بالمبدأ، ابتُكرت نظرية "الديمقراطية التوافقية" لتكون عملياً إحدى الطرق لإدارة النزاعات بين مختلف مكوّنات المجتمعات التعددية من خلال التعاون والتوافق بدلاً من اتخاذ القرارات بالأغلبية، ومن أهم مرتكزاتها "حق الفيتو المتبادل للأكثريات والأقليات على حد سواء من أجل منع احتكار السلطة". لا شك أن اعتماد "الديمقراطية التوافقية" في لبنان قد نجح بشكل عام في استدراج القوى الطائفية والسياسية كافة إلى نادي "الموالاة"، أي إلى حيث لا "معارضة" يُعوّل على وجودها.
إلا أن الأداء السيئ والفوقي لكبار الطبقة السياسية شوّه هذا النمط "الديمقراطي" عندما حرفوه عن الهدف الذي ابتُكر من أجله وحوّلوه إلى وسيلة من وسائل "الاستبداد الديمقراطي" التي سهّلت عليهم إحتكار السلطة وحصر الانتفاع من مقدّرات مؤسساتها بهم، كما وبالغوا في الاستغلال من خلال اتخاذ "الديمقراطية التوافقية" غطاءاً للفساد وممراً للصفقات، وكشفوا عن براعتهم في إحتواء أي معارضة ناشئة تفادياً لتناميها أو في وأد أي معارضة في مهدها كي لا يضطروا إلى قمعها بشكل فاضح.
أما فيما يتعلق بـ "الموالاة" و"المعارضة" فإن التهافت على الدخول إلى نادي "الموالاة" أو البقاء فيه بات مرتبطاً بشبهة المشاركة في الفساد أو بالحد الأدنى السكوت عنه. وما زاد في الطين بِلّة وأفلت الملق، أن "المعارضة" في الاعتبار السياسي اللبناني ما تزال "ثقافة مرذولة" على المستويين النظري والعملي، إذ من الصعب في لبنان إيجاد من يؤمن أو يأمل بأن لـ "المعارضة" مردود إيجابي، وإن وُجِدَ فهو لا يتقن ممارستها، في ظل تناوب القوى الطائفية والسياسية على التوظيف السلبي لـ "المعارضة" - داخل المؤسسات وخارجها - وذلك عبر تعطيل الحكم واسترهان مصالح الناس من أجل خدمة مصالحها الخاصة فقط.
السؤال، إذا كان الرئيس نبيه برّي قد أعلن عن استعداده للتحوّل إلى المعارضة، وإذا كانت فرائص الموالين قد ارتعدت لمجرد إعلانه هذا، ونظراً لما يتمتع به من ثقل سياسي، هل في نيّة الرئيس برّي البقاء على موقفه أو هل بإمكانه الصمود عنده علّه يساهم في إعادة الاعتبار إلى "المعارضة" وفي إحياء مفهومها وتنشيط مفعولها، خصوصاً أن التمادي في "الموالاة" بات موضع شبهة وصار الرجوع عن "الموالاة" فضيلة؟