hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - خالد موسى - المستقبل

"المتفلّت" و"غير الشرعي" توأمان يلتقيان... على القتل والفلتان

الأحد ١٥ نيسان ٢٠١٧ - 06:44

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

مرة جديدة يسعى السلاح المتفلّت من كل الضوابط القانونية والاخلاقية إلى فرض نفسه كبديل عن الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية في العديد من المناطق، زاهقاً أرواح عشرات الأبرياء المدنيين من اطفال وشباب ونساء وشيوخ دون أي ذنب. هذا السلاح المتفلّت من أي قيود والمحمي من قبل أصحاب السلاح غير الشرعي في البلد، خصوصاً في الأحياء والمناطق التي يسيطر ويهيمن عليها، ذهب ضحيته أكثر من عشرة أبرياء خلال الشهر الجاري، وعشرات بل ربما مئات القتلى والجرحى في الأشهر والسنوات الماضية.

ففي وقت تسعى فيه الدولة وأجهزتها الرسمية جاهدة إلى بسط الأمن والسيطرة على كل أرجاء البلاد، في ظل العهد الجديد وحكومة «استعادة الثقة» برئاسة الرئيس سعد الحريري، التي تسعى إلى تثبيت الأمن والإستقرار في البلد من أجل عودة المستثمرين وإنعاش البلد، يسعى هذا السلاح المتفلّت من أي ضوابط أخلاقية إلى ضرب هذه الصورة وتعكير صفو الأمن في العديد من المناطق، وبالأخص في مناطق نفوذ السلاح غير الشرعي. فلا يمر يوم من دون أن نسمع عن جريمة هنا وأخرى هناك من البقاع إلى بيروت مروراً بالجنوب اقترفه هذا السلاح الذي أصبح مستشرياً ومحمياً في العديد من تلك المناطق.

آخر ضحايا هذا السلاح كان ليل الخميس – الجمعة الفائت في مدينة بعلبك، حيث دفع الشاب خليل الصلح إبن الـ 28 ربيعاً حياته نتيجة رصاصات قاتلة أطلقها شباب من آل زعيتر في حي الصلح، يستقلون سيارة رباعية الدفع ذات زجاج داكن ومن دون لوحات. وفي تفاصيل، وبحسب ما روى أقرباء الشاب لـ «المستقبل» فإن «سيارة قد اصطدمت ببيك آب يملكه الصلح، الذي نزل من منزله محاولاً إبعاد البيك آب عن السيارة التي تعطلت في منتصف الطريق، ليصادف مرور سيارة رباعية الدفع ذات زجاج داكن وبلا لوحات يقودها شباب من آل زعيتر يقطنون في حي الشراونة»، مشيرين إلى أنه «بينما كان يحاول خليل معالجة القضية وإزالة السيارة من وسط الطريق الذي يمر بجانب منزله، أصرّ شباب آل زعيتر على المرور ودعوا خليل إلى فتح الطريق، وحصل تلاسن بين الطرفين، فما كان من شباب آل زعيتر إلا أن أطلقوا عليه النار وأردوه على الفور».

هذه الجريمة التي أحدثت صدمة في الشارع البعلبكي، خصوصاً أن الضحية لا عداوة له مع أحد، كادت أن تودي إلى تفاقم الوضع وإنزلاق الأمور نحو الأسوأ، لولا حكمة العقلاء في العائلة والمدينة الذين عملوا على تطويق القضية، وأعطوا مهلة للقوى الأمنية من أجل معالجة الموضوع وإلقاء القبض على القاتل ووضع حدّ لهذه المجموعة من أصحاب السوابق المحميين من قبل بعض الأحزاب الأمر الواقع في المدينة.

