hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - الأب جورج مسّوح

إلى نضال وخلود وغدي

الأربعاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٣ - 06:43

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

النهار

عندما تسلمتُ أوّل إخراج قيد لابنتي البكر، ابتسمتُ متسائلاً لماذا دوّن في خانة المذهب: "روم أرثوذكس"، وهي لم تكن بعد قد نالت سرّ المعموديّة الذي وحده يجعلها تنتمي رسماً إلى كنيسة الروم الأرثوذكس؟ أنا، الملتزم بكنيسته، والمقبل إلى الكهنوت آنذاك، استهجنتُ هذا الأمر معتبراً أنّ الدولة، بقوانينها، وبتواطؤ من القادة الدينيين، تنتهك خصوصية الإيمان، وتجعله مجرّد انتماء إلى قبيلة من القبائل اللبنانية المسمّاة طوائف.

ليس من شأن الدولة أن تشير في وثائقها الرسمية إلى انتماء مواطنيها، الطائفي أو المذهبي، لأنها بذا تفرّق بينهم ضاربة بعرض الحائط أهم حق من الحقوق التي توجبها المواطنة وهو المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كافة. والدولة حين تذكر الانتماء الطائفي في وثائقها الرسمية فذلك كي تكرّس طائفيتها، وكي تمعن في ممارسة التمييز الطائفي الذي يؤدي إلى التفاوت بين المواطنين وفق انتماءاتهم الطائفية.
في ختام شهر أيلول، وُلد غدي درويش، أول مواطن لبناني لم يتمّ تنسيبه في إخراج قيده الأول، إلى إحدى الطوائف. هو أول لبناني يستحق وصفه بالمواطن بكل ما للكلمة من معنى.
هو مواطن لبناني محض تمّ الفصل ما بين انتمائه الوطني وانتماء أبويه المذهبي. هو أوّل لبناني تحترم الدولة خصوصيته الدينية وحريته.
عدم ذكر المذهب على إخراج القيد لا يفيد البتة أن حامله بات بلا انتماء ديني أو طائفي، ولا يعني حكماً أنّ حامله ملحد أو كافر أو لا أدري أو لامبالٍ. كما أن ذكر المذهب لا يفيد قطعاً أنّ حامل إخراج القيد هو مؤمن بالضرورة... مهمّة إخراج القيد هي إبراز مواطنته والمعلومات المتعلقة بهذه المواطنة فحسب، وليست مهمّته إظهار انتمائه الديني وبمَن يؤمن أو بماذا يعتقد.
الانتماء الديني هو شأن شخصي بين الإنسان وربّه، أو بين الإنسان ونفسه إذا لم يكن مؤمناً. طبعاً يحقّ للأهل أن ينشّئوا أولادهم على ما هم يؤمنون به ويعتقدون، غير أنّ الإيمان لا يُتوارث كما تُتوارث الجنسية أو اسم العائلة. لذلك، ثمة انتهاك لأحد حقوق الإنسان الأساسية وهو حقه في حرية الاعتقاد. فعديدون هم الذين يسخرون من الطوائف التي تنسّبهم إليها الوثائق الرسمية. وهم يعتبرون أنفسهم، عن حق، مرغمين على قبول ذلك الانتساب لأسباب شتّى.
ثم إن الله ليس في حاجة إلى شهادة من الدولة كي يتعرّف بالمؤمنين به. هو لن يطلب من أحد أوراقه الثبوتية كي يعرف إلى أي دين ينتمي. كما أنه ليس في حاجة إلى شهادة الغيارى على الإيمان أو إلى أحقاد التكفيريين ليبني حكمه على الناس في اليوم الأخير. هو لن يسأل عن سوى قلب الإنسان والمحبة الكامنة فيه والرحمة التي صنعها تجاه إخوته من بني البشر.
مباركة ولادة غدي. وعسى أن يكون برعماً يبشّر بولادة دولة مدنية ترعاها شرائع مدنية، قولاً وفعلاً، دولة تحترم حقوق الإنسان وحقوق المواطنة. صنع الغد الأفضل يحتاج إلى نضال دائم، نضال يتوق إلى الخلود.

  • شارك الخبر