hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - غسان سعود

7 آب 2013: «هرمنا»

الأربعاء ١٥ آب ٢٠١٣ - 08:49

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

لا يسأل عنهم أحد في لأيام العادية. ينشغل الزعيم عنهم بهموم الوطن، والوزير بمسؤولياته، والنواب بأولوية استقطاب الناخبين. لا يفكر أحد بكفاءتهم لشغل موقع حزبي أو إداري. باختصار، لا ينتبه أحد لوجودهم. لكن، فجأة، في السابع من آب من كل عام، منذ عام 2001، يتذكرونهم


القسم الأكبر ممن أوقفوا في 7 آب 2001 كانوا ناشطي الصفين الثاني والثالث في التيار الوطني الحر. توافد هؤلاء إلى العدلية للاحتجاج، بعد اعتقال الجيش بقيادة العماد ميشال سليمان معظم قياديي الصف الأول قبل ذلك بيومين، وتحديدا في 5 آب. لكن وحشية الاعتقال المصوّر في مطلع عهد الاعلام الالكتروني جعل من ذلك اليوم رمزاً لالاف الاعتقالات، ولنضالات شباب بعضهم ينتمي إلى التيار الوطني الحر وآخرون إلى القوات اللبنانية والكتائب والوطنيين الأحرار والكتلة الوطنية ومجموعات يسارية كانت تركز نشاطها في الجامعة الأميركية في بيروت وبعض الشبان التقدميين.
وبالتالي، ليس المعنيون بهذا اليوم من أوقفوا فيه فقط، أو الناشطين العشرة الذين يجري في كل سابع من آب التداول بأسمائهم، وإنما جيل جامعي كامل كان يفترض أن يحل بعد الانسحاب السوري من لبنان محل أبناء البيوتات في الحياة السياسية ومحل الموظفين الفاسدين في الادارات. لم يحصل ذلك. لا بل ساءت الأمور أكثر: أحيت أحزاب هذا الجيل عائلات إقطاعية بعدما كانت رميماً، وثبّتت رموز الفساد من صغيرها إلى كبيرها في الادارة الرسمية، في مقابل تهميش الأحزاب (جميعها من دون استثناء) هؤلاء، مفضلة إما تلامذة المدارس ــــ في حالة القوات ــــ الذين لا يصدعون رأس سمير جعجع بمطالبهم ولا يزايدون عليه بالأثمان التي دفعوها، أو المتقاعدين من الجيش ــــ في حالة التيار الوطني الحر ــــ الذين ينفّذون ثم ينسون أن يعترضوا.
في النتيجة، انكفأ جيل 7 آب: معدل أعمار المشاركين في اجتماعات التيار الوطني الحر في المتن الشمالي ستون عاماً، وفي الشوف سبعون، وفي جبيل يكاد أن يكون تسعين. أين الجيل العوني الذي خرّجته الجامعات؟ لماذا لا يشرع التيار مكتبه في جونية، مثلاً، للمهندسين والمحامين والفنانين والأساتذة والصحافيين والحرفيين ليتباحثوا ويتناقشوا ويتوصلوا إلى برنامج عمل يفعّل التيار الكسرواني النائم؟ لأن المنسق ــــ كل منسق ــــ يخشى من بروز ناشط «يغطي» عليه.
تجاوز عدد المنضوين في خلية القوات اللبنانية في كلية الحقوق، عام 2003 ــــ 2004، مئتين وخمسين عضواً. مئتان وخمسون في عام واحد! يمكن تخيّل مئتين وخمسين محامياً قواتياً «ينغلون» في مبنى قصر العدل. تخيلوا أن ينشط، في نقابة المهندسين، المهندسون الذين توالوا على النشاط ضمن خلايا القوات في كلية الهندسة. في بعض الأعوام الدراسية، كان عدد المجموعة العونية الناشطة في كلية الآداب يقارب الثلاثمئة ناشط؛ لا تسألوا عن عدد ورشات العمل التي نظمها الوزير العوني غابي ليون مع هؤلاء لبحث ما يمكنهم تقديمه ثقافياً. مرّ في التيار الوطني الحر نحو ألف أدونيس عكرا، لكن، حتى عكرا المعروف لم يأخذ حقه. يفضّل التيار أستاذاً جامعياً كتب ثلاث افتتاحيات صحافية تشتم العماد ميشال عون عام 2004 على نحو مئتي بسام الهاشم. لماذا؟ لا أحد فعليا يعرف.
«أيام السوريين» كان العونيون ينتخبون مسؤوليهم الطلابيين، وكانت الحماسة تدفعهم إلى تبديل المسؤول الطالبي مرتين في العام الدراسي الواحد. أمس، جدد العماد ميشال عون للمسؤول الطلابي نفسه للمرة الثالثة على التوالي. لا حاجة للسؤال عن السبب. ولا حاجة للسؤال عن آخر نشاط طالبي قواتي أو كتائبي أو لتجمع يساري. يمكن تفهم خواء بيوت الكتائب، فعظام المحازبين مكلّسة، لكن لماذا يظهر التيار الوطني الحر بمظهر الحزب الهرم؟ لماذا يفعل النائب دوري شمعون بحزب الوطنيين الأحرار ما لم تفعله القوات اللبنانية والاستخبارات السورية العاملة في لبنان به؟ فعلياً لا أحد يعلم.
