hit counter script
شريط الأحداث

د. عبد الرؤوف سنّو لموقعنا: لم يكن للسعودية إستراتيجية أو مشروع جيوسياسي تجاه لبنان

الخميس ١٥ أيلول ٢٠١٦ - 22:23

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في كتابه الجديد "السعودية ولبنان" (السياسة والاقتصاد 1943- 2011)، يؤرخ الدكتور عبد الرؤوف سنّو للعلاقات بين البلدين على امتداد ألف صفحة موثقة بالمراجع والفهارس والجداول والرسوم البيانية، يتناول فيها السياسة السعودية حيال لبنان بكل خفاياها ومراميها، فضلا عن الصراع السعودي – السوري، والسعودي - الإيراني، والظروف التي أدت إلى انكفاء المملكة العام 2011 عن لبنان عقب سقوط حكومة سعد الحريري، لعدم قدرتها على مقارعة نفوذ سورية وإيران فيه. ويحلل الباحث أدوار اللاعبين السياسيين المحليين والإقليميين والدوليين التي جعلت من لبنان بلداً تابعاً للخارج لا يملك حرية قراره.
كذلك يبين سنّو في كتابه، مكامن النفوذ السعودي في لبنان، وكيف أن انشغال السعودية بتداعيات حرب الخليج (1991) والسياسة الأميركية المتسامحة مع النظام السوري، سمح لسورية بأن تسرح وتمرح في لبنان، ووضعه تحت سيطرتها... فضلا عن تبيان ثغرات سياسية واقتصادية شابت الدبلوماسية السعودية تجاه لبنان، من دون أن ينسى طبعاً إيجابيات كثيرة ميزت هذه العلاقة من المساعدات السعودية للبنان، ووقوفها إلى جانبه سياسياً واقتصادياً في أكثر من مرحلة وظرف....
اللافت في الكتاب شموليته وموضوعيته، فهو يورد الوقائع كما هي من دون تحيّز، ويعتمد التحليل والتوثيق، ويقدم دراسة توضح المسار الذي أدى إلى ما يجري على الساحتين المحلية والإقليمية، بعد العام 2011، وما يسمى بالربيع العربي، باعتبار أن اللاعبين الدوليين خططوا منذ سنوات لهذا الربيع... من هنا يمكن القول إن الكتاب بمجلديه يؤسس لدراسات أخرى تتابع البحث في العلاقات اللبنانية السعودية، وما يستتبع ذلك من قراءة متأنية للأحداث في المنطقة العربية...
"السعودية ولبنان" ينضم إلى سلسلة مؤلفات د. سنّو من بينها: "لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف" ( طبعة أولى 2014 وطبعة ثانية 2015)، "حرب لبنان 1975 -1990" (مجلدان، طبعة أولى 2008 وطبعة ثانية 2015)، "ألمانيا والإسلام في القرنين التاسع عشر والعشرين" (2007)، النزاعات الكيانية الإسلامية في الدولة العثمانية 1877- 1881" (1998)، "المصالح الألمانية في سورية وفلسطين 1841- 1901" (1987)، فضلا عن مؤلفات عدة بالألمانية.
حول كتابه الجديد كان الحوار التالي مع الدكتور عبد الرؤوف سنّو:
1) في البداية، نلاحظ أن الكتاب لا يتضمن عرضاً تاريخياً للعلاقات بين السعودية ولبنان فحسب، بل هو تحليل نقدي علمي لهذه العلاقات، فأورد دعم السعودية السخي للبنان، وانتقد نقاط وهن من وجهة نظر مؤرخ لبناني، فما الهدف من الكتاب؟
جواب: الهدف من الكتاب هو تقديم وصف وتحليل للدبلوماسية السعودية تجاه لبنان، وكيف أنها كانت تتأرجح قوة ووهناً في مراحل مختلفة بين الأعوام 1975 و2011. وهذا يعود برأينا من ناحية إلى مبادئ السياسة الخارجية السعودية التي تبتعد عن الانزلاق في صراعات خارجية، وتفضل الدبلوماسية الهادئة على النزاعات المسلحة، ومن ناحية أخرى إلى عدم امتلاك المملكة القدرة على مجابهة السياسات الإسرائيلية والسورية والإيرانية في لبنان، لعدم وجود ميليشيات تابعة لها تنفذ سياستها على الأرض. كما أن القوى اللبنانية التقليدية التي ارتبطت بعلاقات تاريخية بها، من المسلمين والمسيحيين، فقدت منذ مطلع الحرب نفوذها في البلاد لصالح الميليشيات المسلحة المدعومة من قوى خارجية. كان السعوديون يعتقدون – حتى العام 2011 حين تدخلوا في البحرين للتصدي للنفوذ الإيراني هناك، وتحديداً منذ تدخلهم العسكري في اليمن مطلع العام 2015 لمنع استكمال محاصرتهم من قبل أتباع إيران التي مدت نفوذها على العراق – أن الدبلوماسية الهادئة البعيدة عن الضجيج والوسطية هما أفضل الوسائل لحل النزاعات الدولية. لكن عندما تبين لهم وصول هذه الدبلوماسية إلى طريق مسدود منذ "الربيع العربي" وتدخلات إيران في المنطقة العربية، قررت القيادات السعودية الجديدة الشابة الخروج من تلك الدبلوماسية، واعتماد لغة القوة العسكرية للدفاع عن أمن البلاد القومي أو الأمن القومي العربي. من هنا، يتبين أن هدف الكتاب هو وصف حالة السياسة والدبلوماسية السعودية تجاه لبنان في مرحلة سابقة تخلت المملكة عنها منذ تدخلها في اليمن العام 2015. السعوديون أحبوا لبنان كبلد عربي صغير ونموذجي بتعدديته الطوائفية، حيث يصطافون ويسوحون في ربوعه الخلابة، ويستثمرون أموالهم، ويرسلون أبناءهم للدراسة فيه، فوقفوا بإمكاناتهم المعروفة ضد من يريد أن يخرب الصيغة اللبنانية، من الفلسطيني (حتى العام 1983)، والإسرائيلي والسوري والإيراني.
2) في كتابك الأخير "السعودية ولبنان 1943 – 2011: السياسة والاقتصاد، يبدو أنكم عدتم إلى نهج كتابكم الأسبق "حرب لبنان 1975 – 1990"، من ناحية شمولية المواضيع وعمقها. فأرخت لكل تفاصيل العلاقات بين المملكة ولبنان بين الأعوام 1943 و2011، من سياسية واقتصادية وسياحة وحج، ودور للجالية اللبنانية في المملكة، والمساعدات التي كانت المملكة تقدمها إلى لبنان. فهل يعني هذا أنك لا تترك مجالاً لأحد غيرك ليعود ويكتب في الموضوع؟

