hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

من قصص السلطة والزعامة في جردستان

الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٦ - 06:10

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في ناحية "جرد ستان" البعيدة يا ولدي عاش الزعيم والزعيم كان اسمه "منصورا". كان "منصور" من لحم ودم وذلك على الرغم من انه ما كان يعترف بمحدوديته، فقد سارت شائعات حول ميلاد الزعيم ونِشأته ترتكز على الاسطورة في بيئة تعتاش على ال"ما ورائيات" وتختلط فيها الحقيقية بالأسطورة، كان الكثير من الناس يؤمنون بمنصور وهو كان يؤمن ببره. قيل انّ امه حبلت به بفعل زرع سبع في ليلة بان بدرها، لذا فهو سباعي اذا ما احتسب تاريخ اقتران ابيه بامه. قالت فيه "زوزو" العرافة بانه سيكون اعظم مواليد ناحية "جردستان" وبأنه سيتقلب في مناصب رفيعة ويسوس قطعان تلك الناحية، وولد الرجل في اقصر ايام السنة في زمان الجليد والبرد والعواصف على الطريق المتجمدة المؤدية الى المستشفى، جراء البرق الذي اخاف الام الحامل في شهرها الاخير.

ادمن المنصور على السلطة والتكريم والكلام المعسول، وقد رسم "المنصور" حدود مصلحة جردستان العامة بما يتوافق وحدود راحته الخاصة وسلامه واستقراره النفسي. كان يضع الولاء في مستويات ومراتب اعلى بكثير من الكفاءة وجودة العمل، فقد تملّكه الخوف والشك. لذا فانه احاط نفسه بكل اشكال المتزلفين والمتفلسفين والمهرجين والمستفيدين. وكما يقول "النوس" السلطة اذا ما خلت السلطة من ابعاد الخدمة في المحبة تصير جثة نتنة يتجمهر حولها الزراقط والذباب والذئاب والثعالب والكلاب والقططة والافاعي. كثرت الافاعي والثعالب من حوله حتى صار "الجنجون" ظلّه لا بل ملهمه ومحركه، فشكل هذا الاخير سدا منع تسلل الناس إلى زعيم "جردستان". وكان "جنجون" يدرس للحاكم معاني واثر التهام الرئيس اوباما لموزة صومالية في حديقة البيت الابيض الخلفية على "جردستان" وقبائلها، مستخدما العناوين الرنانة والاستعراضية لمضامين جوفاء فيقال فيه ان مفكر وفيلسوف وعارف ومحلل. ويروح يضرب كل من لا يخضع له، فقد حصل انه قارن مرة جودة مطعم "الياس الضيعة" بجودة مطعم " Eleven Madison Park" المعروف في مدينة نيو يورك الذي يرتاده الرئيس المنتخب "ترامب"، وذلك لإبعاد "الياس" المسكين عن التزام مطعم السجن، ولإرساء المناقصة على "غوّار" من جماعته الذي كان حدادا فرنجيا، ولا يفقه شيئا من فنون الطعام. فكان ان ثار المساجين احتجاجا على نقص ورداءة الاطعمة ولولا الارادة الالهية لكانت الامخال سحقت، وتحولت "جردستان" الى حديقة للخارجين على القانون. وكان قبيل تشكيل او انتخاب اي سلطة او هيئة محلية او تعيين اي شرطي او موظف يدعو المرشح الراغب بالحصول على دعم الزعيم الى زيارته لتلاوة فعل الولاء ويدعوه الى القسم على الكتاب المقدس بأنه لن ولن يتجرأ يوما على مخالفته الرأي.
نعم يا ولدي كانت "جردستان" ممتلئة عظاما وقصصا وشائعات وامواتا بثياب بشر تطوف في الشوارع حاملة هواتف ذكية. وكانت الهواتف الذكية تقود الاموات الهائمين الذين يعيشون في عوالم وهمية قوامها الربح السريع غير المتوفر والحياة السهلة غير الممكنة. كانت النقمة تكبر في ازقة في "جردستان" نتيجة تراجع فرص العمل وتزايد عدد العاطلين عن العمل، نقمة ما كانت تفضي الى ثورة او تطور لانّ الناس كانت تؤمن في المنصور والمنصور ونظامه كانوا يمسكون بهم. كان الناس يؤمنون بصنم والاصنام خارج اطر المحاسبة، كانوا يؤمنون بخرافة "منصور" الذي من زرع سبع اخرجه البرق من مستودع امه في الشهر السابع. ومن كان صنما من وهم وخوف البشر لا يحارب لأنه يعيش في "لا وعيهم" يسرق احلامهم وآمالهم، زارعا فيهم الخوف الذي يحصده عبودية.
تلوت عليك قصتي يا ولدي لا كي احبط عزيمتك بل كي اجعلك تتحرر من قواعد "جردستان" وكي تبقى تحلق فوقها حتى لو لم تجد لك فيها موضعا تسند اليه رأسك. فمن ليس له موضع فيها هو متحرر عنها وحر وطليق يغرد لربه في دنياه.

  • شارك الخبر