إستمع للخبر

بشيء من الخفة والاستهتار تُدير الحكومة الميقاتية أحوال البلد وقضاياه العالقة. وقد أثبتت التجربة اللبنانية ان كل ما يُحكى عن وزراء اختصاص أو محايدين وما شابه من مصطلحات تستقطب رواد السوشيل ميديا، ما هي الا عناوين فضفاضة لواقع أليم يقودنا بسرعة جنونية الى الفوضى والاقتتال وكل تلك الصفات التي تسعى الطبقة السياسية الى الهروب منها.
ما يحصل مع بداية الـ 2023 هو نتيجة السياسات التي اعتُمدت لاسيما بعد 17 تشرين وقرارات الحكومات التي وُلدت مع الرئيس حسان دياب وبعده الرئيس نجيب ميقاتي، حيث نلحظ أن الوزراء الذين تم تعيينهم لمحاكاة الشارع غالبيتهم من "الفجعانين" لشهوة السلطة حيث كبُرت "الخسة" برأسهم وبات العديد منهم طامحا الى منصب رئاسي، فيما يدير هؤلاء وزاراتهم معتمدين على مجموعة من المستشارين المُدارين بدورهم من قبل أحزاب سياسية أو مجموعات مدنية غايتها عقد الصفقات مع تجار الازمة.
ميقاتي الذي غادر الى قبرص لبحث ملف ترسيم الحدود مع الجزيرة الجارة، يسعى الى بيع المواطنين الوعود بأنه ماض بسياسة ادارة الازمة ومنع الانهيار، وهو سمع من وفد صندوق النقد الدولي كلاما قاسيا لجهة توصيف الواقع النقدي والاقتصادي في البلاد حيث أكد الوفد أن لبنان لن يصمد لأسابيع وأن الامور إن استمرت على هذا المنوال قد نتجه نحو افلاس الدولة اللبنانية بالمعنى الاقتصادي، وهو أمر يعكس مدى خطورة الازمة التي نعيشها خصوصا وأن رئيس الحكومة يُصر على ارضاء القوى السياسية ويمتنع عن اتخاذ الاجراءات التي يمكن ان تُفرمل ولو بالحد الأدنى عملية الانهيار والافلاس، بل يسعى ميقاتي الى عقد جلسات للحكومة بحجة تسيير أمور الناس ودعم الدواء ورواتب المعلمين وغيرها من القضايا المهمة بالنسبة للرأي العام، وهي في الواقع زيادة الكتلة النقدية في السوق عبر رفع الاجور فيما المطلوب تقليص حجم تلك الكتلة التي تبحث عن دولار لتغطيتها.
يعلم ميقاتي أن حكومته لن تتمكن من الاستمرار في زمن الفراغ الرئاسي وفي ظل مجلس نواب معطل، فقد وُضعت بحسب المثل الشعبي "في بوز المدفع"، فلا وزير الاقتصاد وجولاته الرقابية "المفاجئة" على السوبر ماركات والتي تُوزع على الاعلام قبل 24 ساعة وبصورة عاجلة، قادر على ضبط التفلت الكبير بالاسعار أو مراقبة سعر صرف الدولار الذي يشهد تقلبات بين سوبر ماركت وأُخرى، ولا وزير الصناعة الباحث عن مناقصات لشركته المتخصصة بالمعدات الطبية، قادر على تغطية مصاريف المصانع أو تقديم التحفيزات لاداراتها للاستمرار. فغالبية الوزارات رفعت العشرة واستسلم وزراؤها للتجار والمُضاربين الذين نجحوا بخرق النظام، فيما ميقاتي يُصر ويُؤكد ويحسم لصندوق النقد أنه يقود السفينة بعزم واصرار.
ورغم معرفته المسبقة ببعض الخطوات القادرة على ضبط ايقاع سوق الصرف، يمتنع ميقاتي عن اتخاذها ومنها سحب الكتلة النقدية من السوق وتحصيل الايرادات الضريبية بشكل أفضل على ما هي عليه اليوم، لاسيما وأن بعض الدوائر الضريبية مقفلة وبعضها الآخر في السجن بتهم الاختلاس والتبييض، مع علم ميقاتي وحكومته ان هذه العناوين التي يستعملها القضاء المالي هي غب الطلب اذ يتبين لاحقا أنها سياسية ويتم اسقاطها عند قاضي التحقيق أو عبر الهيئة الاتهامية.
أوساط نيابية تُحذر عبر "ليبانون فايلز" ميقاتي في حال استمر على نهجه هذا من اسقاطه في الشارع، مذكرة اياه بسيناريو اسقاط عمر كرامي في التسعينات حين كان للاطارات المشتعلة في ذلك الوقت وقعها في الشارع. وتشير الاوساط الى أن ميقاتي قد يُقدم على الاستقالة في حال وصلت الامور الى حائط مسدود وتكرر سيناريو 17 تشرين بصورة أسوأ، عندها لن يحمل رئيس تيار العزم وزر أخطاء الطبقة السياسية وسيلتحق حكما بسلفه الرئيس سعد الحريري.