جواب: صحيح أن الكتاب يتناول مختلف أوجه العلاقات بين البلدين خلال حقبة زمنية عريضة تشمل كل مراحل العلاقات السياسية والتحركات السعودية تجاه أزمات لبنان، وكذلك العلاقات الاقتصادية، من تبادل تجاري واستثمارات وسياحة وحج ودور نهضوي للجالية اللبنانية في المملكة، فضلاً عن المساعدات والهبات السعودية السخية للبنان، إلا أن الصحيح أيضاً أنني وغيري من الباحثين لا يملك كل المعلومات والتفاصيل عن العلاقات بين البلدين وخباياها. فقد يأتي باحث آخر لديه وثائق ومعلومات جديدة حول الموضوع، فيغني عملية البحث بالجديد الذي يأتي به. وفي المناسبة، فقد استفدت كثيراً من موسعة السفير ظافر الحسن عن الدبلوماسية السعودية تجاه لبنان، إذ كان معاصراً للأحداث وشاهداً على ما كان يجري من علاقات بين المملكة ولبنان بعيدة عن الأضواء، بصفته سفير للبنان في الرياض. والكتابة في موضوع العلاقات بين البلدين ليست حكراً علي. أما عن كتابي، فهو بالفعل يشمل مختلف أوجه العلاقات بين السعودية ولبنان، وأردت، كعادتي، أن أفي الموضوع حقه من البحث والدراسة، بحيث لا أهمل موضوعاً مهماً. وأنت ترين أن موضوعات الكتاب متكاملة. فمن الناحية السياسية، هناك متابعة لمراحل مختلفة لسياسة المملكة تجاه لبنان ودبلوماسيتها منذ ما قبل استقلاله وحتى العام 2011. أما من الناحية الاقتصادية، فعندما يكون الاقتصاد عنواناً رئيسياً للكتاب إلى جانب السياسة، فأنا لا أستطيع أن أتحدث عن العلاقات التجارية وأهمل الاستثمارات المتبادلة، ولا عن السياحة السعودية في لبنان، ولا أن أتطرق إلى الحج اللبناني إلى الأماكن المقدسة. كما لا أستطيع أن أتناول العلاقات بين البلدين، من دون أن أدرس الدور النهضوي للجالية اللينانية في السعودية. وأخيراً أن اتناول العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما، من دون أن أعالج التجارة والسياحة والحج بينهما، وأخصص فصلاً للمساعدات السعودية للبنان على مدى أربعة عقود. منهجية البحث والمرحلة الزمنية حتمت هذه المعالجة الشاملة والمعمقة.

3) ما هي الفرضيات التي توصلت إليها في كتابك على الصعيدين السياسي والاقتصادي؟

جواب: لقد طرحت الفرضيات الآتية وأثبتت صحتها من خلال المعالجة والتحليل:
• لم تستطع السعودية أن تقارع سياسات إسرائيل حيال لبنان، ولا نفوذ كلّ من سورية وإيران فيه، وذلك بسبب غياب إستراتيجية لها تجاه لبنان خلال المرحلة الزمنية للكتاب، وقيام سياستها على الوفاقية والوسطية وعدم الرغبة بالتورط في نزاعات خارجية. كما أن الاقتداء بالسياسة الأميركية، وعدم وجود ميليشيات تابعة لها، يمكن أن تمارس من خلالها الضغط في الداخل لتحقيق مصالحها، أديا دوراً في ضعف مركزها مقارنة بقوى سبقتها في التدخل بالأزمة اللبنانية. وهذا ما جعل دبلوماسيتها تبدو وكأنها متناقضة في بعض الأحيان.
• ترك النظام السوري للسعودية هامشاً من التحّرك الدبلوماسي على الساحة اللبنانية، طالما أنّه لا يتعارض مع مصالحه، مع إمكان إفشاله إذا اقتضى الأمر، وبوسائل عنفية في بعض الأحيان. وكان يستغل بدوره الغطاء الدبلوماسي السعودي لتمرير مشاريعه وتحقيق أهدافه.
• أيدت السعودية المقاومة اللبنانية للاحتلال الإسرائيلي حتى تحرير جنوبه العام 2000، وبخاصة مقاومة حزب الله، لكنها عارضت توريط الحزب لبنان والدول العربية في نزاعات مع إسرائيل تستفيد منها إيران، وقد اتخذ "حزب الله" موقفاً مناوئاً للسياسة السعودية في لبنان بعد العام 2005، عندما حاولت أن ترث النفوذ السوري فيه. فعمل الحزب على أن يكون متطابقاً مع المصالح والسياسات الإيرانية.
• كانت السعودية، تتراجع وتنكفئ دبلوماسياً واقتصادياً عن الساحة اللبنانية، ما أن تشعر بأنّها مهدّدة أو مغلولة اليدين، أو أن تترك نفسها عرضة للابتزاز في بعض الأحيان. وهذا دليل على عدم وجود إستراتيجية لها أو مشروع جيوسياسي تجاه لبنان. وسوف ترين سيدتي أن العوامل الداخلية والإقليمية والدولية كانت أقوى منها. وهناك محطات لانكفائها السياسي – الاقتصادي منذ العام 1979 وحتى نهاية مرحلة البحث مطلع العام 2011.
• عملت السعودية للحصول على الاعتراف بها كمرجعية في لبنان، من خلال تقديم المساعدات لإعادة اعماره، ودعم اقتصاده، وتمويل مشاريعه التنموية. فما من دولة دعمت لبنان أكثر من المملكة العربية السعودية، حتى أنها دفعت أقساط التلاميذ في المدارس الرسمية وقرطاسيتهم.

4) تحدثت في الكتاب عن إخفاقات الدبلوماسية السعودية ونجاحاتها تجاه أزمات لبنان. هل بالإمكان تحديدها؟

جواب: عندما نتحدث عن إخفاقات للدبلوماسية السعودية، فهذا لا يعني بتاتاً أنها وقفت سلبية من أزمات لبنان أو كانت عديمة التأثير على الاطلاق. وفي كثير من الأحيان، خاضت مواجهات دبلوماسية مع سورية لإرغامها على القبول بتسويات لأزمات لبنان أو انسحاب وحداتها العسكرية منه، لكن من دون أن تتكلل بالنجاح الكامل. ولا ننسى أن سورية كانت الدولة الأقوى على الساحة اللبنانية حتى العام 2005، وتمكنت من مواجهة السياستين الإسرائيلية والأميركية الداعمتين لاتفاق 17 أيار 1983، كما كانت وراء إفشال الدبلوماسية الأميركية الداعمة للرئيس أمين الجميّل والساعية لإخراجها من لبنان بين الأعوام 1982 و1984، وكانت، بطريقة أو بأخرى، وراء التفجيرات التي أصابت السفارة الأميركية والوحدات الأميركية والفرنسية في بيروت العام 1983. حتى أن النظام السوري فرض على الأميركيين التنسيق معهم في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية قبل اتفاق الطائف وبعده. صحيح أن المملكة اعتمدت سياسة الوفاقية والنوايا الحسنة، وكانت لديها الوسائل المالية لاسترضاء قوى حزبية وميليشياوية لبنانية موجودة على الأرض لدفعها نحو القبول بتسويات، إلا أنها نفسها لم تمتلك ميليشيا مسلحة كي تفرض دبلوماسيتها على الأرض. وهي لم تعمل خلال كل مراحل علاقاتها التاريخية بلبنان على أن تكون لديها ميليشيات، مفضلة سياسة الحوار والوفاق. وقد أيدت "اتفاق 17 أيار" 1983 بصمت، تحت شعار "أن اللبنانيين يدركون مصالحهم أكثر من غيرهم". وكانت تعتقد أن انسحاب إسرائيل من لبنان سوف يقابله خروج السوري منه. لكن المملكة افتقدت إلى الوسائل الناجعة لإرغام إسرائيل وسورية على سحب قواتهما من لبنان. ومنذ اتفاق الطائف، غضت المملكة الطرف عن مسألة انسحاب سورية من لبنان، وبقي الجيش السوري فيه حتى العام 2005. وقد حاولت الرياض أن تتعامل بواقعية مع القوى السياسية والحزبية اللبنانية، مع ميل لقوى 14 آذار بعد العام 2005. لكنها فشلت في منع حزب الله من فرض نفوذه على لبنان بعد ذلك التاريخ، وصولاً إلى "اجتياح بيروت". واعتُبر تدخلها في الأزمة اللبنانية فصلاً من فصول الصراع في المنطقة بينها وبين إيران وسورية من جهة أخرى. واضطرت لحث "قوى 14 آذار" على القبول باتفاق الدوحة في أيار 2008، الذي قلب التوازنات لصالح حزب الله وحلفائه. وأخيراً، فشلت من خلال دبلوماسية "السين سين" (السعودية – سورية) بين العامين 2009 و2010 في أن تحمي "قوى 14 آذار" من مخططات سورية وإيران وحزب الله، أو في الإبقاء على حكومة سعد الحريري.

