hit counter script

- سوسن أبوظهر*

أينَ الأمن الإنساني الفلسطيني في ظلِ الاحتلالِ والانقسام؟

الخميس ١٥ كانون الأول ٢٠١٨ - 03:25

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

حينَ تُلصَق صفةُ "إنساني" بالأمنِ يكونُ هدفُ المفهومِ حفظ الكرامةِ البشرية وإعلاء شأنها كقيمة أخلاقية في وجهِ الأساليبِ الأمنيةِ العسكريةِ التقليدية. كرامةُ البقاءِ في الأرضِ رداً على ردمِ المنازل واقتلاعِ الأشجار، كرامةُ التنقل الحر على رغمِ الحصارِ وجدار الفصل، وكرامةُ الاحتفاظِ بالهوية رفضاً لمحاولاتِ سرقة معالمها، مِنِ الملبس إلى المأكل.
في هذا السياقِ، تتجسدُ الكرامةُ عنواناً أساسياً للأمنِ الإنساني ومحُرِّكاً له في فلسطين، في مقابلِ آلةِ الحربِ الاسرائيلية التمييزية العنصرية التي تؤمنُ بأنَّ الأمانَ الجسدي والمعنوي والمعيشي حقٌ حصري للمستوطنين الآتينَ من مشارقِ العالمِ ومغاربِه على حسابِ سكان الأرضِ الأصليين، مع أنَّ استطلاعات الرأي تُثبتُ إحساسهم الدائم بالقلق وغياب الاستقرار.
حيالَ الانقسامِ الداخلي وسياسة تقطيع الأوصال الاسرائيلية، يبدو الأمنُ الإنساني حاجةً ملحة وأولويةً قصوى للصمودِ والمقاومة. لنتذكرْ أنه فردي، مجتمعي، سياسي، اقتصادي، غذائي، صحي، وبيئي. ويقومُ بتعريفه على التحررِ من الخوف والعوز. وهو بذلك مُغَيبٌ كلياً عن يومياتِ الفلسطينيين. أي أمنٍ بالمطلق عندَ نقاطِ التفتيش والحواجزِ والرصاصِ وأمامَ الدبابات والجرافات، وفي ظل المنع من التجول وتطويق المقدَّسات وسجن الشبان والشابات وإهانة الطاعنين في السن؟ أيُ أمنٍ إنساني في دولةٍ صُوَرية لا تملكُ مواردها ويخنقُها الحصارُ السياسي والاقتصادي والمالي؟ أيُ أمنٍ معَ تدميرِ المحاصيل وقتلِ المواشي، والعيش بلا سقفٍ ودواء وكهرباء ومياه نظيفة؟ وفي فلسطين خوفٌ يطوِّقُ مفاصلَ الحياةِ تحت الاحتلال، وعوزٌ إلى الحريةِ واللقمةِ الكريمةِ برغمِ المصادرةِ والهدم وحجبِ رُخصِ البناء، فالفلسطيني لا يملكُ في معظمِ الأحيان حقَ التصرفِ في بساتينه الموروثةِ أباً عن جد وسقفِ منزله ليُشيدَ فوقه غُرفاً لأبنائه.
والعودةُ إلى المحاور النظرية للأمنِ الإنساني المذكورةِ أعلاه تُبيِّنُ أنها محجوبةٌ عن الفلسطينيين في إقصاءٍ وتهميشٍ متعمَدَين، ومتوفرة، نظرياً على الأقل، للاسرائيليين بقوةِ الأمنِ العسكري القمعي المُنفِّذ لسياسات الاحتلال. لذلك لا سلامَ ممكناً في الأراضي المقدسة مِنْ دونِ أمنٍ إنساني متساوٍ للفلسطينيين في دولةٍ لهم تكونُ حقيقيةً مستقلةً قابلةً للحياة، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وليست مجردَّ ضفةٍ وقطاعٍ مُحاصَرين مُقطعَي الأوصال.
