hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - مازن ح. عبّود

ولدي ومدائن الأرض ومدائن السماء

الثلاثاء ١٥ آذار ٢٠١٧ - 06:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

قال لي:" قل لي يا ابي اين السماء؟".

فتطلعت الى اديم السماء، وأجبت: " السماء فوق يا ولدي، انها حيث تلتقي زرقة الاديم بأزرق البحار في ال “لا مكان وزمان". انها هناك حيث نور وجهه لا يغيب وحيث كل من أحب واحببت يا ولدي". وسأل: "هل يلتقي اهل الأرض بسكّان السماء؟ اما من سلالم او أشجار يصعد الناس عليها وينزل أولئك إليهم عبرها؟". اجبت:" لا يستطيع أحد ان يعلو الا إذا ما تزود بجناحين فيطير فوق الدنيا ويصير يرى الأرض ووحولها من فوق. كان ما بين الأرض والسماء أشجار وسلالم كثيرة. وكان اهل الأرض يتناغمون مع السماوات. وكانت الأشجار السلالم تضج بمن يصعد وينزل. قيل لي انّ الأرض كانت سماء، الى ان ظنّ حاكم الأرض ان لا لزوم لسماء، فقال انّ لا إله. قطع كل الاشجار فغرق اهل الأرض بغيهم، وكادوا يختنقون لو لم يحنّ عليهم ساكن السماء، فأقام عودا من عمق الأرض الى احشاء السماء".
صمت ولدي، وقال: "اكيد، اكيد". وصار سواد العينين يلطم الحوضين، كأنهما اختارتا التوسع. ثمّ عاد فسأل: "كيف يكون ملك السماوات؟ وهل يشبه ملوك الأرض وسلاطينها؟ كيف تحكم الأرض؟ وهل مثلها تحكم السماوات؟". فأجبت:" إله السماوات شمس انوارها من محبة. لا تشبه أنظمة الأرض وملوكها وحكامها ورؤساءها السماوات الا نادرا وقليلا.
ظهرت الديمقراطية ومضة في أثينا الاغريق قديما حيث الناس كانوا شيوخا يبحثون كيف يرتقون. أراد اهل تلك المدينة الومضة في ذلك الزمان ان يكون من يحكم الناس من الناس، فلا ينسى من يحكم انه من البشر وعائد إليهم ابدا. فمن الديموس (الشعب) تتكون الكراتوس (السلطة). ما اراد اهل تلك المدينة ان يشتعل نور الخدمة في مصباح أحد طويلا، مخافة ان تستهلك شعلة الخدمة كل زيته، وتصير نارا تسهلك الانسان وتتغذى بفعل احتراق العبيد، وتصير انواره من خوف ووهم وظلم وظلامة. ظلمنا يا ولدي من استورد الديمقراطية كنظام حكم ولم يعمل على تطوير عقلية من يستخدمها فيصير الناس شيوخا يلتمسون ما هو فوق. ظلمنا من استورد الديمقراطية ودجنها كي تخدم مراده فصارت الناس أرقاما والتنمية سرابا والأرض تختنق بسموم الإنتاج غير اللازم لطلب غير ضروري، فصار البشر مستهلكين ليس الا. صار هم كل هم من يحكمون الفوز في الانتخابات المقبلة. مشكلة الديمقراطية يا ولدي، انها توهم الناس يا ولدي بأنهم متساوون لكن هل انّ الثري فعلا متساو مع المعدم؟
انّ الأرض تبتعد كل يوم أكثر فأكثر عن السماوات، فاجعل ارضا على مقاس قيمك. اليوم تطفئ يا بنيّ شمعتك الثالثة وانت تشتهي ان تكون الخامسة. لن تفهم مرادي اليوم لكنك ستفهمه يوما مع اختك واخيك.
إذا ما اردت يا ولدي فعلا ان تبلغ السماء كما قلت بداية، فما عليك الا ان تقرأ الكتاب وان تزرع الثلاث حبات التي اعطيك إياها اليوم كي تصير شجرات لا بل سلالم تصعد وتنزل عليها الملائكة. احتفظ بها وازرعها انها بذور المحبة والتواضع والرجاء. ازرعها في تربة نفسك واروها بدموع عطشك وتوبتك الدائمة وعرق الجهاد. لا تبزغ هذه البذور يا ولدي الا إذا ما ابتلت بالدموع، ولا تكبر الا في تربة الصبر والقبول".
واعطيت ولدي كتابا ورثته عن جدتي وثلاث حبات وقبلته وغنيت له ما تعلمت من الحياة اغنيات.

  • شارك الخبر