أما عن محطات نجاح الدبلوماسية السعودية تجاه لبنان، فهي قمة الرياض في تشرين الأول 1976، التي تكللت بقمة القاهرة في الشهر نفسه، وبالتالي توقف "حرب السنتين" وإرسال "قوات الردع العربية" للإشراف على الأمن في البلاد. كما تصدت الرياض بإمكاناتها الدبلوماسية المعروفة للاجتياحين الإسرائيليين للبنان خلال العام 1982 و2006، بل وكل اعتداءات إسرائيل خلال التسعينيات من القرن الماضي، وعملت على عقد مؤتمري جنيف ولوزان خلال العامين 1983 و1984. لكن النجاح الذي يحتسب لها كان "اتفاق الطائف" العام 1989 الذي انعقد في ظروف إقليمية ودولية مواتية. وبعد الاتفاق، دعمت المملكة الحكومات التي شكلها رفيق الحريري، واستمرت على هذا المنوال حتى اغتياله. وقد نجحت بالتوافق مع الأميركيين والفرنسيين في إخراج الجيش السوري من لبنان العام 2005. والمعروف أن هاجسها كان ولا يزال عدم حدوث فتنة سنية – شيعية بعد اغتيال الحريري.

5) تحدثت في الكتاب عن انكفاءات سعودية سياسية واقتصادية، وأنها كانت تحدث في تواريخ متقاربة، وذكرت أن السعوديين ربطوا بين السياسة والاقتصاد؟
جواب: نعم، عندما كانت الدبلوماسية السعودية تصل إلى طريق مسدود في مساعيها لوأد الأزمة اللبنانية، كان أمامها ثلاثة مخارج: إما المواجهة، وإما التراجع والانكفاء، وإما الإذعان. وبسبب ضعفها على الأرض لغياب إستراتيجية لها تجاه لبنان، ووجود ميليشيات تدور في فلك السياسات الإسرائيلية والسورية والإيرانية، لم يكن بمقدورها المواجهة، ولم يبق أمامها سوى تخفيف حالات الاحتقان في البلاد، أو الانكفاء أو الإذعان. في العام 1979، سحبت السعودية وحداتها من "قوات الردع العربية" بعدما اُطلقت النيران على مروحية كان يستقلها سفيرها في لبنان، تبعتها باقي "قوات الردع العربية"، ما جعل سورية تحتكر لنفسها الساحة اللبنانية. وبعد تدهور الأوضاع في لبنان عقب "اتفاق 17 أيار"، انكفأت الدبلوماسية السعودية التي اعتقدت بإمكان خروج الجيشين السوري والإسرائيلي من لبنان، ثم عادت، وبإيحاء أميركي، تسترضي سورية وتعتبر وجود جيشها في لبنان شرعياً. وفي سياق الأعداد لمؤتمر لوزان 1984، اضطر السعوديون للتخلي عن بندين مهمين من مبادرتهم لحل الأزمة اللبنانية يتعلقان بانسحاب الجيش السوري من البلاد، وذلك استرضاء للنظام في دمشق. واضطرت المملكة للرضوخ من جديد للضغوط السورية خلال مفاوضات الطائف 1989، في شأن عدم تموضع الجيش السوري في البقاع اللبناني قبل سنتين، وأن يجري ذلك بموجب توافق بين الحكومتين السورية واللبنانية وحدهما. وبعد الطائف، لم تتصد السعودية لمساعي النظام السوري لإفراغ الاتفاق من محتواه، حتى التلاعب به وفق مصالحه، كما القضاء على الحياة السياسية اللبنانية. وتركت الرياض سورية تدير لبنان كما تشاء بعد حرب الخليج الثانية، وهذا حصل كذلك من جانب الولايات المتحدة والدول الكبرى. وقد ذكرت رداً على سؤالك السابق أن السعودية حثت "قوى 14 آذار" على الإذعان لاتفاق الدوحة التي قلب كل الموازين لصالح حزب الله وحلفائه. أخيراً، وبعد إسقاط حكومة سعد الحريري في 12 كانون الثاني 2011، أعلنت السعودية انكفاءها عن الملف اللبناني وانسحابها من دبلوماسية "السين سين".

هذا الانكفاء السياسي، صاحبه انكفاء اقتصادي. فكان السعوديون يربطون بإحكام مصالحهم الاقتصادية بمواقفهم السياسية منه، أو بما يجري على ساحة لبنان. فكانت استثماراتهم تتراجع مواكبة لتراجع دبلوماسيتهم. وقد أثبتنا في الكتاب تراجع استثمارات السعودية العام 2006 مواكبة لتأزم علاقاتها بحزب الله على خلفية التسبب في الحرب الإسرائيلية على لبنان، بعدما كانت تلك الاستثمارات في المركز الأول حتى العام 2004. وكانت السنوات التي شهد لبنان فيها توترات سياسية وأمنية: 2000 – 2001، و2004، و2005، و2006، و2008، هي نفسها السنوات التي انخفضت فيها الاستثمارات السعودية المباشرة في لبنان. وفي العام 2006، منعت الرياض رعاياها من زيارة لبنان، وعندما تلقى سفيرها عبد العزيز خوجة تهديدات بالاغتيال مطلع العام 2008، وأُطلقت النار على سيارة دبلوماسي سعودي في بيروت، دعت المملكة رعاياها إلى مغادرة لبنان، وتراجعت استثماراتها فيه. وتكررت دعوة السعوديين إلى مغادرة لبنان قبيل أيار 2008، بعدما توقع الأميركيون "صيفاً حاراً".