الأمنُ الإنساني والاحتلال
تؤكد لوسي نُسَيْبة، رئيسة "مركز الشرق الأوسط للديموقراطية واللاعنف" التي تعملُ منذ عام 1998 لنشرِ ثقافة الأمن الإنساني وحقوق الإنسان في المجتمعِ المدني الفلسطيني عبرَ التربية والنشاطات غير العُنفية والأكاديمية المُختصة، أنَّ لا أمنَ للإنسان في ظل الاحتلالِ وتجاهل مُلزماتِ القانونِ الدولي وطغيانِ هيمنة السلاح وغيابِ الاستقلال والدولة الفعلية. والاحتلالُ بطبيعته يُكرِّسُ الخوفَ والعوَز المتعدد الأوجه، وتالياً هو نقيضٌ كلّي للأمنِ الإنساني المُرادِف للسلام والحق فيه. لا أمانَ ملموساً للفلسطينيين، فكيفَ بالأمنِ الإنساني في دولةٍ بلا حدودٍ وسُلطةٍ فعلية، وذلك واقعٌ أقلُّ ما يقالُ فيه أنه "مرعبٌ ويجافي الإنسانيةَ"، لكن علينا الإقرارُ بأنَّ السُلطات الفلسطينية نفسها لا تولي الأمرَ اهتماماً.
لمقاربة المشهد الفلسطيني، لا بدَّ مِنْ مراعاة الخصوصية المناطقية، فقطاع غزة هو السجن الأكبر في العالم، والضفة الغربية ينهشُها الاستيطان، والعاصمة المسلوبة أي القدس، تبقى، برغمِ التهويد، التجمعَ العربي الإسلامي المسيحي الأكبر في الأراضي المُحتلة.
ويجب كذلك تذكرُ فلسطينيين آخرين اصطُلحَ على تسميتهم بـ"عرب 48" لكون مناطقهم، بُحكمِ الأمرِ الواقع، تقعُ في حدود الخطِ الأخضر. هؤلاء مَن بقيَ مِن أبناءِ فلسطين التاريخية وحمَلةُ الجنسية الاسرائيلية التي لا تحميهم، منذ عام 1952، من التهميش والإقصاء. وتشير نُسَيْبة إلى زيادة التمييز العنصري بحقهم، خصوصاً في القدس، وخسارة امتيازاتهم، وهي بالأصلِ قليلةٌ، أمام تنامي التهويد. فيافا التي أسسها الكنعانيون في الألفِ الرابع قبل الميلاد وطالما اضطلعت بدورِ العاصمةِ الثقافية لفلسطين، تحولت مدينةً يهوديةً مُلحقةً ببلدية تل أبيب وتراجعت أعدادُ المسيحيين والمسلمين فيها. وفي عكا والناصرة استخدمت اسرائيل التطويرَ العقاري ستاراً لتغييرِ المعالِمِ والتهويدِ والخنق الاقتصادي.
ولا يزالُ قانون "أملاك الغائبين" لعام 1950 يوفرُ غطاءً قانونياً لسرقةِ الممتلكات التي تعودُ إلى فلسطينيين مهُجّرين ونازحين ولاجئين بوضعها تحت وصاية "حُراس" هم في الواقع محتلون. وتُستخدَمُ تلك الذريعةُ باطراد في الضفة الغربية، فالمحاكمُ الاسرائيليةُ تعتمدُها للبتِّ في النزاعات على المُلكية، سواء بين فلسطينيين أو مع مُستوطنين، فتخلصُ إلى أنَّ أصحابَ الأراضي "غائبون"، مع أنهم أحياء يُرزقون ومرتبطون كالمولودِ بأمه بالتراب والشجر والسماء. أضِف أنَّ رفعَ الأسماء العربية للأحياء وإبدالها بُمسمياتٍ عِبرية مِن معالِمِ سرقة هويةِ الأمكنةِ المُهدَدَةِ في أمنِ كيانِها ووجودِها تماماً كما سكانها ونسيجها البشري.
هذا غيضٌ مِنْ فيض عن حياة فِلسطينيي 48 "الشديدة الصعوبة"، وفق نُسَيْبة. وهي لا تُنكِرُ أنَّ بعضهم يتخبطُ في تمزقٍ وأزمةِ انتماء. ثمَّة منْ يرغبُ في التغييرِ مِنْ داخلِ النظامِ الاسرائيلي ومؤسساتِه لتحسينِ الظروفِ الاقتصادية والاجتماعية، ويُحاولُ التماهي مع "الأسْرَلة" في الموسيقى والفن عموماً. لكنَّ الهويةَ الفلسطينية سرعان ما تطرُدُ تلك الاسرائيلية، كخروجِ تظاهراتٍ دعماً لغزة في وجهِ "الاحتلالِ الاسرائيلي" و"العدوانِ الصهيوني"، كما يرِدُ في مواقعَ تبثُ من أراضي عرب 48، والانخراط في "انتفاضة السكاكين" مع سائر الفلسطينيين عام 2015.