يقول أحد العونيين المطلعين ان النائب آلان عون والوزير جبران باسيل وجدا أخيراً أمراً يتفقان عليه: «وضع التيار زفت، لا يمكن التفرج أكثر». لماذا؟ لأن التيار والقوات وكتائب سامي الجميل لم تبحث عن حزبيين، أشخاص متحمسين لتغيير مجتمعهم، وإنما عن مصفقين غير مبادرين. في كل المناسبات الحزبية، لا يوجد غير المصفقين. جيل 7 آب كان رافضياً تغييرياً، وجريئاً بغالبيته، ولا يشبه الموجود في هذه الأحزاب اليوم بشيء.
استصعب كثيرون السير على غرار النائب إيلي كيروز خلف «الست» لمجرد أنها زوجة القائد، أو ارتضاء لعب دور الحمّال لاحدى الشخصيات الفذة حتى يظهر أطول من حجمه الطبيعي، أو تنظيم الحفل التكريمي تلو الآخر لـ«الست». أما من اخترق منهم قرار الاستبعاد، سواء الحزبي أو التوظيفي أو الانتخابي، فعبر معمودية غيّر بموجبها أحلامه من التجديد إلى التقليد.
سامي الجميل النائب هو غير سامي الناشط الجامعي. هذا الجديد يطلب من القضاء إلزام إحدى صحافيات «الأخبار» عدم الكتابة عنه لأنها تتعرض لـ«حزب مسيحي عريق ورئيس جمهورية سابق هو الشيخ أمين الجميل ونائب (...) يرى فيه آلاف اللبنانيين صورة قائد وزعيم». وأبدى محامي الجميل، في دعوى أخرى، استغرابه التعرض صحافياً للنائب المتني الذي «يتحدر من أسرة سياسية عريقة غنية عن التعريف (...)». تخيلوا حجم اللوبي النقابي الذي كان سيمتّع النائب حكمت ديب تياره به، لو قال إن الاهتمام بمطالب ناخبيه يفوق طاقته (كما أثبتت تجربته). هو نقابي سابق قادر على جعل قضايا المهندسين في كل لبنان قضاياه لو أحاط نفسه بفريق عمل من المهندسين، بموازاة لوبي طبي يديره أحد زملائه، ولوبي جمعياتي يديره ثالث. ثمة نواب من جيل 7 آب (وأحد النواب السابقين) هم إهانة لهذا الجيل، سواء بتعاملهم الفوقي مع رفاقهم أو بتزلمهم لمافيات الفساد في أحزابهم وخارجها أو بطريقة عملهم. لعل النائب زياد أسود الذي «تدعوس» يومها يحاول الحفاظ على «شلوشه» في ذلك الجيل، والمرشح زياد أسود يحاول تقديم نموذج يوازن بين تطلعه للسلطة وحفاظه على مكتسبات الانتماء إلى ذلك الجيل، إلا أنهما لا يزالان دون المنتظر منهما.
كان يفترض بتلك التجربة أن تأخذ فرصة، لكن دخول الأحزاب السريع في دوامة الانتخابات النيابية بعد شهرين من الانسحاب السوري بعثر كل شيء. لم تنشأ أحزاب جديدة تطلق مفهوماً جديداً للعمل السياسي، بالعكس تماماً. لا أحد يعلم معيار جعجع لتقسيم الأقضية في مناطق القوات وتعيين المسؤولين وترفيع هذا وتنزيل ذلك. كل ما يحكى عن حزب القوات وديمقراطيته اليوم لا يملح: حين تتهم حنا عتيق بالخيانة وتكيل لشبابه ما تكيله معراب اليوم لـ«الحنونين»، وحين تطفّش جان عزيز ولا تبقي واحدا من أعضاء اللجنة التنفيذية في القوات يوم حل الحزب، تصبح الديمقراطية الحزبية مجرد سباق بين المناصرين على من يثبت حبه لجعجع أكثر. لا أحد يعرف كيف تستحدث اللجان في التيار وآخرها لجنة التخطيط ويعين لها المسؤولون. يعقد التيار الوطني الحر خلوة تنظيم مناطقية لتفعيل وجوده، فيكون مسؤول أمن الجنرال أبرز المنظرين فيها. هناك أمين عام للحزب، لكن مسؤولي قطاعات النساء والطلاب والنقابات يرفضون التعاطي معه، في القوات تبدأ حياة الناشط السياسية في الصف الأول ابتدائي وتنتهي في نهاية العام الثانوي الثاني. في التيار الوطني الحر تبدأ حياتك السياسية فعلياً عند تقاعدك من الجيش، والكل هنا ضباط في مكان، و«أمرك سيدنا» في المكان الآخر.

