hit counter script

ليبانون فايلز - فن وإعلام فن وإعلام

الإعلام في لبنان... أي مصير مأساوي ستفرضه الأزمة المالية؟

الإثنين ١٠ شباط ٢٠٢٠ - 06:01

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا
لم تكن «انتفاضة» الشعب اللبناني التي انطلقت في شوارع بيروت 17 أكتوبر (تشرين الأول)، سبباً رئيسياً لتدهور الوضع المادي في البلد، لكنّها ضاعفت عجلة الانهيار الاقتصادي الذي طال جميع المؤسسات والشركات الخاصة والعامة كما وسائل الإعلام اللبنانية برمّتها، المسموعة والمكتوبة والمرئية، التي بدأت ترزح تحت وطأة هذه الضائقة بعد تحوّلها إلى أزمة نقدية ومالية. فكانت الصحف والمجلات أول من خارت قواها أمام موجة الإفلاس، ما دفع بها إلى اتخاذ إجراءات داخلية قاسية في محاولة منها لتجاوز هذه المرحلة الصعبة.

ليست الأزمة لبنانية وحسب، فقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة الماضية، كيف انهارت دور صحف عالمية وتوقفت عن الصدّور. إنّه عصر التكنولوجيا، وسرعة وصول الخبر بهاتف جوال.وبيروت اليوم، التي طالما كانت مركز الثقل في الصحافة اللبنانية والعربية، وعاصمة الإعلام العربي، تواجه مؤسساتها الإعلامية أسوأ فترة في تاريخ إعلامها. ومع تدنّي نسبة الإعلانات التجارية على شاشاتها التي لامست الصفر في أولى فترات الانتفاضة راحت بعض المحطات التلفزيونية تركن إلى عصر نفقاتها.

وكان العنوان العريض لهذه المرحلة التقنين في المصاريف إلى حدّ جعل بعضها يتأخر عن تسديد أجر موظفيه، فيما قرّرت غالبيتها دفع نصف الأجر الشهري لهم، ولا يُخفى ما لتراجع الدّعم السياسي المادي الخارجي والدّاخلي من تأثير مادي سلبي عليها.

يذكر الشارع اللبناني خبر انهيار «دار الصياد» هذا الصّرح الإعلامي التاريخي في عام 2018، لتكر المسبحة بعده وتتهاوى الجرائد مودّعة قراءها الواحدة تلو الأخرى كـ«السفير» و«الحياة» و«المستقبل».

أمّا تلفزيون «المستقبل» فكان أوّل المهزومين بين نظرائه، بعد إعلانه العام الماضي عن واقعه المالي المتأزم، وتعليق أعماله بعد مرور 26 سنة على تأسيسه.

بدأت محطات التلفزة الأخرى، لا سيما بعيد انطلاق ثورة «لبنان ينتفض»، وقبلها بسنوات البحث عن سبل إنقاذ تنتشلها من محنتها، إمّا عبر مساعدات مالية داخلية وخارجية، وإما من خلال اتفاقيات ثنائية مع قنوات فضائية عربية.

- التشفير

وكان آخر ما لجأت إليه قنوات التلفزة، هو إعلان كل من محطتي «إل بي سي آي» و«الجديد» انتقال بثّهما من المفتوح المجاني إلى المشفّر المدفوع.

صحيح أنّ تاريخ بدء العمل بهذا القرار لم يحدد بعد إلّا أنّ التدابير والإجراءات اللازمة أصبحت جاهزة، ولا ينقصها سوى اتفاق الشركة المولجة من قبل المحطات بتنفيذ الفكرة «هولكوم» مع موزعي الكابلات، لتكتمل الصورة ويُنفّذ القرار.

بيار الضاهر، رئيس مجلس إدارة محطة «إل بي سي آي» يعلّق على القرار بقوله إنّ «الفكرة ليست وسيلة إنقاذ بقدر ما هي وسيلة تطوير. فالبثّ المشفّر أصبح منتشراً في العالم أجمع، وقد بدأنا بتناول هذه الخطة منذ عام 2018. واليوم أصبحنا جاهزين لها بعدما اكتملت جميع عناصرها. وقريباً نعلن عن تاريخ تطبيقها». وعمّا إذا الضائقة المالية التي تعاني منها محطات التلفزة قد تودي ببعضها إلى الإقفال، يجيب: «لدينا اليوم حكومة جديدة نتأمل بها خيراً، ونتمنّى أن تحدث إصلاحات تنعش البلاد. كما أنّنا نعيش في وضع استثنائي لا يسعنا أن نتوقّع أو نؤكد خلاله أي شيء. وإذا بقي الوضع المتدهور على حاله فالأمل ضئيل، ولكن الأمور يمكن أن تصلح وتذهب نحو الأفضل».