إلى ذلك، تغوصُ دراسةٌ وضعها "مركز الشرق الأوسط للديموقراطية واللاعنف" بالتعاون مع "الشراكة الدولية للوقاية من النزاعات المسلحة" في فداحة المعاناة اليومية للفلسطينيين. إليكم تلك الوقائع والحكايا. يُحرَمُ الفلسطيني مِنْ حفرِ بئرٍ يزيدُ عُمقها عن مئة مترٍ، فيضطرُ مزارعو شمال أريحا لشراءِ المياه من اسرائيل نتيجةَ منعهم من استخراجها من أرضِهم. وينفقُ معظمُ أبناء غزة والضفة الغربية مدخولَهم الشحيح على المتطلباتِ الغذائية التي يختارون بينها الأقل ثمناً، ولو كان ذلك على حسابِ الفائدةِ الصحية. وتعملُ العياداتُ والمستشفياتُ في القطاعِ بالحدِّ الأدنى، والعبورُ إلى مصر للعلاج صعبٌ ومُكلِفٌ. وارتفعت نسبةُ المصابين بالسرطان والأمراضِ الجلدية على خلفيةِ التلوث بالفوسفور الذي يستخدمه الاحتلالُ في قصفِ المدنيين تحتَ ناظِري مجتمعٍ دولي نامَ ضميرُه في سُباتِ أهل الكهف. ووجدت المناهجُ التعليميةُ الاسرائيلية طريقها إلى مزيدٍ مِنَ المدارس الفلسطينية في القدس.
الانقسامُ الداخلي وظواهرٌ مقلقة
وتقتضي الموضوعيةُ عدمَ إغفال دورِ الانقسام السياسي الداخلي بين الضفة والقطاع، وسُلطتَي رام الله وغزة، في تقويضِ النزرِ القليل المتُاح أمام الفلسطينيين مِنْ مقوِّمات الأمن الإنساني، ذلك أنَّ الكيدية والغرق في المصالح الذاتية، باتت تطغى، يا للأسف، على المصلحةِ الوطنية الجامِعة في وجه الاحتلال والاستيطان والتهويد. فالنظرةُ إلى المقاومة تغيرت وتبدلت إلى حد التناقض، في ظلِّ جمود مسارِ مفاوضات السلام، إنْ لم نقُلْ فشلَه.
وتبدي نُسَيْبة خشيتها مِنْ تنامي الانقسام الفلسطيني وآثارِه على تضييقِ الأفق أمام الفلسطينيين، خصوصاً الشبان منهم. التقسيمُ الجغرافي وغيابُ التواصلِ بفعلِ الحواجز والحصار يساهمان في تعزيزِ الانفصامِ والانشطارِ والتفكك الذي صارَ مُجتمَعياً بعدما كان سياسياً فقط، في ظلِ بطالةٍ بلغت مستوياتٍ قياسية وعَسْكرةٍ متنامية منذ اتفاق أوسلو، وهي ليست بالضرورةِ متجهةً نحوَ الاحتلالِ حصراً.