وتضاف هذه الجريمة إلى سلسلة من الجرائم التي حصلت نتيجة تفلّت السلاح منذ مطلع نيسان الجاري. ففي الثالث منه، دفع الرقيب الأول في قوى الأمن الداخلي شادي الحاج إبن بلدة بقعتوتة الكسروانية حياته نتيجة هذا السلاح، خلال نصب قوة من الأمن الداخلي – مكتب السرقات الدولية كميناً لإحدى عصابات سرقة السيارات في الرويسات في جديدة المتن، حيث حصل تبادل إطلاق نار بين القوة ومطلوبين من آل دندش، ما أدى إلى إصابة الحاج ووفاته على الفور. وفي اليوم نفسه أيضاً، حصل إشكال فردي في الضاحية الجنوبية، حيث معقل «حزب الله» ومربّعه الأمني، وبالتحديد في منطقة الشياح بين عدد من الشُبان من «آل دمشقية» وآخرين من «آل معتوق» في شارع «المصبغة» قرب مكتب تابع لحركة «أمل»، سرعان ما تطور إلى تلاسن ومشادة كلامية حادة بين الأطراف المُتنازعة، وصلت إلى حد إستخدام أسلحة حربية وتبادل إطلاق النار، ما أدى إلى إصابة حسين علاء الدين في خاصرته، وما لبث أن فارق الحياة مُتأثراً بجراحه. وفي السابع من الشهر نفسه، صُدمت مدينة البابلية في الجنوب بجريمة مروعة، حيث أطلق شاب النار على والده وأخته ما أدى الى مقتلها فيما الوالد تعرض لإصابة، أما سبب الجريمة فهي خلافات على الإرث. وفي العاشر من الشهر أيضاً، هزت جريمة قتل مروعة مطعم «طونينو» في الضاحية الجنوبية، ما أدّى الى مقتل الشاب أديب محمد حيزان أحد العاملين في المطعم وإصابة آخر بجروح بالغة، إثر نزاع حصل بين أحد الزبائن وعمال المطعم على خلفية تأخر في «الطلبية» ليتطور الأمر إلى سحب مسدس من قبل زبون وإطلاق النار بشكل عشوائي ما أدّى إلى مقتل حيزان. وفي 17 نيسان، هزت جريمة قتل بلدة قب الياس، على خلفية كوب «النسكافيه» حيث أقدم مارك يمين على قتل خليل القطان وطلال حميد العوض بإطلاق النار عليهما من مسدس حربي بعد خلاف بين العوض ويمين إثر سؤال الأخير عن سعر كوب النسكافيه ومكوناته، والمحزن أنّ القطان الذي تدخل لفض النزاع كان نصيبه رصاصة أنهت حياته أيضاً.

إذاً أكثر من سبعة أشخاص قضوا نحبهم نتيجة انتشار السلاح المتفلت من الضوابط والقيود بيد «ثلّة» لا يمكن وصفهم إلا بالمجرمين وقطّاع الطرق، وهذا مرده بطبيعة الحال إلى السلاح غير الشرعي الذي يحمي هؤلاء في مناطقه وضمن صفوفه ويسعى في بعض الأحيان إلى تبرئتهم خلال محاكمتهم تحت حجج «إختلال عقلي» وغيره كما حصل في قضية محاكمة قاتل الرائد الطيار الشهيد سامر حنا.

تزايد هذه الجرائم دفع قبل حوالي ثلاثة أسابيع، عضو كتلة «المستقبل» النائب عقاب صقر وخلال جلسة مساءلة الحكومة إلى المطالبة بـ «العمل على مشروع المدن المنزوعة السلاح»، مشدداً على «أننا لم نعد قادرين على تحمل السلاح المتفلت، وأتحدث عن ما يسمى بسرايا المقاومة، وهي مجموعات تمارس أعمالاً خارجة عن سلطة الدولة».

صرخة النائب صقر هي لسان حال عشرات العائلات الملوعة نتيجة هذا السلاح والتي دفع أبناؤها حياتهم ثمناً لذلك، وهذا ما يفرض على الدولة والقوى الأمنية والعسكرية الشرعية العمل سريعاً على وضع حد لهذا السلاح المتفلت بيد «الزعران» والفارين من وجه العدالة وضبطه وفق القوانين المرعية الإجراء، من أجل منع إستمرار هذه الجرائم ووقف معاناة المدنيين الآمنين من جراء ذلك.

في هذا السياق، يعتبر عضو كتلة «المستقبل» النائب أمين وهبي في حديث إلى «المستقبل» أنه «طالما سلاح حزب الله مستمراً وموجوداً فإننا سنبقى نشهد هذه الجرائم التي تحصل لأسباب تافهة»، مشيراً إلى أن «السلاح غير الشرعي هو سبب أساسي لتفشي السلاح بيد الناس، فعندما يحصل أي إشكال بين رجلين يكون السلاح ثالثهما، وفي أكثر الأوقات على أسباب تافهة».

ويشدد على أن «الحل الأمثل هو بحصر السلاح الكبير، أي سلاح حزب الله، والصغير، أي العادي والفردي بيد الناس، بالدولة دون غيرها، وتطبيق القانون على الجميع من دون إستثناء»، لافتاً إلى اننا «لن نصل إلى اي حل أو نتيجة في هذا الملف، طالما أن هناك سلاحاً غير شرعي موجوداً خارج إطار الدولة».