6) ولكن لماذا تربط السعودية بين مصالحها السياسية ومصالحها الاقتصادية، وهل يمكن أن تعاقب كل اللبنانيين، إذا لم تتفق مع حزب الله مثلا أو مع أي فريق سياسي لبناني آخر؟

جواب: هي لا تعاقب اللبنانيين، بل ترى نفسها مستهدفة، من قوى جعلت "دبلوماسيتها" تقوم على استخدام العنف والإرهاب، سواء تجاه اللبنانيين أو تجاه الدبلوماسيين ومصالح الدول الأجنبية، وهو ما حصل خلال حرب لبنان، وبخاصة خلال الثمانينيات، وبعد اغتيال الرئيس الحريري. وبين الأعوام 2005 و2011، كانت السعودية أكثر الدول استهدافاً من قبل سورية وإيران، حتى أن "قوى 14 آذار" التي كانت تُحسب عليها، تلقت ضربات إرهابية موجعة من خلال اغتيال أعضاء لها. صحيح أن السعوديين بالغوا في مخاوفهم، ولم يتصدوا لمحاولات إقصائهم عن لبنان، إلا أننا نعرف إمكانات السعودية في ضوء وجود حزب الله المسلح، وأعوان سورية اللبنانيين، وعودة المخابرات السورية إلى الساحة اللبنانية وما قامت به، وآخرها التفجيرين أمام مسجدي السلام والتقوى في طرابلس العام 2013، وقبلها بعام محاولة مشابهة فاشلة لزرع الفتنة المذهبية للوزير ميشال سماحة مع اللواء السوري علي المملوك. والواقع، أننا لم نسمع عن أن المملكة قامت بالاغتيالات أو التفجيرات، بل أن الاتهامات وجهت إلى سورية، على الأقل في ما يتعلق بمحاولات زرع الفتنة في عاصمة الشمال. من هنا، نلاحظ أن استهداف السعودية في لبنان، جعل حكومتها تقرر الانكفاء الدبلوماسي، والخوف على رعاياها، جعلها تمنعهم من القدوم إلى لبنان. وفي هذا المناخ، كان لا بد أن تتراجع الاستثمارات السعودية في لبنان.

7) أشرت د. سنّو في كثير من المرات إلى أن المملكة كانت تعتبر الحليف التقليدي للسنّة في لبنان. كما أشرت إلى أن الرئيس رفيق الحريري شكل الرافعة لهم، واعتبر نفسه مرجعيتهم مع السعودية وسورية. فكيف تقبل إذا المملكة، والحريري عرّاب "الاتفاق الثلاثي"، كما تقول، بأن يُستثنى السنّة من صفقة الاتفاق المذكور الذي عُقد نهاية العام 1985، ويصبحون خارج التسوية السياسية التي أرادتها دمشق ويوضع الحكم بأيدي الميليشيات؟
جواب: وصلت سورية على ما يبدو بعد "اتفاق 17 أيار" ومؤتمري جنيف ولوزان إلى قناعة بأن القوى الفاعلة على الأرض ليست السياسيين ولا الزعامات التقليدية، وإنما الميليشيات التي يتزعمها شبان انخرطوا باكراً في حرب لبنان. فأرادت إخراج تسوية تضع الحكم في أيديهم، وأن يكون هناك اتفاق يجعل علاقات لبنان مميزة معها، أي خاضعة لمصالح دمشق. فاختارت لهذه المهمة ميليشيات الحزب التقدمي الاشتراكي (وليد جنبلاط) وحركة أمل (نبيه بري)، والقوات اللبنانية – جناح إيلي حبيقة. وهناك أكثر من مصدر مقرّب من الحريري ومشارك في المفاوضات حول الاتفاق أكد دور الأخير البارز في تحقيق الاتفاق بتفاصيله التفاوضية والمالية (الرشاوى) منذ صيف العام 1985، حتى تكلل بالتوقيع عليه قبل نهاية كانون الأول 1985.

وفي ضوء الانغماس الكثيف للحريري في الاتفاق، فلا بد أن السعودية كانت على علم بكل مراحله وتفاصيله. فلا يمكن لرجلها الحريري أن يتصرف على هواه طوال شهور طويلة من دون معرفتها. وفي أواخر تشرين الثاني 1985، زار نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام المملكة وشرح تفاصيل الاتفاق أمام وزير الخارجية سعود الفيصل. وبعد التوقيع عليه بأربعة أيام، أبلغ وزير الإعلام السعودي علي الشاعر سفير لبنان في الرياض ظافر الحسن أن موقف المملكة من الاتفاق "هو ما يتفق عليه اللبنانيون ويكون لصالح لبنان وتباركه سورية". وفي مناسبة أخرى، كرر الوزير نفسه أن المملكة "مع كل ما فيه خير اللبنانيين ويتفقون عليه، حتى ولو جاء من دمشق". وصرح الوزير الفيصل أن بلاده ترحب "... بأي اتفاق يتم بين الفئات اللبنانية لايجاد حل جذري للمشكلة يقوم على احترام سيادة لبنان وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي...". وفي ضوء تلك التصريحات وتصريحات سعودية أخرى، يمكن الاستنتاج أن المملكة وصلت إلى قناعة بعد العام 1984 بوجوب الوصول إلى تسوية جذرية للمسألة اللبنانية، وأنها كانت توافق على دور لسورية في إخراجها ورعايتها. وكانت السعودية تعلم أن الحريري يتبنى أفكار الاتفاق. ونحن نعتقد أن خدام والحريري ربما أوهما القيادة السعودية بأن الاتفاق يحظى بقبول واسع من غالبية اللبنانيين، خصوصاً أن جنبلاط وبري وحبيقة كانوا أعمدته الثلاثة. وقد عكست الصحافة السعودية، وهي تلتزم في العادة الموقف الرسمي تجاه القضايا الخارجية، توجه الحكومة السعودية المرحب بالاتفاق بعد التوقيع عليه كي يكون بداية النهاية لمعاناة اللبنانيين. ونحن نعتقد بقوة أن المملكة كانت تعلم أن السنّة كطائفة كبيرة صاحبة التسويات التاريخية في شأن الكيان اللبناني أُبقيت خارج التسوية. فكان الاستعجال السعودي لعقد "الاتفاق الثلاثي" يعود برأينا إلى شعور المملكة بخطر الأصولية الشيعية في لبنان المتأثرة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية على دول الخليج العربية. فأملت الرياض من خلال الاتفاق أن تنضبط الأمور في لبنان بأي شكل من الأشكال، وطالما أن الحريري سيكون في سدة الحكم، فلا خوف على سنّة لبنان. من هنا، نعتقد أن تصفية ميليشيا "المرابطون" السنّية المؤيدة لياسر عرفات في نيسان 1985 على أيدي حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي تم بإيعاز من النظام السوري، كي لا تسبب ازعاجاً للمفاوضات الدائرة بين الفرقاء الميليشياويين برعاية الحريري. أما لماذا يوافق الحريري كعرّاب للاتفاق على إقصاء السنّة عن التسوية السياسية، فهذا يعود برأينا إلى قرار سوري. وقد طرحنا سؤالاً في الكتاب: هل كان الحريري يختصر طائفته السنّية بشخصه؟ والمعروف أنه عمل بعد تسلمه الحكم العام 1992، على إزاحة القيادات السنّية عن الخارطة السياسية، وجعل نفسه متحدثاُ باسمهم ومرجعيتهم لدى دمشق والرياض معاً.

أما عن مكاسب الحريري من وراء صفقة "الاتفاق الثلاثي"، فكانت وصوله إلى الرئاسة الثالثة، وربما بتأييد من نائب الرئيس الأسد عبد الحليم خدام. فكان الحريري يريد التخلص من الرئيس أمين الجميل والإتيان بصديقه جوني عبدو إلى الرئاسة الأولى، فيما يصبح هو رئيساً لمجلس الوزراء. وقد زودتنا مصادر مختلفة بتفاصيل وافية عن طموح الحريري للوصول إلى الرئاسة الثالثة. وعشية التوقيع على الاتفاق الميليشياوي، دعا الحريري المقربين منه، ومن ضمنهم فؤاد السنيورة والفضل شلق إلى الاستعداد لتعيينه رئيساً للحكومة.

