص إله هو "كريت"، وكان يطلق عليه إبن الله المبارك عبر الدهور، مخلص البشرية، وعند موته بواسطة الصلب تذكر الدوائر التاريخية أن الأرض والسماوات اهتزت.
ومن المعتقدات الشائعة التي أنتشرت لدى الإغريق "ديونيزوس"، وهو إله إلخمرعندهم، وعند الرومان باخس، وكان الإغريق يقيمون احتفالات سنوية كبرى مرفقة بالسكر والخلاعة، في ذكرى موت وبعث هذا الإله، وكذلك إبن الإله "هيراكليس" وهو هرقل الرومان، الذي قتل وشوهد وهو يرتفع إلى السماء.
وقد حاول أفلاطون أن يرسم ملامح مخلص في كتابه الشهير(الجمهورية ).
وكان لدى الفرس "ميترا" إله النور منذ القرن 13 ق.م، وهذا الإله المخلص قتل مصلوباً على جذوع الأشجار، وأنتشرت عبادته في العصر الهلنستي في آسيا الصغرى في القرن الأول ق.م، وانتقلت من ثم إلى روما، وكانت عبادته تقوم على رتب سرية وتدريب مرحلي، ولهذا عرفت انتشاراً واسعاً في العالم الروماني منذ القرن الأول ميلادي، وتاريخ ولادة هذا الإله هو 25 كانون الأول.
أما المصريون القدماء فكان الخلاص عندهم بأنه: سيكون هناك محكمة للموتى منعقدة يرأسها القاضي الأكبر "أوزيريس" سيد الدار الآخرة، وكانت مصر تحتفل بقيامة هذا الإله، من بعد موته كل عام، وتستمر الاحتفالات 18 يوماً، حيث تبدأ بأيام عزاء وعويل وحلق للرؤوس، وبعد أيام ينقلب العزاء إلى رقص وابتهاج.
وفي المحكمة التي يعقدها "أوزيريس" يتربع إلى جواره الإله "أنوبيس" الهة الندى والإله "توت"، وحولهما من شمال ويمين اثنان وأربعون قاضياً من الآلهة تكتمل بهم هيئة المحكمة.
وفي وسط القاعة ميزان توزن فيه الحسنات والسيئات، يستجوب أنوبيس الميت ويدون تحوت أجوبته، فمن رجحت حسناته قاده آلالهة المحيطون بأوزيريس إلى جنة الأموات، وأما من رجحت سيئاته فيسلم إلى الآلهة معات المفترسة لتمزقه.
ويتكرر الإله "اوزيريس" مع إله مخلص آخر هو الإله "ثولس"، الذي كان يعتبره المصريون الابن الشرعي للآلهة ومات على الصليب منذ 1700عام ق.م، وصعد إلى السماء وهناك أصبح قاضياً بين الأرواح في المملكة المستقبلية.
* * *
لكن فكرة المخلص تطورت من جيل إلى جيل، إلى أن وصلت ليومنا هذا، فكان المسيح المنتظر عند اليهود وهو غير المسيح الذي جاء والذي ينتظر المسيحيون عودته الثانية، والمهدي عند المسلمين سنة وشيعة، وإن كانا قد إنقسما حول كيفية ظهوره، وكان لكل الديانات التي سبقت أو البدع التي لحقت مخلصها المنتظر.
* * *
اليوم تكثر الأحاديث عن أقتراب مخلص ينجي البشرية من إنحدارها المظلم، وكلما لاحت الهزيمة لفئة أو جماعة أو طائفة وحتى دول وشعوب، لجأت إلى فكرة المخلص عله يكون الأمل لها في محنتها، حتى إن مفكراً علمانياً ككمال جنبلاط وعقب هزيمته في الحرب الأهلية التي أندلعت في لبنان في العام 1975م، لم يتوانى عن القول " ... أيمكن لهذا الشرق حيث روح الله تمكن الأودية والجبال والصحارى، أن يشبه ولادة الذي ينتظر ظهوره في كل الاعتقادات الباطنية في هذا العالم، أي مؤسس الدين الكوني، أو على الأقل مؤسس عقيدة عالمية تأتي خلفاً للتعصب الفئوي الحالي، ما هو مؤكد، هو أننا جميعاً في كل مكان تقريباً، في بحث دائم عن غنوصية فلسفية، دينية وعلمية في آن، لان هذا الطلاق، هذا القطع بيننا وبين الروح لا يمكن أن يستمر إلى الأبد".
وتفاوتت معتقدات الأديان عن المخلص، لكن الأكثر رجحاناً لدى الجميع انه سيأتي ليقيم العدل ويحقق لكل أمة دينية انتصارها الأوحد!
1- الزرادشتية