من جانبه، يقول إبراهيم الحلبي مدير العلاقات العامة بقناة «الجديد» في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «في اعتقادي لن تخسر (الجديد) مشاهديها. أولاً القناة مطلوبة في لبنان تحديداً، وفي محيطه طبعاً، ويستطيع أي مشاهد أن يأخذها من أي مزوّد للقنوات يقدم الخدمة. وهنا لا بدّ من لفت النظر إلى أن هذه الخدمة التي تتقسّم عبر المحطات التي توزّع الأقنية، ليست باهظة الثّمن في لبنان، فالمشاهد يستطيع أن يشارك ويشاهد قنوات كثيرة بمبلغ لا يتعدى 10 دولارات. وهذه الخدمة موجودة أصلاً، ومشاهدة القنوات اللبنانية لا تنحصر على المواطنين اللبنانيين في لبنان فقط، بل هي مطلوبة تحديداً من أجل الاستماع إلى الأخبار وبعض البرامج التي تقدّمها القناة. ولا بدّ من ذكر أنّ الاشتراك في البث المشفر المدفوع يؤمن بالإضافة إلى القنوات المحلّية مئات المحطات الأخرى، لذا لا أعتقد أنّ (الجديد) ستخسر من مشاهديها».

هل تستطيع «الجديد» دفع رواتب موظفيها أم بدأت بدفع النصف؟ يقول الحلبي: «حتى الآن تدفع القناة كامل الرّواتب لجميع الموظفين. رغم هذه الضائقة المالية». ويتابع: «لن أناور في الموضوع وأقول إنه ليس من ضائقة مالية، بل هي موجودة، وليست (الجديد) وحدها التي تتعرض لها إنّما كل القطاع الإعلامي. والمسألة ليست فقط بسبب ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، فمسألة الإعلام في العالم كله الآن بوجود هذا التحدي الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت خسرت قليلاً من المداخيل التي تعود بها الإعلانات عليها، ومن الطبيعي أن تؤثر الحالة الاقتصادية إلى حد ما في موضوع المداخيل، ولكن الآن يعني حتى يناير (كانون الثاني) 2020، لا تزال (الجديد) تدفع كامل الرواتب لجميع الموظفين».

- تراجع تغطية الانتفاضة

«إنّ تغطية المحطة للانتفاضة الشّعبية لم تتراجع يوماً، ومراسلو القناة موجودون دوماً لنقل لأي تحرك شعبي»، تقول مريم البسام مديرة الأخبار والبرامج السياسية بقناة «الجديد» في اتصال مع «الشرق الأوسط». وتوضح أنّه «خيار بعض الناشطين والثوّار الذين قرّروا التخفيف من الوجود الكثيف في الشارع لصالح مبادرات. وأصبحنا اليوم نشهد كم كان عمل الفريق الذي قرّر التوجه إلى قطاع الاتصالات مهماً مع (مبادرة وعي)، وكيف استطاع توقيف قطاع خدمات الخليوي لشركتي touch وalfa. وفرق أخرى توجّهت إلى القضاء والمصارف. فبعد 100 يوم، بات المنتفضون المتخصصون بقضايا، يركزون على الأهداف».

وتتابع: «نحن الصحافيين لم نتراجع ولا المؤسسات تراجعت، بل كنّا نبحث عن المنتفضين في الشوارع والطرقات. وبعد تشكيل الحكومة خفّ هذا الدّفق والتوافد الكثيف على ساحات الثورة، تحديداً في رياض الصلح وساحة الشّهداء».

وتستطرد البسام: «واكبنا أيضاً المفكرة القانونية التي أنجزت عملاً مهنياً يكاد يوازي مظاهرة بكامل حشودها، عندما استعانت هذه المفكرة بنخبة من المحامين وحماية المستهلك ورفعت دعاوى على جمعية المصارف. ومحامو الثورة المتطوعون عقدوا مؤتمراً في نقابة المحامين وسجلوا الاعتداءات التي مارستها الأجهزة والعناصر الأمنية على المتظاهرين من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى اليوم، وتحدّثوا عمّا قامت به هذه القوى وكيف اعتقل عناصرها الناس واعتدوا عليهم. فالتغطية إذن لم تتراجع، بل تموضع المنتفضون لصالح التركيز على بنك أهداف وقضايا محدّدة نحن نواكبها يومياً، ونكون في الشارع متى وجدوا هم أو حتى قبل ذلك».

