hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - هيام القصيفي

هل يقود اغتيال الحسن البلد إلى نموذج بغداد؟

الأربعاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٢ - 09:02

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يستمر اغتيال اللواء وسام الحسن مثار تحليلات عمّن يقف وراء العملية. قوى 14 آذار حمّلت سوريا المسؤولية، وطالبت، في الوقت نفسه، حزب الله بتسليم المتهمين الأربعة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى المحكمة الدولية
حاذرت القيادات السياسية المناوئة لحزب الله الإشارة إليه علناً بالاسم في موضوع اغتيال اللواء وسام الحسن. انصبّت الاتهامات على الرئيس السوري بشار الأسد «وحلفائه» في لبنان. هكذا حصل عند اغتيال الرئيس رفيق الحريري حين اتهمت قوى 14 آذار سوريا بالجريمة، ليتدرج الاتهام، لاحقاً، إلى الحزب مباشرة ودعوته إلى تسليم المتهمين الأربعة الذين تطالب بهم المحكمة الدولية، كما جاء في بيان قوى 14 آذار بعد اغتيال الحسن.
لكنّ في الصالونات السياسية كلاماً من نوع آخر لا يزال ضمن الغرف المقفلة، مبنياً على تقاطع قراءات محلية ودولية لمسار تطور الحدث.
في قراءة خصوم حزب الله أن إيران التي مثّلت ولا تزال الحديقة الخلفية للنظام السوري، تعاملت مع الوضع اللبناني حتى الأشهر الأخيرة على أنها تمسك بخيوط اللعبة فيه، وتواصل التحكم في مفاصل الوضع عبر الحكومة والسياسة والخارجية والأمن.
لكن إيران أدركت، أسبوعاً بعد آخر، أن سوريا بنظامها الحالي لم تعد قادرة على مواجهة الأعاصير الداخلية والأجندات الإقليمية والدولية، ما يعني أن الاهتراء الحاصل على مستوى النظام بات من شأنه أن ينعكس في سلبياته على قاعدة إيران عند المتوسط في لبنان.
استناداً إلى ذلك، أعادت طهران مجدداً إعلاء شأن حضورها اللبناني عبر التصريحات التي أدلى بها مسؤولون إيرانيون بشأن استعداد حزب الله للرد على أي ضربة على إيران، وعن وجود الحرس الثوري في لبنان، وصولاً إلى طائرة أيوب الاستطلاعية فوق أجواء إسرائيل.
جاءت الحركة الإيرانية في زخمها اللبناني لتمثّل محاولة لرفع سقف المواجهة والحضور في مقابل ارتفاع احتمالات الانهيار السوري. فطهران تدرك أن الإدارة الاميركية المشغولة بالانتخابات محكومة، عند دخول الرئيس الاميركي الجديد مكتبه في البيت الأبيض، بالتعامل بجدية مع الملف السوري. وتدرك أيضاً أن السعودية التي تراقب الوضع اللبناني، متورطة حتى العظم في الحركة «الثورية» داخل سوريا عبر التنظيمات السلفية الأصولية ومدّها بالمساعدة العسكرية المسموح بها حتى الآن. لذا فإن إيران ستحاول حكماً الإفادة من الوقت الضائع من أجل إحكام قبضتها على الوضع اللبناني، استباقاً لأي استهداف غربي ــــ إقليمي لسوريا.
تبعاً لذلك، يصبح انهيار المؤسسات السورية وتفكيك قاعدتها البنيوية أمراً حيوياً ما دامت هذه المؤسسات يمكن أن تؤول لاحقاً إلى «حكومة سنيّة» تتفق عليها المعارضة في الفترة الانتقالية أو في أي إطار تسوية سياسية أو بعد ضربة عسكرية.
ويصبح من جراء ذلك تلقائياً أن يقع لبنان في القبضة الحديدية، من دون عودة الانفلات الأمني الكامل الذي يشلّ البلد برمّته. وهذا الأمر يحتّم إعادة تكبيل السلطة السياسية على أكثر من مستوى، مستفيدة من عدة ثغر: أولاها أن رئيس الجمهورية منصرف إلى تعزيز أوراقه الخاصة، ليس لإنهاء عهده ولا للتمديد، بل لإعادة انتخابه مجدداً. ثانياً أن الحكومة في شكلها الحالي تحتاج الى جرعة دعم قوية لإعادة تسيير أمورها، والإعداد للانتخابات النيابية المقبلة عبر قانون للانتخاب ترتفع فيه احتمالات فوز قوى 8 آذار بالحدّ الأعلى وليس بالحد الأدنى. ثالثاً تطويع كافة القوى الأمنية والعسكرية لما فيه مصلحة الإبقاء على فريق واحد قادر على الإمساك بأمن البلد.
جاء اغتيال الحسن، ومن بعده محاولة اقتحام السرايا الفاشلة، ليعطيا فريق 8 آذار أكثر بكثير مما يحلم به. عاد ميقاتي الى السرايا الحكومية أكثر ارتياحاً وأكثر طواعية، إذ لم يعد لديه ظهر يحميه سوى الحكومة نفسها. وتلقّت قوى 14 آذار ضربة في العمق تتعدى خسارة الحسن محلياً، لتعيد رسم دور بعض قيادات هذه المعارضة في دعم الثوار السوريين. وتلقّت الأجهزة الأمنية أيضاً ضربة قوية، فالحسن هو الشخصية الوحيدة التي كان استمرارها في مؤسسة قوى الأمن مضموناً، خلفاً للمدير العام اللواء أشرف ريفي، إذ إن ريفي ذاهب إلى التقاعد، مثله مثل مدير المخابرات في الجيش العميد إدمون فاضل ورئيس الأركان، فيما مصير التمديد لقائد الجيش لا يزال معلقاً.
تستند القراءة المذكورة إلى ما قالته المندوبة الأميركية سوزان رايس في الأمم المتحدة في الخامس عشر من تشرين الأول الجاري، عن أن «عناصر حزب الله أصبحوا من ضمن آلة القتل السورية»، وأن «حزب الله مستمر مع إيران في اتخاذ الإجراءات الهادفة إلى إبقاء الأسد في موقعه أطول وقت ممكن». وهو يؤدي، بحسب هذه القراءة، إلى تحويل أنظار المعارضة اللبنانية إلى الداخل وانصرافها جذرياً عن التلاعب بالوضع السوري ومدّ المعارضة السورية بالسلاح والمال، ما يسمح للأسد باستعادة أنفاسه وربح المزيد من كسب الوقت.
في 19 تشرين الأول قتل اللواء وسام الحسن. فمن هو قادر بعد اليوم على المواجهة؟
أثبت الاغتيال أن ما تردد في الفترة الأخيرة عن أن الشارع السنّي لم يعد بمعظمه في يد تيار المستقبل كان أمراً واقعياً إلى حد كبير. فهذا الشارع بدا متفلتاً لحظة الاغتيال والتشييع من ضوابط التيار الأزرق، الذي تراجعت حركته لصالح التيارات السلفية الأصولية. وهذا ما يولد الخوف من أن يكبر دور هذه التيارات بسرعة، في لحظة الفراغ السنّي، وأن تتقدم الى الصفوف الأمامية وتذهب الى مواجهة سريعة مع ما تعتبره المشروع الإيراني في لبنان.
حينها نكون قد أصبحنا فعلاً أمام «نموذج بغداد».
"الاخبار"

  • شارك الخبر