من جهته، يرى عضو «اللقاء الديموقراطي» عضو لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات النائب انطوان سعد في حديث إلى «المستقبل» أن «طالما سلاح حزب الله موجوداً، فإن الدولة لن تستطيع ضبط السلاح المتفلت بيد الناس»، داعياً إلى «حصر السلاح بيد الدولة فقط لا غير، وإلى العمل على الحد من إعطاء رخص السلاح كيفما كان من قبل وزارة الدفاع».

ويشير إلى أنه «في السابق وتحديداً في عام 1960 كان هناك 250 رخصة سلاح فقط في كل لبنان، بينما اليوم نجد هذا العدد في قرية واحدة فقط»، مشدداً على «ضرورة تعزيز وجود الدولة والقانون وهذا ما يسمح بضبط هذا السلاح المتفلّت بيد الناس، وخصوصاً من عصابات سرقة السيارات وقطّاعي الطرق وبعض الشباب المتهور».

ويلفت إلى أنه «طالما سلاح حزب الله موجوداً والدولة غير قادرة على ضبطه، فإننا سنستمر بمشاهدة هذه الجرائم تقع أمامنا من دون أي رادع»، مشيراً إلى أنه «عندما يتم ضبط السلاح، تخف الجرائم والسرقات وتعود الدولة إلى سابق عهدها كما كانت في السابق ممسكة لكافة زمام الأمور والمتحكمة بقرار السلم والحرب».

بدوره، يؤكد عضو كتلة «التنمية والتحرير» عضو لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات النائب عبدالمجيد صالح، في حديث إلى «المستقبل» أن «هناك اختلالاً في منظومة القيم اللبنانية، وقتل أي نفس بغير ذنب هو من الكبائر»، مشيراً إلى أن «هناك فلتاناً في منظومة القيم داخل المجتمع وهذا مرده إلى غياب الدولة وتلاشي دورها وحضورها في العديد من المناطق، ما أدى إلى بروز الممنوعات والمخدرات وتفشي السلاح بيد الناس».

ويشيد بـ«القرار الأخير الذي اتخذه وزير الدفاع يعقوب الصرّاف بتخفيض عدد رخص السلاح المعطاة وحصرها فقط بالمرافقين وكذلك وضع شروط على طالب الرخصة، ومن بينها الإمضاء على تعهد وكذلك من المسؤول السياسي عن هذا الشخص»، مشيراً إلى «ضرورة تعزيز عمل القوى الأمنية وحضورها في جميع المناطق وتفعيل عمل القضاء وإنزال اقصى العقوبات بحق المتورطين والمتهمين وعدم تسيسس القضايا والتدخل السياسي في التخفيف الأحكام، فمن شأن هذه الخطوات الحد من الجرائم التي ترتكب على كامل الأراضي اللبنانية»، داعياً إلى «وضع الحد من الجرائم في سلّم الأولويات التي يجب أن تعمل عليها الدولة وأجهزتها الأمنية في الفترة المقبلة».

من جهته، يشدد عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب شانت جنجنيان في حديث إلى «المستقبل» على «ضرورة ضبط موضوع السلاح المتفلت، إذا لا يجب أن تبقى الأمور على هذا المنوال كل يوم جريمة هنا وأخرى هناك على أسباب تافهة»، كاشفاً عن أنه كان بصدد «تقديم إقتراح مشروع قانون يحدد من يجوز لهم التقدم لطلب رخصة سلاح، ومن بين هذه الشروط أن لا يكون الشخص عصبياً وأن يكون مؤهلاً فكرياً وبكامل قواه العقلية».

ويلفت إلى أنه بحث أيضاً في موضوع «فرض رسوم على من يطلبون رخص السلاح ولكن تم رفض هذا الموضوع من قبل وزير الدفاع السابق»، مشيراً إلى أن «في الدول الأوروبية يخضع من يريد الاستحصال على رخصة صيد أو سلاح لساعات تعليم خصوصية وتدريب مسبق وامتحان نظري وعملي». مشدداً على «أهمية وضع حد للسلاح العشوائي بيد الناس من خلال تعزيز حضور الدولة ووجود القوى الأمنية الشرعية في كل المناطق وتطبيق القانون على الجميع من دون إستثناء».
خالد موسى - المستقبل

  • شارك الخبر