8) د. سنّو، ذكرت في كتابك أن سعي الحريري للوصول إلى الرئاسة الثالثة هو "طموح مشروع". لكنك أضأت من ناحية أخرى على "سعي مشروع" له للبقاء في سدة الرئاسة ومنع أحد غيره من منافسته عليها. صحيح أنه أُقصي عن رئاسة الحكومة بين الأعوام 1998 و2000 بمكيدة سورية – لبنانية، إلا أن الحريري واجه منافساً له على تلك الرئاسة من داخل البيت السعودي، بشخص الأمير الوليد بن طلال. وقد أطلقت على هذا التنافس مصطلح "صراع الأثرياء على الرئاسة الثالثة". فهل كان الأمير السعودي جاداً في الحلول محل الحريري، وهل كان يحظى بدعم الرئيس لحود والنظام السوري؟ واللافت أنكم دكتور أشرتم إلى أن الحريري والوليد كانا متشابهين في الطموح السياسي والعصامية والمغامرة، ومن مدرسة رأسمالية واحدة تؤمن أن المال وسيلة للتوظيف وبالتالي تحقيق غايات سياسية.

جواب: هذا صحيح. وهناك تشابه آخر بينهما في المقدمات. فالأمير الوليد هو مواطن سعودي بالأصالة يحمل الجنسية اللبنانية، وجده الزعيم اللبناني رياض الصلح، في حين أن الحريري مواطن لبناني حصل على الجنسية السعودية لقربه من الملك فهد بن عبد العزيز. وفيما طرح الحريري نفسه كوسيط سعودي مكلّف من العاهل السعودي لتخفيف الاحتقان السياسي والأمني في لبنان، أطل الوليد بن طلال على لبنان طارحاً نفسه مصلحاً سعودياً لاقتصاده ومخلصاً له من ديونه المتراكمة. هكذا، بدت كرسي الرئاسة الثالثة الوسيلة التي يريد من خلالها كل منهما منافسة الآخر على طريقته تحت شعار "انقاذ" لبنان، سياسياً واقتصادياً. هنا، دخل الرئيس لحود على خط التنافس بين الوليد والرفيق، وربما غذّاه برعايته حفل افتتاح فندق ومنتجع "موفنبيك" للأمير السعودي العام 2002، حيث كان يريد أن يضعف مكانة الحريري من خلال استخدام الأمير الوليد، وكان قد أبعد الأول عن المنصب بين العامين 1998 و2000. وقد أخذت "المعركة" بين الوليد والحريري طابع الهجوم المتعمد من قبل الأمير على سياسة الحريري الاقتصادية تناقلته الصحف ووسائل الإعلام، معتبراً أن الحريري يتحمل مسؤولية تراكم ديون لبنان، وبالتالي فشل ما يٌسمى بمشروع الحريرية الاقتصادي. وقد نقل الأمير السعودي الصراع مع الحريري إلى الأطراف السنّية، كصيدا وطرابلس، كالتنافس على إزالة جبل النفايات في المدينة الأولى، ودعم الجمعيات الإسلامية في المدينة الثانية. إن شدة التنافس بين الوليد والحريري، جعلت الأمير يؤيد التمديد للرئيس لحود، ما أشعل الموقف بين الوليد و"قوى 14 آذار"، من شخصيات ونواب ووزراء وإعلام. وفي النهاية، لم تدعم المملكة سياسة الوليد بمناكفة الحريري ومنافسته، علماً أن قرار وصول الأمير السعودي إلى الرئاسة الثالثة هو قرار سوري أولاً وأخيراً. وبعد اغتيال الحريري، غابت طموحات الأمير السعودي تجاه الرئاسة الثالثة، وانحصرت في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

9) بين الأعوام 2005 و2008، كثرت الاتهامات للمملكة بأنها تدعم "قوى 14 آذار" في وجه المعارضة المتمثلة بقوى 8 آذار، فضلاً عن دعمها للإرهاب في لبنان. وقد أشرت في أكثر من مكان في الكتاب بأن المملكة لم تكن تؤيد "قوى 14 آذار" في سعيها لانتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس لحود المنتهية ولايته على أساس النصف زائد واحداً. حتى أنها دعت "قوى 14 آذار" إلى القبول باتفاق الدوحة وبالتالي إعطاء المعارضة "الثلث الضامن". هل يعود ذلك إلى واقعية سعودية، أم نتيجة ضعفها السياسي بين العامين 2007 و2008؟

جواب: الواقع أن الدبلوماسية السعودية اتسمت بالواقعية في تلك المرحلة. فكانت تدرك عن حق ضعف "قوى 14 آذار" أمام المعارضة، وبخاصة حزب الله الذي كان يلوح بسلاحه لفرض شروطه على "الموالاة" بانتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للحود لا يكون محسوباً على "قوى 14 آذار"، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بثلث ضامن لها. فرأت عن حق أن انتخاب رئيس بنصف عدد النواب زائداً واحداً، سوف يجعل شرعيته مطعونا بها من قبل المعارضة، فيفقد بالتالي قدرته على الحكم. ورأت أن طريقة الانتخاب هذه تشكل استفزازاً لحزب الله، الذي قد يستخدم سلاحه لتغيير التوازنات الداخلية. وهذا دليل على أن المملكة كانت تعمل على صيانة السلم الأهلي في البلاد. وفي تاريخ لبنان، لم تجر انتخابات رئاسية على أساس النصف + 1 في الدورة الأولى. من هنا، نصحت المملكة "الموالاة" وسعد الحريري بعدم الاستجابة للنصيحة الأميركية المدمرة في هذا الخصوص. وكانت المملكة تعمل بجهد لافت على منع كأس الفتنة المذهبية بين السنّة والشيعة على خلفية "المحكمة الدولية الخاصة بلبنان" ومحاولات "قوى 14 آذار" تجريد حزب الله من سلاحه منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان العام 2006. كل هذا لم يمنع القوى المتضررة من الحضور السعودي على الساحة اللبنانية من الهجوم عليها وكيل الاتهامات لها. وما لبث الوضع الأمني أن انفجر في البلاد، عندما استغل حزب الله وأتباعه المرسومين الحكوميين الشهيرين ضده (شبكة حزب الله الهاتفية ونقل العميد شقير) لاجتياح بيروت عسكرياً في مطلع أيار 2008 والانقلاب على حكومة السنيورة. وبسبب ضعفها على الأرض الذي أنعكس على "قوى 14 آذار"، رضخت الرياض بواقعية للأمر، فيما قبلت "قوى 14 آذار" بمضامين "اتفاق الدوحة" (أيار 2008)، الذي شكل كسباً للمعارضة اللبنانية. فجرى انتخاب العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس "الثلث الضامن" للمعارضة. وأريد أن ألفت، عزيزتي كلود، إلى أن "الثلث الضامن" لم يرد في الدستور اللبناني، لكنه كان من وحيه، لأن حكومة السنيورة الثانية تشكلت على أساس حجم القوى في مجلس النواب، علماً أنه لم يكن لقوى 14 آذار أكثرية ثلثي النواب في المجلس بعد الاغتيالات التي طالت أعضاءها. وهذا يعني أن المعارضة حصلت حكماً على "الثلث الضامن" وفق حجمها البرلماني. على كل حال، تمكنت المعارضة من التحكم بحكومة السنيورة، وفيما بعد بعمل حكومة سعد الحريري على أساس "الثلث الضامن". وفي 12 كانون الثاني 2011، تمكنت من إسقاط حكومة الحريري.

