hit counter script

باقلامهم - العميد منير عقيقي

كي لا يلتهم الجميع

الخميس ١٥ أيار ٢٠١٦ - 06:54

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تخطى عدد القتلى في الولايات المتحدة الاميركية واوروبا منذ اعتداءات 11 ايلول 2001 حتى الاشهر القريبة الماضية الالاف. ما بين التاريخين اريقت شلالات دم، وتناثرت اشلاء بريئة من كهول ونساء واطفال في المناطق العربية والاسلامية والافريقية. قبل هذا وذاك، تولى الارهاب الاسرائيلي ابادة الفلسطينيين والاعتداء على سائر الدول العربية وعلى مرآى من المجتمع الدولي.
 هل ثمة دولة في العالم بعد لم يسقط فيها قتلى وجرحى؟ هل ثمة دولة آمنة من العنف المتوحش الذي يضرب في كل الاتجاهات وضد البشرية جمعاء؟ هل ثمة احد بعد يصدق ان العالم جاد او قادر على محاربة الارهاب في ظل عدم تبني استراتيجيا عالمية تنهض على ثلاثية التعاون السياسي والامني والاقتصادي بالتوازي؟
العالم كله دخل في آتون نار الارهاب. جل ما تقوم به الحكومات اعتماد الحلول الامنية من دون مقاربات سياسية واقتصادية ترسي التعاون الدولي. جُل ما تبقّى لنا، في ظل الاستعراض الدولي اللفظي من دون فاعلية حقيقية في مكافحة هذه النيران، انتظار الانباء العاجلة الآتية من هذه الدولة او تلك، لتنقل الينا معدلات ارتفاع عدد القتلى والجرحى.
هكذا سقط العالم ضحية الارهاب الذي سكت عنه ولا يزال، لا بل تربى في ثناياه، لان ما من عاقل الا يسأل من اين اتى هؤلاء القتلة؟ من درّبهم؟ من موّلهم؟ كيف لهذا الوحش ان يُسقط دولا ويغيّر خرائط؟ اي هذيان سياسي جعل بعض قادة العالم يعتقدون ان سكوتهم، او ازدواجية المعايير في التعامل مع الارهاب، سيبقيهم في منأى عن هذا الوحش.
لقد وقع العالم ضحية الوحش الذي رعى تربيته بتواطؤ حينا والتحفيز احيانا. بل وقع في بئر لا قاع مرئيا لها، ووقع ضحية "القرية الكونية". لا يمكن تبني نظرية تنقُّل الرساميل من دون تنقُّل الارهابيين. لا يمكن ايضا الاقرار بالتجارة الحرة من دون القبول ـ وان قسرا ـ بـ"العنف المتحرر من اي ضوابط"، طالما ان المجتمع الدولي، منذ انشاء الامم المتحدة بمسوغ مكافحة الافكار العنفية، وقف عاجزا عن حل القضية الفلسطينية وما حلّ بشعبها، وما تلاها من دورات عنف تخبو في مكان لتلتهب في آخر.
حتما، العالم لا يستطيع ان يستمر في نهجه الحالي، او استعراضاته اللفظية، على ما اوحى الرئيس الاميركي باراك اوباما في مخاطبته الاوروبيين، وتحديدا فرنسا وبريطانيا، في معرض حديثه عن الارهاب في ليبيا. علما ان ذلك لا يعفي هذه الدول من مسؤولياتها الاخلاقية والمعنوية والمادية عن انفلات هذا الوحش من عقاله في افغانستان، وقبله في فلسطين المحتلة. وان حصل، وبقي السياق على ما هو عليه، لا بد من ان يجعل من هذا الوحش سيدا على العالم يدمّر كل انجازات البشرية في التحضر والتطور.
قد يُعلّل البعض سبب هذا الارهاب بالفقر او العوز، وان كان يملك صوابية سياسية من نوع ما. لكن هذا رأي لا قيمة معرفية له، ذلك ان الوحش يسرح ويمرح بمقدرات مالية وعسكرية ضخمة، يجتاح العالم المتلهي بالتحليلات والكيديات السياسية، ولا يريد ان يقتنع بان مَن يدفع الثمن هم الابرياء والحضارات والدول.
اذا كان الارهابيون على هذا القدر من القوة والامكانات المالية واللوجيستية والبشرية، فيجدر بساسة العالم وقادته ان يقتنعوا بان الانتصار عليهم امر صعب، لا بل مستحيل، ما لم يتم الكشف عن بيئتهم ومحركيهم.
نحن في لبنان معنيون بالالتفاف اكثر فاكثر حول مؤسساتنا العسكرية والامنية، لان الاستنكاف والتلهي بسجالات سياسية لا يعني غير ان ننتظر نارا في هشيم لبنان.

مجلة الامن العام عدد 32 شهر ايار 2016
 

  • شارك الخبر