hit counter script

مقالات مختارة - ناصر زيدان

جرح الجيش وجرح عرسال

الأحد ١٥ شباط ٢٠١٣ - 06:46

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

نهاية العام 2011 قدم مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة وثيقة الى مجلس الأمن، تضمنت اتهاما للبنان بالسماح بتهريب الاسلحة والمقاتلين الى سورية، وتحدثت الوثيقة عن تواجد لمقاتلي منظمة القاعدة الارهابية في بلدة عرسال البقاعية. وبعد شهر من هذا الاتهام فاجأ وزير الدفاع اللبناني فايز غصن الاوساط السياسية والإعلامية بتصريح أشار فيه الى تواجد للقاعدة في عرسال، ونفى ذلك في حينه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ووزير الداخلية مروان شربل.

حكاية عرسال مع الاتهامات قديمة جدا، ومن هذه الاتهامات ما كان صحيحا، ومنها ما هو غير صحيح إطلاقا، ففي ستينيات القرن الماضي جرد وزير الداخلية آنذاك المغفور له ريمون اده حملة عسكرية في جرود عرسال لمنع التهريب المتفاقم على الحدود مع سورية، وتكررت الحملات أكثر من مرة، والاتهام واحد ايواء المهربين والمسلحين، أو المطلوبين الى العدالة.

عرسال بلدة لبنانية وادعة، عدد سكانها يناهز الـ 40 ألف نسمة، ولخراجها العقاري أكبر حدود مع سورية، معظمه جرود وعرة، إلا أن أبناءها من خيرة اللبنانيين الطيبين ويتميزون بالاقدام وحب التضحية، وهم منخرطون في المؤسسة العسكرية اللبنانية بشكل واسع، ومن أبنائها العديد من الشهداء الذين سقطوا في صفوف الجيش اللبناني دفاعا عن الوطن.

الحادث الاخير الذي حصل في عرسال وأدى الى استشهاد ضابط وجندي من الجيش اللبناني وعدد من الجرحى، أثار زوبعة واسعة من المواقف، وكان حدثا كبيرا في حجمه ومدلولاته ونتائجه وتوقيته. ولبنان لا يستطيع أن يتحمل في هذه الظروف بالذات مثل هذا الحادث، خصوصا استهداف الجيش اللبناني الذي يشكل الملاذ الاخير للبنانيين، في الدفاع عن أمنهم، والحفاظ على وحدة الدولة ومؤسساتها، ويبقى أهم مؤسسات هذه الدولة على إطلاقها تماسكا وتجردا، رغم ما يتعرض له من تهجمات، وما يواجهه من مصاعب وتحديات، نجح في امتحان الخروج من بين براثنها في أصعب الأوقات.

جرح الجيش هذه المرة نتج عن تعد عليه في عرسال، وعرسال جريحة تصارع من أجل البقاء والصمود مع الاغلبية الساحقة من أبنائها، في مواجهة الاستهداف الذي يطالها من جهة النظام السوري، والذي يعتبرها شوكة في خاصرته، وسندا قويا لثوار سورية، وحاضنة لعدد كبير من أبنائها المهجرين هربا من استبداد النظام ووحشيته.

وأهالي عرسال الذين طالبوا الجيش اللبناني بتكثيف وجوده في محيط البلدة في العام الماضي ـ على أثر زيارة وفد من أبنائها لقائد الجيش العماد جان قهوجي ـ فوجئوا بما حصل الاسبوع الماضي، كما فوجئ معظم اللبنانيين، وعبروا عن تضامنهم معه في تقديم الزهور لضباطه وجنوده الموجودين في البلدة، وكذلك عبر عن فعل التضامن معظم القيادات اللبنانية، وكان موقف الرئيس سعد الحريري متقدما في هذا التضامن، وله الدلالات الواسعة.

جرح الجيش وجراح عرسال ناتجة عن خطيئة لا تغتفر، وربما سببتها أخطاء مقصودة، وأخطاء ربما عن غير قصد، ولكن مهما يكن من أمر، لا يجوز التجييش ضد الجيش في هذه المرحلة بالذات، لأنه ضمانة لأبناء عرسال، كما لكل الذين تسرعوا في إطلاق الاحكام عليه، قبل انتظار صدور التحقيقات القضائية، ومن هؤلاء الشيخ أحمد الاسير الذي لولا الجيش لكان أهين الشهر الماضي على يد المتطرفين في عيون السيمان. والأمر ذاته ينطبق على الذين أخطأوا، في المساواة غير العادلة، بين موت المطلوب للعدالة خالد الحميد وشهداء الجيش اللبناني.

من مصلحة عرسال تعزيز دور الجيش اللبناني وتسليمه المطلوبين، لأن عرسال بالذات مستهدفة أكثر من غيرها في هذه المرحلة، وربما مطلوب تدميرها وتهجير أهلها، لتمر عبر أراضيها قوات النظام السوري الى دمشق، لأن هذه القوات تتعرض لهجمات واسعة من الجيش السوري الحر على طريق حمص ـ دمشق.


الانباء الكويتية

  • شارك الخبر