hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - شارل جبور - الجمهورية

3 خلاصات سياسية - رئاسية

الإثنين ٥ حزيران ٢٠٢٣ - 07:58

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ماذا بعد إعلان معظم مكوّنات المعارضة و»التيار الوطني الحر» عن مرشحهم الرئاسي؟ وهل سيقود هذا الإعلان إلى انتخاب رئيس للجمهورية أم يَتواصل الشغور فصولاً؟ وكيف سيرد الثنائي الشيعي؟ وهل يمكن الكلام عن بدء العد العكسي لانتخاب رئيس؟

إحتفظت المعارضة بالمبادرة الرئاسية منذ مطلع المهلة الدستورية لهذا الاستحقاق، فكانت أوّل مَن رَشّح وخاضت 11 جلسة انتخابية بمرشحها، فيما كان الفريق الآخر يقترع بالورقة البيضاء، وتَحَدّت هذا الفريق بعدم تعطيل النصاب، كما تَحدّته بجلسات انتخابية مفتوحة. وعندما أعلن عن مرشحه لم يوجِّه الدعوة إلى اي جلسة انتخابية، وبرّر ذلك مُتذرّعاً بأنّ مرشّح المعارضة ليس جدياً، علماً انه أكثر مِن جدّي، وكانت تُطالبه في الذهاب إلى مُنازلة انتخابية، وعندما وجدت انّ الاستحقاق الرئاسي دخل في جمود، عَملت على تغيير قواعد اللعبة عن طريق التقاطع مع «التيار الوطني الحر» على مرشّح ضمن اللائحة التوافقية.

وسَعت المعارضة منذ بدء المهلة الدستورية إلى توحيد صفوفها خلف النائب ميشال معوض بِهدف تَجاوز عتبة النصف + واحد، ولكنها لم تُفلح بذلك، ولو نجحت لَما كانت بحاجة إلى التقاطع مع التيار، لأنّ أي فريق يجمع 65 نائباً يَحشر الفريق الآخر ويُصعِّب عليه مهمة عدم الدعوة لجلسة انتخاب بسبب الضغوط التي ستنهال عليه من الداخل والخارج، فيما استمرار تمسّكها بمرشحها يُبقي الجمود الرئاسي على حاله، وهذا تحديداً ما يريده الفريق المُمانع الذي اعتاد رِبح مَعاركه عن طريق تجميد الاستحقاقات إلى حين تَراجُع الفريق الآخر. لكنّ المعارضة لم تكن في وارد التراجع هذه المرة، إلا انها أحسنت «اللعب السياسي» من خلال إقرارها أولاً بعدم قدرتها على إيصال مرشحها، وهذا ما ينطبق أيضاً على ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل» العاجِز بدوره عن إيصال مرشحه، وتَحَيُّنها ثانياً اللحظة المناسبة للانتقال إلى مرشّح جديد بالتقاطع مع «التيار الوطني الحر» وبما يُعزِّز الرصيد النيابي الداعم لهذا الترشيح، وتَماهيها ثالثاً مع البطريرك الراعي الذي دعا إلى اختيار مرشّح من اللائحة التوافقية تجسيداً لمعادلة «لا غالب ولا مغلوب»، ومخاطبتها رابعاً المجتمع الدولي بأنها تخلّت عن مرشحها لمصلحة مرشّح وسطي وعَزّزت رصيده بما يجعل مسؤولية استمرار الشغور تقع على الفريق المُمانِع بشكل واضح وصريح.

وأهمية التقاطع بين المعارضة و»التيار الوطني الحر» على مرشّح رئاسي تَكمُن في انه قدّم على المستوى الوطني صورة تعددية لمجموعة نيابية مِن مَشاربَ مختلفة نجحت في ان تلتقي في منتصف الطريق، مُقدّمَة نموذجاً عن كيفية الالتقاء ضمن مساحة مشتركة عندما يتعذّر على اي فريق تحقيق أهدافه بنفسه. وبالتالي، عمدت إلى خلط الألوان بهدف إنهاء الشغور الرئاسي، فيما الفريق الممانع كناية عن لون واحد ويتمسّك بمرشّح من لونه السياسي رافضاً الإقرار بأنّ ميزان القوى النيابي لا يسمح له بانتخاب مرشحه، ومُراهناً على عامل الوقت لعله يدفع أخصامه إلى التراجع عن موقفهم والتسليم بشروطه الرئاسية.

