hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - الأب د. جورج مسوّح

داعش وجه من وجوه الإسلام؟!

الأربعاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٦ - 06:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

إذا لم يدافع المسلمون عن الإسلام ضدّ المسيئين إليه من أبناء دينهم، فمَن يدافع؟ كيف يرضى المسلمون بجرائم وارتكابات ضدّ الإنسانيّة، يقوم بها مسلمون آخرون، بحجّة أنّهم مثلهم يشهدون أن ""لا إله إلاّ إلله"؟ كيف يصمتون أمام مَن يرتكب الكبائر باسم إلههم؟

ما دعانا إلى طرح هذه الأسئلة تصريح لمرجعيّة إسلاميّة معتدلة، هو الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسيّة، صاحب كتاب "الإسلام والحرّيّات العامّة" (مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، 1993)، يقول فيهإنه لا يمكن تكفير  "الدواعش"، ومضيفًا أنّه  لا يمكن أن نكفّر أحدًا يقول "لا إله إلاّ الله" (16 تشرين الأوّل 2016).

كما رأى الغنوشي على هامش اجتماع مجلس شورى حركة النهضة أنّ واقع تنظيم داعش هو "حالة متوتّرة وغاضبة". وأوضح "أنا لا أبحث لهم عن مبرّر. هم صورة من صور الإسلام الغاضب الذي يخرج عن العقل والحكمة". ونبّه إلى "إنّنا، نحن أهل السنّة، لا نكفّر أحدًا يقول "لا إله إلاّ الله"، بل نقول له: "أنت ظالم، مخطئ، متطرّف، متشدّد".

أليس تبريرًا لأعمال داعش القول بأنّها ناجمة عن "إسلام غاضب"، أي أنّ داعش وجه من وجوه الإسلام المقبولة؟ وتاليًا، ما يقوم به الداعشيّون هو شرعيّ من دون لبس؟ فلو كان ما يقومون به ليس إسلاميًّا لكان من واجب الغنوشي، وسواه من عقلاء المسلمين وحكمائهم، إدانة أعمال داعش لكونها خروجًا صريحًا عن الإسلام الصحيح.

رأي الغنوشي يدفعنا أيضًا إلى التساؤل، لا إلى التشكيك: ما الذي تبقّى ممّا يميّز خطاب المعتدلين والوسطيّين، من جهة، عن خطاب المتشدّدين من جهة أخرى؟ فالوسطيّ يقترب خطابه من خطاب المتشدّد، حتّى يكاد أن يتماهى معه، مع ما له من وقع أشدّ لدى الأتباع لأنّه يصدر عن مرجعيّة كبرى ينقاد إلى آرائها الكثيرون، لا عن رجال دين عاديّين أو هامشيّين لا تأثير هامًّا لهم.

يبدو أنّ ما توصّلنا  إليه إثر حلول "الربيع العربيّ" سوف يقضي على ما درجت الأدبيّات الدينيّة على تسميته بالوسطيّة الإسلاميّة أو بالاعتدال الإسلاميّ. فالفرز المذهبيّ الذي تشهده ساحات بعض الدول العربيّة المتنوّعة المذاهب، ومنها سوريا ولبنان والعراق والبحرين، يدفع العديد من المرجعيّات المذهبيّة إلى الانزلاق نحو المزيد من التشدّد وصولاً إلى التكفير. أمّا في البلاد التي تخلو من تعدّديّة المذاهب، فالأمر سيّان. وما تشهده مصر وتونس وليبيا، على سبيل المثال، من صعود نجم المتشدّدين والسلفيّين، يصبّ أيضًا في طاحونة القضاء على ما توسّمناه خيرًا من هذا الربيع، ولا سيّما أنّ الشرارة قد انطلقت من تونس.

اللافت هو أنّ كلام الغنوشي، عدا عن أنّه يعبّر عن أزمة عميقة في الفكر الإسلاميّ، الإخوانيّ بخاصّة، فإنّه يعبّر أيضًا عن ازدواجيّة لا تطاق. فحركة النهضة أعلنت في مؤتمرها الأخير (أيّار 2016) تبنّيها لنموذج الحزب المدنيّ القائم على مرجعيّة الديمقراطيّة بمعناها الحديث، وتمييزها (وليس فصلها)، ما بين نشاطها السياسيّ ونشاطها الدعويّ. فأيّ غنوشي نصدّق؟

نحن نعرف أيضًا أنّ ضحايا داعش غالبيّتهم من المسلمين الأبرياء من غير مؤيّديهم، والذين هم أيضًا يشهدون أن "لا إله إلاّ الله"، فكيف يمكن الدفاع عن إسلام "داعش"؟ يؤسفنا، نحن غير المسلمين الذين تجمعنا بالمسلمين أواصر المحبّة والشراكة الوطنيّة، أن نبدو، أحيانًا، أكثر حرصًا على صورة الإسلام من بعض المسلمين.

الأب جورج مسّوح

  • شارك الخبر