hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - الأب جورج مسّوح

دعوا المسيح يدافع عن نفسه

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٥ - 06:48

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

المسيح على الصليب. العسكر ضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه. جثوا قدّامه وهزئوا به. بصقوا عليه. جلدوه. سمّروه على الصليب. المجتازون جدّفوا عليه. رؤساء الكهنة والشيوخ استهزأوا به. اللصان عيّراه. أمّا هو فيغفر لصالبيه قائلاً: "يا أبتاه، اغفر لهم، لأنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون".
 لو شاء المسيح الدفاع عن نفسه لما احتاج إلى أجواق الملائكة، ولا إلى سيف بطرس الرسول، ولا إلى عسكر من هذه الدنيا، ولا إلى رؤساء الكهنة أو الكهنة. هو القادر على كلّ شيء، لو شاء الدفاع عن نفسه لأزال عن وجه الأرض كلّ مَن يسيء إليه.
 لكنّه كان وفيًّا لتعاليمه، ولأقواله وبشارته. لم يتراجع عن مبادئه من أجل مصالح دنيويّة. ألم يقل لتلاميذه: "أحبّوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم"...
 بيد أنّ المسيحيّين، أو معظمهم، يريدون دائمًا أن يثبتوا أنّهم في تعارض تامّ مع سيّدهم وربّهم. يحيون في ازدواجيّة قاتلة تجمع ما بين نقيضين لا يمكن أن يلتقيا. هذه الازدواجيّة التي تأخذ شرعيّتها من طغيان الفكر الطائفيّ على الفكر الكنسيّ، لا بل على غياب كامل للفكر الكنسيّ في سبيل الدفاع عن مصالح الطائفة وماسكي أمورها من الزعماء وذوي الأموال.
 تقوم ثائرة المسيحيّين، أو معظمهم، على مَن يشتم المسيح أو يسخر منه، لكنّهم يصمتون أمام سلطان جائر يقتل الأطفال ويستبيح البشر والحجر. ولا يكتفون بهذا القدر، بل يعتبرون هذا السلطان الجائر حاميهم وضامن ديمومتهم في هذا الشرق البائس.
 يثور المسيحيّون، أو معظمهم، على مَن يسيء إلى القدّيسين، لكنّهم يبايعون، بانتخابات وبدون انتخابات، مجرمي الحرب ومرتكبي المجازر زعماء ورؤساء ووزراء ونوابًا، بل يرفعونهم إلى مصافّ القدّيسين. يثورون على مَن يسيء إلى القدّيسين، لكنّهم ينتخبون الفاسدين من سارقي المال العامّ وناهبي خزينة الدولة. تثور ثائرتهم على مَن يسيء بالكلام إلى المسيح، لكن لا مشكلة لديهم إنْ انتخبوا قادةً لهم مَن لوّثوا أيديهم بالدم أو مَن لوثوا أيديهم بالمال.
 يثور المسيحيّون، أو معظمهم، على مَن يسيء إلى رمز من رموز المسيحيّة، لكنّهم يصمتون أمام الاضطهادات التي يتعرّض لها إخوتهم من الفقراء والأرامل واليتامى والنازحين والمهجّرين...
 لا ريب في أنّ المشكلة تكمن في استغلال العامل الطائفيّ لإثارة الناس وشحنها بعضها ضدّ بعض. لذلك يتمّ التغاضي عن المسيئين الحقيقيّين إلى المسيح، أي المسيئين إلى الإنسان وكرامته، وتحويل الأنظار عنهم إلى أفراد لا حول لهم ولا قوّة ولا تأثير.
 لن يتأثّر المسيح بإنسان يسخر منه، بل سيصلّي من أجله. لكنّ المسيح سيأسف حتمًا لمشهد طفل جائع، وامرأة ثكلى، ورجل بلا مأوى... المسيح يهان في هؤلاء. ومَن شاء الدفاع عن المسيح فليحبّ هؤلاء السائحين في ديار الله ممّن يلتحفون السماء ويتوسّدون الحجارة ببطون فارغة... المسيح ليس في حاجة إلى أهل السياسة كي يردّوا له كرامته. هم في حاجة إلى المسيح الموجود في الفقراء كي يستعيدوا كرامتهم الإنسانيّة.
 

  • شارك الخبر