أما عن الإرهاب الذي ضرب لبنان على يد تنظيم "فتح الإسلام" صيف العام 2007، وما روجته المعارضة وأقلامها في لبنان والخارج عن تورط المملكة فيه، فلا توجد أدلة تدين السعودية، وإن شارك سعوديون في انقلاب تنظيم "فتح الإسلام" على الدولة اللبنانية. فكانت المملكة تحارب الإرهاب عندها في الداخل السعودي، وتدينه في الخارج، وتشجب حوادث الإرهاب التي ضربت لبنان، من محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة إلى الاغتيالات التي طالت "قوى 14 آذار" بين الأعوام 2005 و2007، ثم تفجير عين علق في شباط 2007، ومعارك نهر البارد صيف العام الأخير. وكانت تعتقد أن هناك من يستهدف لبنان بنسيجه الطوائفي للقضاء عليه موحداً. إن المساعدات العسكرية والمالية التي قدمتها المملكة للحكومة اللبنانية خلال معارك نهر البارد صيف العام 2007 دليل على رفضها الإرهاب. وقد أوردت في كتابي تفاصيل مقنعة تنفي الإرهاب عن الحكومة السعودية، وأن ما سيق بحقها من اتهامات ملفقة هدفها الإساءة إلى دورها في لبنان، باعتبار أن مواطنين سعوديين شاركوا "فتح الإسلام" في معارك مخيم نهر البارد. لكن شاكر العبسي، زعيم التنظيم، هو صناعة مخابراتية سورية، كما هو معروف.

10) اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان، كيف تقيّم دور السعودية فيه من النواحي الإيجابية والسلبية؟

جواب: بعد مرور أكثر من عقدين من التوصل إليه، لا يزال السعوديون يشبهون "اتفاق الطائف" بـ "الرجل الفاضل الذي لا يُعاب أبداً". وقد اعتبر الكثير من اللبنانيين أن الاتفاق أفضل المتاح ولا غنى عنه، في ظل عدم وجود بديل منه توافق أغلبيتهم عليه. والدور السعودي في الاتفاق واضح ومهم، ونحن نعرف الدبلوماسية المكثفة لوزير الخارجية الراحل سعود الفيصل في أروقة الطائف والجهود الضخمة التي بذلها مع النظام السوري لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار، وتوقيع النواب المتحاورين على وثيقة الاتفاق. من إيجابيات الاتفاق أنه تحقق بعد جهود دبلوماسية للمملكة طوال 15 سنة تقريباً، تخللتها نكسات. فمن أهم الايجابيات أنه نقل لبنان من حالة التحارب إلى حالة السلم الأهلي، وأعاد بناء الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وتثبيت السلطة المركزية، وحسم مسألة الهوية والانتماء ونهائية لبنان، وشكل فرصة جديدة لتعايش اللبنانيين يقوم على توازن جديد مقبول للسلطة. لكن هناك نواح سلبية، أهمها الإبقاء على النظام الطائفي، في ظل طائفية مجتمعية متشبثة في البناء التحتي للمجتمع اللبناني تنعكس على المصالح السياسية للطوائف. وقد رأينا سلبيات الطائفية المجتمعية في المرحلة بعد الطائف حتى اليوم. صحيح أن الاتفاق قرر حل الميليشيات، إلا أن سورية أبقت على سلاح حزب الله وميليشيات فلسطينية تابعة لها. ومن مساوئ الاتفاق هو انتقائية النظام السوري في تطبيق ما يناسبه، والقوانين المخالفة له التي كانت تصدر استنسابياً وفق مصالح النظام السوري وأتباعه اللبنانيين (قانون الانتخابات والحنسية). كما أن السعودية ابتعدت عن الشأن السياسي اللبناني المباشر، تاركة رفيق الحريري يحكم تحت مظلة الاحتلال السوري. وبالنسبة للسياسيات العربية والدولية تجاه لبنان، فقد أوكل الجميع، وفي مقدمهم الولايات المتحدة، سورية كي تدير لبنان، تحت هاجس روجته دمشق بأن خروج عسكرها من البلاد يعني عودة الحرب الداخلية. هكذا، بقي العسكر السوري في لبنان حتى العام 2005.

11) يبين الكتاب أن السعودية، في كل مرة كان لبنان يمر بأزمات، كانت تطلق مبادرات من دون حلول ناجعة، وفي أحيان كثيرة كانت تنكفئ، لماذا هذه المواقف المترددة وغير الحازمة؟

جواب: في كثير من الأحيان، نجحت السعودية في وضع حلول لأزمة لبنان، من دون أن يصل بعضها إلى خواتمه السعيدة. وفي أحيان أخرى تمكنت من تخفيف حدة الاحتقان أو إطلاق النار وعقد مصالحات. لكن دبلوماسيتها كانت تصل إلى طريق مسدود عندما تعرقل سورية مساعيها الحميدة لحل الأزمة اللبنانية، كما حصل في "اتفاق 17 أيار" 1983، وقبيل محادثات لوزان العام 1984، وأخيراً في "اتفاق الطائف"، عندما رضخت "اللجنة الثلاثية العربية العليا" للضغوط الأميركية بالتساهل مع سورية، بأن يكون تموضع الجيش السوري بعد سنتين من اتمام بعض مخرجات "اتفاق الطائف"، وليس بعد مرور ستة شهور، وبالتوافق بين الحكومتين السورية واللبنانية فقط. وهذا يعني أنه كان أمام الدبلوماسية السعودية ثلاثة مسارات: المواجهة، وهي غير موجودة في قاموس المملكة في المرحلة قبل العام 2011، فضلاً عن عدم وجود ميليشيات تابعة لها على الأراضي اللبنانية تأتمر بأوامرها، أو الإنكفاء عن الساحة اللبنانية موقتاً، وهذا ما حصل في بعض المراحل، أو الإذعان للضغوط عليها. وعلينا ألا ننسى أن سورية كانت موجودة على الأرض في لبنان بجيشها ومخابراتها وأدواتها من الميليشيات، حتى أنها تمكنت منذ العام 1983 من التصدي لسياسة واشنطن في لبنان، وأرغمت الدبلوماسية الأميركية على التنسيق معها في الانتخابات الرئاسية. وبعد حرب الخليج الثانية، حصل الاحتلال السوري للبنان على رضا الأميركيين ومساندتهم، حتى أن السعودية وجدت نفسها تدعم الوجود السوري في البلاد، في ظل وصول رجلها رفيق الحريري إلى الرئاسة الثالثة.