وتلك العسكرة، وفقَ نُسَيْبة، ترجمةٌ لتغييبِ الأمنِ الإنساني والسقوطِ في قبضة الخوفِ العام بدلاً من التحرر منه. الأملُ يغيبُ في أحيانٍ كثيرة والحياة كأنها بلا أفق، وثمَّة تعب مزمن مِنَ الصراعِ والتغاضي الدولي عن معاناةٍ لا تنتهي. طاقةُ الصمود تذوي مُحدِثةً يأساً يقضي على الرغبةِ في النشاطِ والتغييرِ السياسيَين، وينشرُ الاستعدادَ للموتِ غرقاً في مغامرةِ الهربِ من الحياةِ في غزة. صحيحٌ أنَّ حركاتِ الاحتجاجِ والتظاهراتِ لا تخفتُ وتُجدِدُ حينَ حدوثها الطاقاتِ والآمال، لكنها أضحت مرتبطةً بمناسباتٍ ظرفية. ولا شكَّ أنَّ المشهدَ الفلسطيني يتطلبُ زخماً مُستداماً يعيدُ حياكةَ النسيجِ الداخلي الممزق. إنه تدهورٌ خطير، تؤكدُ نُسَيْبة، فمفهومُ المقاومة يحتاجُ نهوضاً جماعياً وتوحداً. أضِف أنَّ الأمنَ الإنساني الهزيلَ يزدادُ ضموراً في ظلِ الانقسام.
يأخذنا ذلك تالياً إلى مسألةِ الهجرةِ وتأثيرِ ذلك على التمسك بالهويةِ أمام مخططاتِ طمسِها. إنها حلقةٌ مفرَغةٌ، فقطعُ الأوصالِ بينَ الضفة والقطاع يقوِّضُ الهويةَ بدوره. "تبدو غزة بعيدةً جداً" لنُسَيْبة المقيمة في القدس، "فهي تحتَ حصارٍ مطلق. لا شيء مِنْ مظاهرِ الحياة الكريمةِ هناك، لكن فيها أشخاصٌ لا يزالون قادرينَ على الصمود والإنتاج والمقاومة في وجهِ الدمار، وذلك دليلٌ صارخٌ على شجاعةٍ منقطعةِ النظير".
وفي المقابلِ، يقودُ الحصارُ واليأسُ والخوفُ والحاجةُ إلى الهروب منَ الواقعِ في حالِ العجزِ عن الفرارِ الجسدي. فقد جاء في دراسةٍ أعدتها وزارة الصحة الفلسطينية ومنظمة الصحة العالمية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة والوكالة الكورية للتعاون الدولي عام 2017، أنَّ 26500 شخص يدمنون المخدرات "بشكل خطير" في فلسطين، بينهم 16453 في الضفة الغربية يأخذون الحشيش والماريجوانا الصناعية، و10047 في غزة يتعاطون الترامادول وحبوب "ليريكا" الأقل ثمناً، وهي بالأصلِ مهدئة للأعصاب، والإفراطُ في تناولها يُفضي إلى الهلوسة. وهناك 1118 شخصاً من الـ 26500 مدمنون بالحقن، 61 في المئة منهم من شمال الضفة و20 في المئة مِن وسطِها وبدأوا بالتعاطي وهم قُصَّر. وفي تقديراتٍ أخرى أنَّ الرقم الكلي للمدمنين والمتعاطين بغيرِ انتظامٍ يبلغُ 80 ألفاً، كثيرٌ منهم في القرى المعزولة خلف جدار الفصل حيثُ يسهلُ الحصولُ على الموادِ المخدرة، في ما قد يكونُ حصاراً غير مرئي تستحدثُه اسرائيل لتقويضِ الأمنِ الإنساني للفلسطينيين. وباتَ تجارٌ اسرائيليون كبار يحمون زارعي المواد المخدرة في المناطق القريبة من الخط الأخضر في شمالِ الضفة وجنوبها.
كما تلفتُ نُسَيْبة إلى تنامي التسرّب المدرسي، خصوصاً في القدس، وفي صفوفِ الفتيان تحديداً الذين تدفعهم الضائقةُ الاقتصادية إلى سوق العمل اليدوي المُرهِقِ والزهيدِ المردود. وتذهبُ الفتياتُ مِمن غادرنَ الدراسة قبل الأوان إلى سجنِ الزيجاتِ المُبكرة. والمفارقة أنَّ اللواتي يُكمِلنَ المسارَ التعليمي يواجهنَ لاحقاً صعوباتٍ في الاقتران. وتؤدي عموماً ظاهرةُ الإبكارِ في الزواج إلى طلاقاتٍ لا تتأخر في الظهور.