نزوة مؤذية

تفلت لسانك مع ألسنة كثيرة، وتردد معها: حرية، سيادة، استقلال. لا ترى قوى أمنية. تشعر بصدرك عارياً، فتتذكر وعد الجنرال بقتالهم بالصدور العارية. ترى العشرات خلفك ألوفاً. لا تفكر بالخطوة اللاحقة: ماذا سيلي الاعتصام؟ أين ستذهب بعدها؟ ماذا تقول لحاجز الاستخبارات السورية عند مفرق بلدتك؟ تتذكر عناصر الحاجز فتهتف عاليا: ما بدنا جيش بلبنان غير الجيش اللبناني. تسمع الآخرين يرددون خلفك. تستطيب اللعبة، تكررها: «إيه ويللا سوريا اطلعي برا». تراك الكاميرا تتقدم، ترى الكاميرا فتتقدم. تسقط في التدافع. لعب الكبار يوجع، تقول لنفسك. وتختفي بين الأقدام. دقائق وتتعرف إلى نفسك مجددا في مكتب المحقق حين يسألك عن اسمك. توهم نفسك بأشياء كثيرة، لكن لا تتخيل أن هذين المحيطين بك سيصبحان نواباً. انت لا تعلم من سيدفع أساساً الكفالة عنك: لم تكن قد سمعت بمعجزات «أبو نعيم» بعد. تطرد من رأسك صورة والدك يقول لوالدتك في صباح اليوم نفسه إنها نزوة وتمر. لا، لا يمكن أن تكون نزوة. غداً، تقول لنفسك، سيتحقق هتافك حرية، سيادة واستقلال. تتذكر شرح الجنرال للفرق بين كلمتي سلم أهلي وسلام أهلي؛ تقول سيكون ثمة سلام أهلي. طبعا سيزج فؤاد السنيورة بالسجن. لن يسأل أحد عن طائفته. تنظر حواليك، مرددا في أذنك: هؤلاء لا يريدون شيئاً إلا خير البلد، ولا يخشون شيئاً. لا تستفزك إلا ركوة القهوة الصباحية تقول في منزلك: نزوة وتمر. لا، تتمعن في الوجوه: هؤلاء فعلا لا يريدون شيئاً لأنفسهم، ولا يخشون شيئاً. لكنها نزوة... نزوة مؤذية.

  • شارك الخبر