الزرادشتية نسبة إلى مؤسسها في القرن السادس ق. م زرادشت بن يورشب، وتسمى المجوسية لأن قبيلة المجوس من سكان بلاد فارس، زمن زرادشت، هي من أوائل من آمن بهذه الدعوة فانطبع إسمها عليها، لهذا يقال لهذه الديانة زرادشتية أو المجوسية.
عدد الزرادشتيين في العالم حوالي 300 ألف نسمة، ثلثهم في إيران والثلث الأخر في الهند والباقي منتشر في العالم.
عمل زرادشت بين المحتاجين والفقراء وفي خدمة المرضى، ذلك أن أبويه اهتما بتعليمه وأودع عند احد الحكماء حينها.
وكغيره أعتزل زرادشت في جبل سابلان ناشداً الحكمة، فتجلت له بمغيب الشمس مدركاً أن هناك ثنائية في الوجود: النهار والليل ... والنور والظلام، الخير والشر.
أطلق زرادشت على إله الخير إسم "اهورامزدا"، وعلى إله الشر "أهرمان"، وأدعى أنه نبي الإله الواحد الحكيم، وأخذ ينشر دعوته في بلاد فارس، مبتدئاً بالملك الذي اقتنع به ثم عدل عن ذلك وقتله.
وضع زرادشت 20 كتاباً كل منها يتألف من 100000 آية أو مقطع، أحرقها الاسكندر عام 330 ق.م، وأعيد لاحقاً جمع ما تيسر منها فيما يعرف بـ"أفستا".
مخلص الزرادشتية
واحد من أبناء زرادشت الثلاثة وعند يوم الحساب، ينتصر الإله الواحد على الشر، وعندئذ يبعث الموتى ويقع النجم المذنب على الأرض، فتشتعل جميع المعادن وتذوب، فتنتشر على الأرض كأنها سيل ملتهب، وعلى الناس الأحياء والموتى المبعوثين أن يعبروا مجرى السيل، فتذهب الأرواح الخيرة إلى الجنة والشريرة تحترق إلى الأبد، ويطرد إله الخير روح الشر.
2- الصابئة
"الصابئون قوم يقولون أنهم على دين نوح عليه السلام"، وتعتقد الصابئة المندائية أن الخالق واحد أزلي أبدي، لكن البعض يشير إلى أنه مع إيمانهم بوحدانية الله تعالى، يعتقدون بدور ما للأفلاك والكواكب في تدبير العالم، ومنهم إبن حزم الأندلسي.
يقدر عدد الصابئة ب150 إلفا، معظمهم في العراق، وعدد قليل منهم في إيران، يقدسون النبي يحي (يوحنا المعمدان) ويعتمدون عمادته، ويعتبرون أن المسيح كاذب وبأنه نبي مخادع أنتجته خرافات إله اليهود من كتاب العهد القديم، وبأنه كان خصماً للنبي الصالح يوحنا المعمدان رغم أنهم يؤمنون أنه عمد المسيح. ويؤمن الصابئة: إن كل كوكب موكل بحماية منطقة من العالم، فالمريخ ويسمونه "تبرغ" موكل بقارة آسيا حيث الصابئة.
مخلص الصابئة
تؤمن الصابئة أن العالم سيبقى على شكله القائم حوالي 2600عام،
حتى يظهر المسيح المرتقب وهو غير المسيح الأول، والبعض يقول أنه شيت ابن آدم أو الإله سيت، فتتبدل العادات وينبذ السلاح، وتمحى الديانات: اليهودية والمسيحية والإسلام، ويكون العالم على دين واحد، وتستمر الحالة على هذا المنوال ستين ألف سنة، ثم يرجع الأمر إلى شريعة آدم السابقة، ومنها إلى "هيبل زيوا" فيبقى تحت حكمه خمسين ألف سنة، ثم يصير إلى إمامات ويستمر مئة وسبعين سنة، ثم تفنى الأرض لتعود إلى عالم الأنوار.

مخلص الايزيدية
وهي ديانة قديمة قبل الزرادشتية تؤمن ايضا بتناسخ الارواح فيما تضاربت الروايات حول مخلص الايزيدية. فمنهم من أشار الى أنهم ينتظرونه باسم "خضر الياس"، ومنهم من يقول أن لديهم مهدياً منتظراً سيأتي وستكون مهمته إزالة الفساد ونشر العدل.
يقول عبد الرزاق الحسني: "السكان الايزيديون يرمون قطعاً من النقود الفضية قي شق بجبل سنجار ينتهي إلى هاوية لا يعرف مداها ولا منتهاها، فلا يجرؤ سارق على الوصول إليها لأنه يقتل فوراً ويهدر دمه. وهم يعتقدون بأن مهديهم المنتظر سيظهر قريباً ويلتقط ما إدخره أصحابه له من نقود، فيستعين على تطهير الأرض من الرجس والفساد".


 

  • شارك الخبر