والفلسطينياتُ اللواتي يواجهنَ تزايدَ الذكوريةِ المُجتَمَعية وأعباءِ الاحتلال، لسنَ مسلوباتِ الإرادةِ والعزيمة. فتاريخهن في النضالِ والمقاومة معروفٌ، وتعوِّلُ نُسَيْبة على دورهن في استعادةِ الترابطِ الاجتماعي مِن خلالِ سُلطةِ الأمومةِ التقليدية وانخراطِ جيلِ الشاباتِ في مجتمعٍ مدني واعد يجهَدُ لتوحيدِ أبناءِ الوطن.
أيُ مستقبلٍ؟
ومِنَ المفارقات التي تنطبقُ عليها مقولةُ "شر البلية ما يُضحك" أنَّ وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" صارت في ضيقٍ كبيرٍ مثلهم وتواجهُ أزمةَ مصيرٍ ووجودٍ على غرارهم. موقُعها على شبكة الانترنت يناشدَ الأفرادَ والدول التبرع لحفظِ كرامةِ الفلسطينيين "الذين يستحقون تضامننا معهم أكثرَ مِن أي وقتٍ مضى" في وقتٍ تتخبطُ في العجزِ المالي الأكبرِ في تاريخها. وإلى الآن كانت الاستجابةُ مقبولةً، وتُبدي نُسَيْبة ثقتها في القدرة الأوروبية على إبقاءِ الوكالة تعملُ، مشيرةً إلى رغبةٍ دولية في الحفاظِ عليها. فهي تسدُ فراغاً كبيراً في يومياتِ الفلسطينيين في الداخلِ والشتات وتشكلُ طوقَ نجاةٍ لهم، خصوصاً في مجالاتِ الدعم النفسي والتعليم والطبابة وحتى الغذاء. إنها نواةٌ مؤسساتيةٌ لأمنٍ إنساني للفلسطينيين بحده الأدنى.
لا شكَّ أنَّ عمليةَ السلامِ أثبتت فشلها. فالاسرائيليون ينعمون نظرياً بالأمن لكنهم يُسرعونَ إلى الملاجئ عند كل انتفاضة وتظاهرةِ ومع أي صاروخ مهما يكُن بدائياً. ومِنْ نافلِ القولِ أنَّ الفلسطينيين لا يزالونَ تحتَ الاحتلال ولم يحصلوا على دولةٍ فعليةٍ ولا استعادوا عاصمتهم ومواردهم، وإنما ازدادَ فضاؤهم ضيقاً وطوَّقت المخاطرُ مقدساتهم الدينية.
في انتظارِ معجزةٍ ما تُنتجُ تسويةً غير مُجحفة، لا تكترثُ نُسَيْبة للمفاوضات السياسية التقليدية التي لا طائلَ منها في ظلِ طغيانِ التشددِ والعنصرية في الداخلِ الاسرائيلي، معوِّلةً على الأمنِ الإنساني سبيلاً إلى سلامٍ بديل. وتعتبرُ أنَّ التطلعَ إلى الصراعِ مِن منظاره قد يُثمرُ حواراً مختلفاً بعدما ثبتَ للجميع أنَّ الأمنَ العسكري يضاعفُ الخوفَ والعداء والاستقطاب. إنَّه الطريقُ إلى بناءِ السلام في أرضِ نزاعاتٍ معقدة ومتداخلة، في فلسطين وكذلك سوريا، لأنه صنْوٌ لاحترامِ القانون الدولي وحقوق الإنسان.
وفي تلك الحالة، لا بدَّ مِنْ تكرارِ التشديدِ على وجوبِ ترميمِ البيتِ الفلسطيني وإعادة تدعميه وتأهيله ووصلِ ما انقطعَ والتصدي بشجاعة للمشاكلِ الاجتماعية ومظاهرِ التشدد الديني والعَسكرة. أعداءُ تلك المصالحةِ التاريخية كثرٌ، لكنها أولويةٌ قصوى ولا أمنَ إنسانياً في فلسطين ولا سلامَ ودولة مِنْ دونها.

*سوسن أبوظهر - صحافيةٌ لبنانيةٌ متابِعةٌ لقضايا اللاجئين وبناء السلام
**هذا الموضوع كُتب بالتعاون مع "الشراكة الدولية للوقاية من النزاعات المسلحة" GPPAC" و"مركز الشرق الأوسط للديموقراطية واللا عنف" من "شراكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للوقاية من النزاعات المسلحة"

  • شارك الخبر