hit counter script

مقالات مختارة - محمد مشموشي

درس لبناني... من قاعدة همدان الإيرانية

الأحد ١٥ آب ٢٠١٦ - 06:31

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

من شأن ما يمكن وصفه بـ«الشجار» الحواري بين موسكو وطهران حول استخدام القاذفات الروسية الضخمة لقاعدة همدان الإيرانية في رحلات هذه الطائرات من روسيا لقصف مدينة حلب وريفها، أن يقدم لنا في لبنان درساً لا يجوز التقليل من أهميته، خصوصاً في كيفية التعاطي السياسي مع إيران مستقبلاً من جهة، ومع أدواتها في لبنان من جهة ثانية.

ذلك أنه بعد ساعات فقط من إعلان موسكو أن قاذفاتها انطلقت من همدان لقصف مواقع في منطقة حلب، تعمدت طهران «التبرؤ» السلبي من العملية بالقول إن الإعلان عنها لم يكن ضمن الاتفاق بين العاصمتين، وإن هدف الإعلان الروسي جاء في سياق بروباغندا رخيصة لا تقبل بها إيران ولم تكن في حسابها. ليس ذلك فقط، بل إن أحد المسؤولين فيها بادر الى القول إنه رداً على الموقف الروسي هذا تم وقف استخدام القاعدة من قبل طائرات «الحليف الاستراتيجي» في الكرملين بعد الآن.

لم يمنع هذا مسؤولاً إيرانياً آخر من الاعتراف بأن القصف الروسي لمنطقة حلب تم بطلب من طهران نفسها، ولا مسؤولاً ثالثاً من القول إن استخدام قوات أجنبية للأراضي الإيرانية يُشكل خرقاً للدستور ولم يقره (بحسب علمه؟!) البرلمان الإيراني أو أي مؤسسة دستورية أخرى.

موسكو، من ناحيتها، لم تلتفت الى الاتهامات الإيرانية، بل دافعت عن العملية وحتى عن الإعلان عنها، الى حد أن مسؤولاً فيها قال إن قاذفات بلاده ستعود الى استخدام قاعدة همدان مجدداً إذا ما تطلب الأمر في أي يوم في المستقبل.

هذا «الشجار» المعلن، أو «الحوار» المكتوم، يعني في الواقع شيئاً واحداً لا غير: أن إيران وافقت على العملية، بل إنها طلبت من موسكو القيام بها كما قال أحدهم، لكنها أرادت أن تبقى سراً بين الطرفين لا يُكشف، لزوم البروباغندا الإيرانية بدورها... أي مواصلة القول إن إيران دولة مستقلة، لا سيما عن القوتين الكبريين في العالم، الولايات المتحدة وروسيا، وحتى أنها «دولة عظمى» في الإقليم تتعامل مع القوتين هاتين، فضلاً عن دول المنطقة ودول العالم الأخرى، من موقع الندّ للندّ.

هي «التقية» السياسية مجدداً، بل دائماً؟. ربما، لكن للأمر معاني أخرى خصوصاً بالنسبة الى لبنان الذي أعلن الأمين العام لـ«حزب الله» فيه، السيد حسن نصرالله، أخيراً أن ميزانيته وأسلحته وذخيرته ورواتب أعضائه وحتى طعامهم وشرابهم تأتي من إيران... كما، طبعاً، بالنسبة الى كل من سوريا والعراق واليمن، حيث تخوض إيران حروباً مباشرة، أو بالوكالة، تحت مسمى انتزاع الاعتراف بالدور الإقليمي والدولي لها في المنطقة وفي العالم.

هكذا، تصبح ادعاءات إيران الدائمة بأنها لا تمنع انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وبأنها حتى لا تتدخل في شؤونه بل تتركها للبنانيين («حزب الله» تحديداً) يقررون فيها ما يشاؤون، أشبه بوضع قاعدة همدان الجوية في تصرف روسيا لكن من دون الإعلان عن ذلك، وحتى برفض الكلام على مثل هذا الإعلان. ولعل الفرنسيين تحديداً، وقد تحدثوا مع طهران مباشرة عن الأمر، أكثر من يعرفون حقيقة هذه الحال.

هذا عن رئاسة الجمهورية في لبنان، وما يعنيه شغور الموقع الأول فيه لأكثر من عامين حتى الآن من تفريغ للدولة وإثارة علامات استفهام حول مستقبلها ومستقبل البلد في النهاية، حتى لا ننسى غزوة 7 أيار العام 2008 لبيروت والجبل، وتدخل ميليشيا «حزب الله» في أكثر من بلد في المنطقة... من مصر الى السعودية الى الكويت والإمارات، وصولاً في الأعوام الأخيرة الى سوريا والعراق واليمن.

لكن لماذا «الشجار» مع روسيا بعد الإعلان عن قاعدة همدان، والصمت المطبق إزاء السيد حسن بعد حديثه عن ميزانية الحزب وبأنها تأتي كلها من طهران؟.

الواقع أنه، مع الاختلاف بين الكلام على قاعدة همدان وكونها شأناً سيادياً يمس الدولة الإيرانية في الصميم والكلام على التمويل الإيراني لـ«حزب الله»، فلولا التزام السيد حسن ولاية الفقيه وكونه جندياً في جيشه، فضلاً عن تورطه في سوريا والعراق واليمن ومراهنة الحرس الثوري عليه، لما كانت إيران قد تأخرت حتى عن الدخول في «حوار» أو ربما «شجار» تحت عنوان الحوار معه.

فالمهم بالنسبة الى إيران، لا سيما في هذه الفترة وبعد حديثها عن سقوط أربع عواصم عربية في يدها، أن تواصل الادعاء بأنها لا تتدخل في شؤون هذه العواصم لا سياسياً ولا عسكرياً ولا تمويلاً للميليشيات فيها، وهذا ما لا يتلاءم مع جهر السيد حسن بالتمويل الكامل من قبلها والتبعية المطلقة لها.

لكن ما يبقى هو «التقية» الإيرانية والحزبللاهية بازاء لبنان، وتالياً ضرورة النظر الى كل ما يصدر عنها باعتباره نسخة عما شهده «الشجار» بين طهران وموسكو حول قاعدة همدان الجوية الإيرانية: نعم لكل أمر ما دام في الخفاء، ولا للحديث العلني عنه، ولا حتى لمجرد التلميح اليه.

وهو درس بالغ الدلالة، أو ينبغي أن يكون كذلك، للبنانيين كلهم... بمن فيهم، أساساً، حلفاء ما يسمى «الممانعة» في لبنان أو في المنطقة.

  • شارك الخبر