12) بين لغة السلاح (سوريا وإيران) ولغة المال (السعودية) وقع لبنان بين فكي كماشه، فلا أمنه استتب ولا ديونه سددت، فأين السعودية اليوم من كل ما يجري في لبنان؟

جواب: نحن نجد أن لغة السلاح في لبنان كانت أقوى من لغة المال، خاصة إذا كان الموضوع يتعلق بالدول ومصالحها. خلال حرب لبنان وبعدها، كانت السعودية تدعم الدولة السورية بالمال لمساعدتها على التغلب على مشكلاتها الاقتصادية. لكن رأينا، أن النظام السوري كان يحصل على المال السعودي، من دون أن يستجيب للرغبات السعودية في تخفيف الاحتقان في لبنان، وذلك وفق مصالحه. وهذا يعود إلى أن السوري كان يرى أن مصالحه أهم مما يحصل عليه من مال سعودي. ولهذا السبب، لم تنفع لغة المال السعودي مع السوري. أما إيران، فراوحت علاقاتها بالسعودية بين المد والجذر حتى مجيء علي أكبر هاشمي رفسنجاني إلى سدة الرئاسة وبعد محمد خاتمي، فجرى تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران. ومنذ عهد محمود أحمدي نجاد العام 2005، حصل تدهور للعلاقات بين الجانبين على خلفيات تدخل إيران في المنطقة العربية ولبنان، وأنشطتها النووية (لغة السلاح). وطبيعي، في ظل لغة السلاح هذه، لم يستتب أمن لبنان، لأن السلاح كان إما خارج إرادة الدولة اللبنانية أو خارج إرادة نصف اللبنانيين على الأقل. وبعد تنكر المعارضة اللبنانية بقيادة حزب الله للدور السعودي منذ مطلع العام 2011، نرى أن المملكة انكفأت عن الساحة اللبنانية، ثم عادت إليها مع انطلاق "الربيع العربي" في سورية وتحوله إلى ثورة منذ خريف العام المذكور، وفي اعتقادها أن عليها أن تكون على مقربة مما يجري في سورية. ولأن لبنان بدأ يتعرض للإرهاب، رأت المملكة العام 2013 أن تدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية بمساعدات عسكرية تأتيهما من فرنسا. لكن استمرار الهجوم عليها من قوى المعارضة اللبنانية، جعلها تسحب الهبة البالغة 4 مليارات دولار، وتنكفئ مجدداً عن الساحة اللبنانية. أما مسألة ديون لبنان، فليست السعودية مسؤولة عنها، بل هي سياسات الحكومات اللبنانية السابقة، والطبقة السياسية الفاسدة، ونهب النظام السوري لاقتصاد لبنان، ومع المافيات اللبنانية التي تبعت له، كما الخلافات بين اللبنانيين – كلها أضرت بالاقتصاد. لقد دعمت المملكة لبنان في 4 مؤتمرات مالية دولية لمساعدته، وهي باريس 1 و2 و3، وستوكهولم 2007. واليوم لدى المملكة مشكلات خارجية ضخمة، منها الجيوساسة وما يحصل في محيطها ويتهددها، من الخليج العربي واليمن والبحرين والعراق، إلى سورية ومساعي إيران لإلحاقها بنفوذها، ومنها أيضاً تدهور أسعار النفط، ما يؤثر في برامج التنمية عندها. ولهذا، نرى أن السعودية منكفئة عن لبنان في الوقت الراهن. والسعوديون حساسون جداً من عدم الوفاء ونكران الجميل. فبعدما كانت الأولى بين دول العالم التي تقدم المساعدات والهبات والودائع للبنان، وأول دولة في التاريخ تقدم هبة لدولة أخرى بقيمة 4 مليارات دولار دفعة واحدة لدعم جيشها، نرى أنها تعرضت إلى هجوم ممنهج ومبرمج من قبل سورية وإيران ومن يدور في فلكهما في لبنان. لذا، فضلت الانكفاء. لكني أعتقد أن القيادة السعودية الشابة سوف تراجع سياستها تجاه لبنان في وقت مناسب، إذا ما أظهر لبنان، دولة وشعباً، احتراماً وتقديراً ما فعلت معه. وبرأينا، من أحب لبنان طوال السنين الماضية، لا يستطيع أن يدير ظهره له.

13) د. عبد الرؤوف. لقد خصصت الفصل الأخير من المجلد الثاني للحديث عن التقديمات السعودية للبنان بين الأعوام 1980 و2010، من مساعدات وهبات ومكرمات وودائع بالدولار لدى مصرف لبنان، وألحقت به جداول إحصائية ورسوم بيانية. هل كانت هذه المساعدات مغلفة بأهداف سياسية أم منزهة عن ذلك؟

جواب: حتى قبل ظهور النفط عندها، عكفت المملكة على دعم لبنان بإمكاناتها السياسية والدبلوماسية، فوقفت إلى جانب استقلاله وسيادته على أراضيه، وأبدت ترحيبها بتعدديته الدينية. وبعد الحرب العالمية الثانية، أصبح لبنان منفذاً للنفط السعودي (مصفاة الزهراني)، ونمت العلاقات التجارية بين البلدين، وقصد السعوديون، أمراء ومواطنون، لبنان بغرض الاصطياف والاستجمام، فيما زار حجاج لبنانيون الأماكن المقدسة أكثر من السابق، وهبط لبنانيون من الاختصاصات كافة في المملكة للعمل على نهضتها. فنشأ من خلال ذلك علاقات خاصة فريدة بين البلدين، ترجمه السعوديون بمحبتهم وبدفاعهم عن الصيغة اللبنانية والتعايش بين العائلات الدينية. وعندما وقعت الحرب الداخلية العام 1975، ساندت المملكة لبنان من خلال مبادراتها لحل أزمته. وفي الوقت نفسه، دعمته بالمساعدات والهبات، بسبب التدهور الذي لحق باقتصاد وماليته وببنيته التحتية. من هنا، بدأت رحلة المملكة في مؤازرة لبنان طوال حربه الداخلية وبعدها في مرحلة إعادة الإعمار عقب "اتفاق الطائف". والمعروف، أن دور المملكة الرائد في "اتفاق الطائف"، حتم عليها الوقوف إلى جانب لبنان، حكومة وشعباً، في إعادة بناء ما خلفته الحرب. فسخت في تقديماتها من الهبات والقروض للبنى التحتية وقطاعات الخدمات والمدارس والجامعات وخلافه. فكانت الدولة الأكثر سخاء وكرماً مع لبنان. كما دعمت في الوقت نفسه المالية اللبنانية بتقديمها الودائع لمصرف لبنان من أجل دعم العملة الوطنية، وذلك استجابة للاعتداءات الإسرائيلية عليه التي كانت تهدف إلى تدمير اقتصاده.

وحول سؤالك عما إذا المساعدات السعودية مغلفة بأهداف سياسية، أقول إن هناك جانباً سياسياً في التقديمات التي تقدمها الدول لغيرها من الدول الأخرى التي تواجه ظروفاً اقتصادية صعبة أو لديها برامج تنمية. أما بالنسبة إلى السعودية، فقرارها بمساعدة لبنان كان ينبع من هدف واحد، وهو الابقاء عليه منيعاً على تدخلات الخارج، فضلاً عن تعزيز اقتصاده وأمنه المجتمعي. وللتدليل على ذلك، دعمت المملكة لبنان بأكثر من 4 مليارات دولار بين الأعوام 1980 و2008. ومن يطلع على الجداول في فصل المساعدات (الفصل 12)، يدرك أن السعودية كانت للجميع في لبنان، بغض النظر عن الطائفة والمذهب أو الجغرافيا. خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان العام 2006، قدمت المملكة مبلغ 750 مليون دولار لإعمار 208 قرى مدمرة، من ضمنها 167 قرية في جنوب لبنان، و36 عقاراً مؤلفاً من 876 وحدة سكنية في ضاحية بيروت الجنوبية. وقد بلغ إجمالي المساعدات السعودية لمحافظات الجنوب والنبطية والبقاع 276 مليون دولاراً، يُضاف إليهم قرابة 32 مليون دولار إجمالي قيمة المساعدات السعودية لإعمار المباني في الضاحية الجنوبية، ما يرفع إسهامات المملكة للضاحية الجنوبية وللمحافظات الثلاث ذات الغالبية الشيعية إلى 310 ملايين دولار. وهذه الأرقام تثبت أن المساعدات السعودية للبنان كانت منزهة عن الأغراض السياسية، وتدحض في الوقت نفسه الشائعات المغرضة التي كانت تروج لدى الشيعة بأن المملكة لم تفعل شيئاً لمناطقهم، كرد على الانتقاد الذي وجه الملك الراحل عبد الله لحزب الله في حاثة أسر جنديين إسرائيليين في تموز 2006.

