hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - هيام القصيفي

بين الكيميائي والضربة نحو ترسيم لخطوط التماس في سوريا

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٣ - 08:21

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

الملف الكيميائي واحد من حلقات الحرب في سوريا، لكن معالجته لا تصب في خانة انهائها. وما حصل اخيراً يفتح باباً واسعاً أمام احتمالات ترسيم خطوط التماس بين المناطق السورية الى اجل غير محدود


ترسيم مناطق القتال داخل سوريا يكاد يكون اليوم العنوان الوحيد الذي تخلص اليه قراءة أوساط سياسية مطلعة في لبنان، بعد تطورات الايام الاخيرة، والكشف عن مفاوضات أميركية ـــ روسية ـــ ايرانية حول الملف الكيميائي في سوريا، والمشاورات الاميركية الداخلية والدولية حول الضربة العسكرية على سوريا. فالوضع السوري يذهب، شهراً بعد آخر، الى مزيد من الفرز الداخلي والى مزيد من ترسيم الحدود الداخلية بين مناطق القتال، في مشهد سبق للبنان ان خبره ايام حربه الطويلة. اليوم، ومع انتقال حرب سوريا الى فصل جديد يتعلق بالملف الكيميائي، يصبح الكلام عن حرب طويلة وعن مناطق نفوذ بين المجموعات الطائفية والعسكرية امراً واقعاً.
وبحسب هذه القراءة، فان ما حصل من تطور يتعلق بالسلاح الكيميائي لا يدخل مباشرة في الازمة السورية بمعنى اجتراح حل نهائي لها، بل يعني انهاء فصل من فصول الحرب، بعدما حصلت واشنطن على ما تريده منذ ان لوّحت بالخيار العسكري كضربة تأديبية تتعلق بالسلاح الكيميائي، ليس اكثر. فالتهويل بالضربة اعطى المفعول الذي تريده واشنطن، وهذا كلام قيل في الدوائر المعنية والاكثر جدية، من دون ان تحصل الضربة، بغض النظر عن كل التأويلات بانتصار فريق النظام او المعارضة وخسارة الرئيس الاميركي باراك اوباما. ولا سيما اذا وضع هدف الضربة في منحاه الاصلي وليس في الترجمات التي اعطيت له محليا بين قوى 8 و14 آذار، او في صفوف المعارضة السورية او النظام نفسه.
وتعيد هذه القراءة التذكير بمسلمة ترتكز عليها هذه الاوساط في اعادة رسم المشهد السوري، وتتعلق بالدور الاميركي الذي قوبل في الايام الاخيرة بحملة مناهضة. مع التذكير ان واشنطن لم تتدخل في الازمة السورية منذ اندلاعها قبل اكثر من عامين، رغم المطالبات المتكررة من دول فاعلة في المنطقة. لا بل ان الانكفاء الاميركي عن التدخل ساهم الى حد كبير في احداث خلافات بين واشنطن وعواصم عربية ومنها الرياض. كان الاميركيون ولا يزالون يعتقدون ان كلفة عدم التورط في سوريا اقل من كلفة التورط. ولعل التدخل البارز الوحيد كان ادراج «جبهة النصرة» على لائحة المنظمات الارهابية، ما اعتبره خصوم النظام السوري حينها انه يصب في مصلحته.
وما عدا مطالبات واشنطن المتكررة للرئيس بشار الاسد بالانصياع لرغبة شعبه والتنحي، من دون ان يترافق ذلك مع دعم المعارضة السورية بالسلاح، خلافا لدول اخرى، دخلت واشنطن على خط الازمة منذ اشهر في ملف الاسلحة الكيمائية، عبر التحذير الذي اطلقته المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند في كانون الثاني الماضي، للرئيس السوري من ان استخدام هذه الاسلحة خط أحمر. وجاء هذا التحذير ليقابل بردّ روسي عبّر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نفسه الذي يخوض اليوم معركة وضع هذا السلاح في يد المجتمع الدولي حين قال: «حتى الساعة تشير معلوماتنا المتطابقة مع معلومات الغربيين الى ان الاسلحة الكيميائية تحت السيطرة. جمعتها السلطات السورية في مركز او اثنين، فيما كانت موزعة في مختلف انحاء البلاد». مع العلم ان النظام السوري كان يحاذر، حتى اليوم، الحديث العلني عن السلاح الكيميائي (وقد دفع المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي، آنذاك، ثمن تصريحه في صيف عام 2012، بأن هذه الاسلحة مخزنة لدى القوات المسلحة السورية ولن تستخدم في الاحداث السورية).
