hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - الاب جورج مسوح

الحياة أفضل من الشهادة

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 07:36

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

النهار

الحياة مقدّسة أكثر من الموت، وإن استشهاداً. فالله خلق الإنسان ليحيا، لا ليموت. الحياة مقدّسة أكثر من الموت، حتى لو كان الموت هو الباب المؤدّي إلى الحياة الأبدية. الحياة أفضل من الشهادة. لذلك دانت المسيحية استجداء الشهادة بأي ثمن، واعتبرته قتلاً للنفس.
حين تأتي الشهادة لا بدّ من قبولها. فأن يستشهد الإنسان في سبيل الإيمان، فلا ينكره وإن تعرّض لأشنع أنواع التعذيبات، لهو أفضل بما لا يقاس. وهذا ما تؤكده سير القديسين الشهداء عبر تاريخ الكنيسة كله.
الشهادة واجبة إذا حضرت. لكن، إن كان في المستطاع تفاديها، فيجب تفاديها. فالمسيح بعد أن يحذر تلاميذه من الاضطهاد الآتي، وبعد أن يدعوهم إلى الثبات حتى النهاية، يوصيهم قائلاً: "وإذا اضطهدوكم في مدينة، فاهربوا إلى غيرها" (متّى 10، 23). في هذه الآية لا يعلّم المسيح تلاميذه، وفق القديس كيرلّس الإسكندري، "أن يكونوا جبناء، بل ألا يلقوا بأنفسهم في المخاطر ويهلكوا، فتحلّ الخسارة بالمزمعين أن يفيدوا من تعليمهم".
وفي السياق ذاته، يعتبر القدّيس جيروم أن الرب حين قال لتلاميذه: "لا تسلكوا طريقاً إلى الوثنيين، ولا تدخلوا مدينة للسامريين" (متّى 10، 5)، إنما قاله "لا لأنهم يخافون من الاضطهاد، بل ليتجنّبوه".
لكن إذا وقعت الواقعة، فالشهادة تصبح واجبة. والمسيح نفسه يشجّع تلاميذه على الاستشهاد بقوله: "لا تخافوا ممن يقتلون الجسد ولا يستطيعون قتل النفس، بل خافوا ممّن يقدر أن يهلك الجسد والنفس معاً في جهنّم" (متّى 10، 28). فجوهر الإنسان ليس الجسد، لأن الجسد فانٍ وفاسد. ومَن يقتل الجسد إنما يقتل ما هو فانٍ أصلاً، لكنه لن يستطيع أن يمسّ جوهر الإنسان وما يؤمن به من قيم وفضائل. يستطيع أن يشقّق اللحم ويسفك الدم، لكنه لن يستطيع أن يقتل القلب، مسكن الله فيه. يستطيع أن يقتل الظاهر من الإنسان، لكنه لن يستطيع أن يقتل الله الساكن فيه.
لن تستطيع أي قوّة في الدنيا أن تقتل "نفس" امرئ واحد، إلا إذا قتل المرء "نفسه" وبقي حياً بجسده. أما الطريق إلى قتل النفس فله سبيل واحد وهو الخطيئة على أنواعها. وفي أوقات الشدّة تأخذ هذه الخطيئة صورة الكفر والمساومة على الإيمان والتخلّي عن مقتضيات الإيمان في سبيل البقاء.
تؤمن المسيحية بأن الجسد مقدّس. فابن الله قد اتّخذ جسداً وصار إنساناً. والجسد يسهم في قداسة الإنسان، فبالجسد يُعمّد المرء، ويتناول القدسات، ويُختم بالميرون، ويُدهن بالزيت، ويسجد لله، ويرسم إشارة الصليب... لذلك، يجب الحفاظ على الجسد إلى حين رجوعه طبيعياً إلى التراب. لكن إذا خُيّر الإنسان ما بين جسده وإيمانه، فالخيار المسيحيّ واضح.
المسيحية، بكلمة، هي دعوة دائمة إلى حمل الصليب. والصليب هو أداة للحياة، لا للموت. فمن الأفضل للمرء أن يموت في سبيل ما يؤمن به ويعيش إلى الأبد، من أن يعيش لأجل مصالح دنيويّة ويموت إلى الأبد. لقد مات المسيح لأجل البشر بمشيئته، على رغم أنّه كان، وفق الإيمان المسيحيّ، غير قابل للموت. فكم بالأحرى، نحن خلاّنه، لا نموت في سبيل الحفاظ على الإرث الذي وصلنا من القدّيسين؟
 

  • شارك الخبر