14) عالج الكتاب موضوع العلاقات بين لبنان والسعودية بمنهجية علمية بحتة بعيداً عن أي تأثر يفرضه المحيط والمجتمع، فكيف استطعت الإلمام بالموضوع بهذه الشمولية التي لم تترك ناحية سياسية واقتصادية وسياحية وحج إلخ.. إلا وعالجتها؟

جواب: عندما وضعت كتابي "حرب لبنان 1975 – 1990"، اتخذت منهجية البحث الشامل لكل أوجه الحرب. أردت يومها أن أرخ لكل تفاصيل الحرب، ليس بشكل موسعي فحسب، بل بعمق، بأن أتقصى كل جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والمعرفية والسلوكية، بحيث أقدم للقارئ، وبخاصة لجيل الشباب الذي لم يعش الحرب، دراسة متكاملة تجعله يفهم الحرب وأسبابها من كل جوانبها، والأضرار التي تسببت بها على الاقتصاد والمجتمع والتعايش. وبالنسبة إلى كتاب السعودية ولبنان، فهو من الطراز نفسه، يؤرخ لكل جوانب العلاقات ولمرحلة طويلة تناهز 7 عقود. وبالطبع، يتطلب هذا العمل الصبر والجلد والتأمل الطويل، ومنهجية صارمة تقوم أولاً على معرفة العلوم التي يتطلبها البحث، من سياسة ودبلوماسية واقتصاد وإحصاء واجتماع إلخ.. لكني واجهت صعوبات كثيرة في تجميع المادة العلمية، من أرشيف، ومواقع رسمية سعودية، ومؤسسات اقتصادية وبحثية، ودوريات وصحف ومقابلات. وفي قضايا العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وجدت تضارباً في المعلومات حول حجم الاستثمارات السعودية في لبنان، فكان علي العودة إلى أكثر من مصدر. وللأسف، لم أجد مساعدة من هيئات اقتصادية لبنانية تدعي العلاقات الطيبة مع المملكة، كي تزودني بالمعلومات. كما اتصلت برئيس الجالية اللبنانية في السعودية، ولم يرد على استفساراتي. والوحيد الذي أجانبي عن تساؤلاتي هو المقاول في السعودية السيد خالد زيدان، وفي لبنان السيدة رانيا أفرام، كريمة الصناعي الراحل جورج أفرام.

15) لقد ذكرت في تقديم كتابك بأنك تؤرخ لمرحلة لا تزال تداعياتها السلبية مستمرة، و"أن كل السياسيين المحليين وزعماء الأحزاب سوف يجدون أنفسهم في الكتاب، وبأنك تكشف عن اتصالاتهم بالقوى الإقليمية والدولية، وصولاً إلى استتباع لبنان للخارج". هل بإمكانك أن تشرح أكثر ما المقصود باستمرار التداعيات السلبية للمرحلة تحت الدراسة حتى اليوم، ومن هم اللاعبون المحليون الذين عملوا على استتباع لبنان للخارج؟

جواب: منذ اغيتال الرئيس الحريري العام 2005، لا تزال تداعيات هذه الجريمة مستمرة سياسياً ومجتمعياً وعلاقات خارجية. فالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لا تزال تعقد جلساتها بانتظار الحكم على المتورطين ومن يقف وارءهم. واللبنانيون منقسمون على أنفسهم من الجريمة ومن المحكمة الدولية، وهذا تسبب بانقسامات بين القوى السياسية، وبين أبناء الطوائف والمذاهب. كما أن الدور السوري في لبنان منذ العام 1976 حتى العام 2005، لا يزال مدعاة للشقاق بين اللبنانيين. ومنذ العام 2011، فاللبنانيون منقسمون حول ما يجري من سورية، "قوى 8 آذار" تدعم الأسد ضد ثورة شعبه عليه، و"قوى 14 آذار" تدعم القضاء على النظام هناك. وفي ظل ذلك، هناك خلافات حول هوية لبنان بعد تدخل حزب الله في سورية، والبعض ينادي بمؤتمر تأسيسي لوضع نظام جديد لبنان، فيما الجميع منقسم حول قانون الانتخابات وحول سياسة لبنان الخارجية وكيف تدار. حتى أن هناك تشكيكاً بالميثاقية التي تجمع بين اللبنانيين. لكن برأيي، فإن كل الطبقة السياسية فاسدة، سواء أكانت في هذا الجانب أو في الجانب الآخر، وأكبر دليل على ذلك هو عدم انتخاب رئيس للجمهورية، والتمديد لمجلس النواب، والشلل في المؤسسات، وتدهور الاقتصاد اللبناني. إن وجود النفايات في شوارع المدن منذ سنة من دون حل، والانقطاع في خدمات الكهرباء والمياه، هما أكبر دليل على فشل الطبقة السياسية. وقد تناولت في الكتاب، مسؤولية كل الفرقاء اللبنانيين عما يحصل في بلدهم وبأيديهم. في السابق كان اللبناني يستدعي، لأسباب طائفية، الخارج الذي على شاكلة مذهبه للتدخل في لبنان للاستقواء به على شريكه في الوطن. واليوم أصبح اللبناني تابع لهذا الخارج ينفذ سياساته، التي هي بالتأكيد لا تمت لمصالح لبنان الوطنية. فما من فريق يتبع سياسة وطنية، وإنما ما يمليه عليه الخارج. حتى أن السيد حسن نصر الله أعلن جهاراً أنه يتلقى المال والسلاح والصواريخ وكل ما يؤكل ويشرب من إيران. من هنا، فالكل سوف يرى نفسه في الكتاب، كيف أن علاقته بالخارج أدت إلى استتباعه لهذا الخارج.

16) بعد هذه الدراسة التي تمتد على جزءين (ألف صفحة)، كيف ترى مستقبل العلاقة بين المملكة السعودية ولبنان؟

جواب: لا أعتقد أن السحابة الحالية في العلاقات بين المملكة ولبنان ستستمر طويلاً. فالمملكة أكدت باستمرار وطوال حقبة البحث وبعدها محبتها للبنان وبرغبتها في أن ينأى بنفسه عن الصراعات الخارجية. وإذا تمكن اللبنانيون من التوافق في ما بينهم، ومن إيجاد صيغة مقبولة لإدارة علاقاتهم الخارجية، فسوف تعود العلاقات بين البلدين إلى رونقها الطبيعي السابق. وأعتقد أن المطلوب من الدول الخارجية تحييد لبنان عن صراعاتها، وعلى إيران أن تُخرج لبنان والعالم العربي من مشاريعها المذهبية والجيوسياسية. لكن قبل كل شيء، المطلوب من اللبنانيين أن يعوا مصالحهم الوطنية ويتضامنوا مع بعضهم البعض، ويدافعوا عن لبنان في وجه الأخطار المحدقة، وإلا لبنان سائر إلى السقوط النهائي.

(حوار - كلود أبو شقرا)
 

  • شارك الخبر