hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - بوريس جونسون عمدة لندن السابق

في فرار المملكة من إمبراطورية شارلمان مازن عبود

الثلاثاء ١٥ حزيران ٢٠١٦ - 07:14

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

"المشكلة بأنهم قد رسموا مثالا لايشبهننا، فهم يريدون بناء وحدة اتحادية لا يريدها معظم الإنكليز".

بوريس جونسون عمدة لندن السابق

البارحة فرت المملكة المتحدة من قضبان سجن الاتحاد الأوروبي وسط ذهول الجميع وذلك بالرغم من موجات الترهيب الإعلامي والسياسي الذي تلقيناه عبر شاشات وصفحات واثير المؤسسات الإعلامية العالمية. تضعضعت حوائط معاهدة ماسترخت بفعل انتفاضة عوام الإنكليز لكن على نخبهم وعلى بروكسيل هذه المرة، وليس على الملكية، فكان الصوت مدويا وستكون تأثيرات انتفاضتهم ابلغ على أوروبا والعالم. فرار المملكة المتحدة هو مؤشر لاستفاقة الشعبوية التي على ما يبدو تنمو في الخوف وتتسلق سلم الديمقراطية للوصول الى هدفها واغتيال القيم الليبرالية التي صنعت وأقرت كي تكون الأطر الناظمة لمجتمعات العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
لقد وحد الاتحاد الأوروبي أوروبا حول مبادئ ونظم جديدة، نعم حاول الاتحاد الاوروبي ايجاد نسخة جديدة للقارة القديمة تكون مضادة لأي فيروس يعيد اليها صفحاتها السوداء، فالهم كان ان لا تعود الى القارة الحرب من بعد، وقد نجح المشروع في حفظ القارات لعشرات السنوات. نعم نجح المشروع الى حين تعرض الى النكسة، نكسة تكونت بفعل ازمة التقلص المالي التي بدأت في نيو يورك حيث تنشأ الازمات الكبرى، وقد ارخت بتداعياتها على دول الاتحاد، وادخلت اليورو في المنطقة الرمادية اذ بان مرج تضارب السياسات المالية والاقتصادية للدول الاعضاء فيه مع السياسة النقدية الموحدة للمصرف المركزي الاوروبي، ومن ثمّ اتت سوريا وموجات النزوح والارهاب المتنقل.
كان ان بدأت عربة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية تتعثر وتعثر معها التعاون ما بين الدول بعد ازمة التقلص المالي. ووافت الحروب الدائرة على سوريا كي تهز مضاجع دول الاتحاد، حروب ولدت أكبر موجة نازحين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وأكبر موجة ارهاب متنقل، واكتشف زعماء القارة القديمة انّ الإرهاب لا يعبر بالضرورة عبر الحدود من الخارج، وليس بالضرورة منظورا بالعين المجردة، بل انه فيروس فكري يهدد ويضرب أوروبا ايضا من الداخل كنتيجة حتمية لعدم انخراط شرائح وفدت اليها من اشهر او سنوات او حتى عهود. موجات بشرية استفادت من فسح الحرية والليبرالية وكي تنمو على هوامش المجتمعات وتنتج وحوشا مرعبة ونائمة في ظل غياب السياسات الفعالة لدمجها في النسيج والحضارة الاوروبيين. وتعاظم مد النازحين القادمين من الجنوب الى الشمال، الى القارة القديمة بحثا عن مناخات افضل وعن فسح سلام ولقمة عيش، وصار المتوسط مقبرة واليونان بوابة. فنشأت في العالم ازمة نزوح هي الاكبر منذ الحرب العالمية الثانية، الا انّ اميركا البعيدة وروسيا الشاسعة المتورطتان في الرمال السورية، بقيتا بعيدتين عن التداعيات البشرية للازمة. فكان ان صارت اوروبا ساحة الازمة، فبدأت شرائح واسعة من الشعوب الاوروبية تستشعر الخطر، فنشأت وانتشرت فيروس الشعبوية. ما استطاعت النخب المدمنة على البحث عن المزيد من الناخبين لضمان بقائها في السلطة انّ تتخذ تدابير موجعة وضرورية، لا بل تابعت عملها كما السابق. فصارت مبادئها في واد، وخوف وتطلعات شعوبها في واد آخر. تعززت الغربة ما بين بروكسيل والكثير من شرائح الشعوب في الدول الاعضاء، مما انعكس انخفاضات متتالية في نسبة المقترعين في الانتخابات المتتالية للبرلمان الأوروبي. فكان ان بدأت تظهر اصوت للعلن كصوت عمدة لندن السابق بوريس جونسون تدعو الى الخروج من اسوار الاتحاد الفولاذية ومشكلاته المفصلية.
نهاية، فرت المملكة المتحدة من أوروبا وللفرار تداعيات كبيرة عليها وعلى الاتحاد وعلى النظام الاقتصادي والنقدي في العالم برمته وسيسهم حتما في اظهار عورات معاهدة "بريتون وود" بنسختها الحالية، والتي صارت بحاجة الى إعادة تصويب ان لم يكن صياغة كي تتلاءم مع واقع عصر الإرهاب والعولمة الجديد. نعم انّ "قرار انسحاب المملكة المتحدة هو هزيمة لأوروبا لكن كارثة على بريطانيا" بحسب ما قال رئيس الحكومة الإيطالي الا انه أيضا انذار ببداية ازمنة الازمات التي تستوجب من القادة تعاونا أكثر فعالية وحلولا قد تكون موجعة لحماية السلم والسلام العالميين وضمان ديمومة نقاوة ونوعية الحياة على الكوكب. وقعت اوروبا ضحية تعثر النظام النقدي والاقتصادي العالمي وتداعيات العولمة وبالتحديد الازمة السورية، فصار النشيد الأوروبي الموحد يحتاج الى صياغة كلمات جديدة للحن الفرح، والا صار في خبر كان، وحل محله لحن فاغنر بقيادة عوام بريطانيا.

  • شارك الخبر