- إلى متى الصّمود؟

وماذا عن مستقبل القناة وإلى متى ستظل تقاوم وتصمد؟ يقول الحلبي: «عملياً مجلس الإدارة وتحديداً رئيس مجلس الإدارة، أخذ قراراً بالاستمرار في هذا الخط الإعلامي رغم جميع الضّغوط التي تُمارس، وهي ليست مالية فقط، فنحن نتعرض لضغوط لها علاقة بإيذائنا، كمحطة وكمبنى وكمراسلين ومصوّرين، وهناك مسألة مهمة جداً، هي أن كابلات (الجديد) كانت تُقطع من بعض أتباع الأحزاب في كل المناطق لمنعنا من البث. والتشفير في مثل هذه الحال يحمي القناة. وعن استمرار المحطّة، طبعاً نحن سنواكب المسألة، وهي ليست إعلامية بقدر ما هي مواكبة التقنية الجديدة ليبقى لقناة (الجديد) حيّز عند المشاهد اللبناني والعربي بشكل عام».

وأحدث من انضم إلى لائحة المتعثرين في مجال الإعلام هي الإذاعات اللبنانية، فقد أعلن مؤخراً الإعلامي جو معلوف صاحب ومدير إذاعة «جرس سكوب» إغلاقها. واتخذت إذاعات أخرى كـ«صوت الغد» و«أغاني أغاني» إجراءات مغايرة، ولكنّها تصبّ في خانة عصر النفقات، فأوقفت برامجها الصباحية التي تعد الفترة التي تحقق أكبر نسبة استماع لديها.

ويقول عماد خازن مدير إذاعة «صوت لبنان - ضبية»، إنّ «ما يجري تناوله عن ضائقة مالية حادة تمر بها المحطات الإذاعية هو حقيقي وصحيح».

يضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن إيراداتنا الإعلانية بدأت تتدنى منذ فترة لتصل إلى نسبة 70 في المائة.

ومع انطلاق الثورة اختفت الإعلانات كلياً وبنسبة 90 في المائة». ويتابع في سياق حديثه: «يعود السبب الأساسي في تدني هذه النسبة إلى وسائل التواصل الاجتماعي وكل ما يعرف بـ(أون لاين) التي سرقت من الإذاعات نسبة كبيرة من الإعلانات التجارية. كما أنّ عدم الالتزام بقانون المرئي والمسموع أسهم في تفشي هذه الحالة.

فالمعروف أنّ هناك 12 إذاعة مرخصة رسمياً من الدّولة اللبنانية. ولكنّنا اليوم في ظل الفوضى التي نعيشها يصل عدد الإذاعات العاملة في لبنان إلى نحو 49 إذاعة. وفي غالبيتها تبث مناطقياً، وباتت تستقطب معظم المعلنين في مناطقها والمستفيدين المباشرين من أهاليها».

ويرى عماد الخازن أنّ تسلم حكومة جديدة قد ينعكس إيجاباً على هذا القطاع في حال جرت العودة إلى تطبيق قانون المرئي والمسموع من ناحية، وتوحيد مواقع الإرسال من ناحية ثانية. وكذلك دعم الإذاعات بمادة المازوت وأمور أخرى كان وزير الإعلام السابق ملحم رياشي قد أثارها في موضوع إيجاد حلول لمشاكل وسائل الإعلام المتعثّرة.

وعما إذا اضطر إلى عصر نفقات الإذاعة وصرف موظفين وتخفيف أجر العاملين فيها، يرد الخازن: «لقد اضطررنا أن نوقف برامج نتعامل مع أصحابها بالقطعة، وكذلك مع المقدمين المتعاقدين معنا وغير المسجلين في الإذاعة كموظفين أساسيين. ولكنّي في الوقت نفسه، ما زلت أدفع أجر جميع العاملين عندي كاملاً».

- سلطة المال تنتصر على السلطة الرابعة

> منذ أسبوع، توقفت صحيفة «ديلي ستار» اللبنانية الصادرة باللغة الإنجليزية، التي أسسها الصحافي كامل مروة عام 1952، عن طباعة نسختها الورقية لأسباب مالية. وقالت في بيان نشرته على موقعها الرّسمي إنها علّقت النسخة المطبوعة مؤقتاً بسبب التحديات المالية التي تواجه الصحافة اللبنانية، والتي تفاقمت مع تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، موضحة أنّ موقعها الإلكتروني ومنصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي مستمرة في أداء عملها. إبان الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، توقفت الصحيفة عن الصدور لتنطلق مجدداً عام 1996. بيد أن السؤال يفرض نفسه اليوم: هل تستطيع أي مؤسسة إعلامية في ظل هذه الأزمة التي تنهش بها أن تعلّق أعمالها اليوم لتنطلق غداً؟ أم أنّها ستموت وتدفن في ذاكرة الزّمن الجميل للإعلام اللبناني؟

فيفيان حداد - الشرق الاوسط
  • شارك الخبر