من هنا تصبح الضربة الاميركية فصلا من فصول الحرب السورية لا خاتمة لها. فالمناقشات الاميركية التي تسربت في تقارير غربية، ركزت في شكل منهجي على سلسلة من الاحتمالات التي تناولت قبل الهجوم الكيميائي في الغوطة الشرقية، امكان تنفيذ عمل عسكري بعيد عن التدخل المباشر في الحرب، سواء عبر اقامة منطقة حظر جوي او منطقة عازلة تتمكن فيها قوات المعارضة المدربة في دول حليفة، من العمل النوعي.
وتدرجت المناقشات بعد الهجوم الكيميائي لتتناول تفصيلا نوعية الضربة، وهل هي ضربة «عقابية ــــ تأديبية» او ضربة نوعية لاستهداف مراكز رمزية مع مناقشة شاملة لمغزى استهدافها، او ضربة محدودة، وصولا الى درس ضربة موسعة من دون ان تهدف الى كسر النظام السوري.
شددت هذه التقارير على اهمية القيام بضربة عسكرية لاجبار النظام السوري على تسليم سلاحه الكيميائي. ولكن هذا الخيار يفترض حكما بحسب المناقشات الاخذ في الاعتبار «المفهوم الواسع» للسلاح الكيميائي والاسلحة المختلفة التي تستخدم في هذا الاطار.
تزامنت هذه المناقشات الاميركية مع اجتماعات عسكرية رفيعة جرت أخيراً في منطقة الشرق الاوسط، وتناولت تقويم مخاطر الضربة العسكرية على سوريا ومخاطر عدم القيام بها، جرت خلالها احاديث مفصلة حول ارتدادات الضربة. وتمحورت الاجتماعات حول اسئلة محددة من نوع «ما اذا كانت الضربة التأديبية المحدودة يمكن ان تقوي موقف النظام السوري، وعما اذا كانت الضربة الفاعلة تعزز وضع الجبهات الاصولية، اضافة الى درس احتمالات حدوث ردود فعل على الدول المشاركة والمساندة للضربة». مع العلم ان واشنطن لم تنظر بارتياح الى عدم جدية الدول العربية والاوروبية الرافضة للنظام السوري، في دعم مسار الضربة ولو بحدها التأديبي، فالدول العربية لم تكلف نفسها عناء الانعقاد على مستوى رفيع، على غرار الدول الاوروبية من اجل مناقشة ملف بهذه الخطورة.
خلاصة هذه النقاشات، افضت الى قرار بالضربة العسكرية، لكن مع وقف التنفيذ، بعدما لاحت بوادر تقدم المفاوضات الايرانية ــــ الروسية ــــ الاميركية قبل قمة مجموعة الدول العشرين التي عقدت في سان بطرسبورغ. وثمة اوساط لبنانية مطلعة تتحدث عن ان مصدر العرض الروسي بتسليم الاسلحة الكيمائية هو طهران التي طرحته على روسيا قبل قمة مجموعة الدول العشرين، وبعلم اميركي، وان روسيا وجدت فيه فرصة للتراجع عن دعم غير مشروط للنظام السوري، لذا كان استدعاء وزير الخارجية السوري وصياغة الاخراج على النحو الذي جرى فيه. مع الاخذ في الحسبان ان الملف السوري هو واحد من الملفات التي تتناولها المفاوضات الروسية ــــ الاميركية التي تتناول قضايا اوروبية ودولية متنوعة يحاول البلدان ايجاد تسويات حولها.
وفيما ينتظر ان تأخذ معالجة الملف الكيميائي وقتا طويلا بسبب صعوبة حصر هذه الاسلحة وتمددها وخوف الغرب من تسربها الى حلفاء النظام السوري والخشية من تعذر تنفيذه، يبقى ان ثمة قراراً بالضربة العسكرية لا يزال متخذا، ولم يلغ. وفي المقابل ثمة معارك تدور في اكثر من منطقة سورية، تراجع الحديث عنها في ظل الكلام عن الاسلحة الكيميائية. لكن اعادة تسليط الضوء على ما جرى في معلولا، وغيرها من المناطق، يفتح المجال مجددا امام كلام من نوع آخر، يتعلق بموازين القوى وامكان فتح مجال مد المعارضة بالسلاح النوعي، وبتحديد خطوط التماس بين المعارضة والنظام في حرب قد تكون طويلة الامد على غرار ما بدأ في لبنان عام 1975 ولم ينته بعد، وان اختلفت اوجه الصراع فيه.

  • شارك الخبر