وأهمية هذا التقاطع أيضاً انه قدّم على المستوى المسيحي وحدة موقف على رغم الخلاف في التوجهات الوطنية بين مكوناته، ما جَعله في موقعِ قوة خصوصاً انّ الموقع الرئاسي مسيحي، وكَسْر المسيحيين في أحد أبرز مواقعهم من قبل فريقٍ مذهبي يشكّل ضَرباً للميثاق الوطني وإخلالاً بالشراكة وقهراً لفئة لبنانية. ومع هذا التقاطع المسيحي أصبحَ من الصعوبة بمكان تجاوز الإرادة المسيحية، وقد عبّر البطريرك الراعي في أكثر من موقف عن ارتياحه لهذا التطور الذي لم يَعد بالإمكان تجاوره، وأبلَغه إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فضلاً عن ان هذا التقاطع بين القوى الأكثر تمثيلاً مسيحياً أسقَطَ ذريعة انّ مسؤولية الشغور مسيحية.

أمّا وقد اتفقت هذه القوى، فما عليها سوى القول لِمَن كان يتذرّع بعدم اتفاقها، ان يُسلِّم بنتيجة هذا الاتفاق.

وأهمية هذا التقاطع أيضاً وأيضاً تكمُن في توقيته بعد سبعة أشهر على الشغور الرئاسي وتَزامنه مع ضغوط خارجية لانتخاب رئيس والتلويح بالعقوبات على الفريق المعطِّل، وضغوطٍ كَنسية مع تحويل البطريرك الانتخابات الرئاسية إلى أولوية من أولوياته يجول في سبيلها على عواصم القرار ويلتقي القوى السياسية بعيداً من الأضواء، وهو لم يُخفِ رغبته الصريحة التي عبّر عنها مراراً وتكراراً بضرورة انتخاب رئيس ضمن المساحة التوافقية على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، وضغوط من الرأي العام الذي أرهَقَه الانهيار المتواصل فصولاً ويريد إنهاء الشغور فوراً.

وأمام هذه التطورات فقدَ الفريق المُمانع حُجَجه تِباعاً، بدءاً من مقولة المرشّح غير الجدي واضعاً نفسه في موقع المصنِّف للمرشحين وكأنه لجنة فاحصة بدلاً من المُنازلة الانتخابية التي تقود إلى انتخاب رئيس، مروراً بتصنيف الترشيح الجديد للمعارضة والتيار بأنه مرشّح مناورة، والهدف منه استبعاد مرشحهم الرئاسي، وكأنّ هذا الأمر من المُحرّمات التي تستدعي الإدانة والشجب لا الدعوة إلى جلسة انتخاب، فيما ترشيح النائب ميشال معوض أكثر من جدي، وترشيح الوزير السابق جهاد أزعور من فئة الجديّة نفسها بعدما تَعذّر انتخاب معوض، فضلاً عن انه من بديهيات الحياة السياسية أن يسعى هذا الفريق إلى استبعاد مرشح ذاك الفريق، إلّا لدى فريق المُمانعة الذي يعتبر هذا الأمر خروجاً عن أصول اللعبة الديموقراطية التي تتطلّب البَصم على مرشحهم الرئاسي.

أمّا آخر ما ابتكَره هذا الفريق من حجج بأن لا جلسة انتخاب في ظل مرشحَي تحدٍّ، اي الانتقال من رفض الدعوة إلى جلسة انتخاب في ظل مرشّح غير جدي، إلى رفض دعوة المجلس النيابي إلى الانعقاد في ظل مرشحّين يؤدي فوز أحدهما إلى هزيمة طائفة. وأكثر مَن يَنطبق على هذه الحالة «احترنا يا قَرعَة مِن وَين بَدنا نبوسِك»، فلا جلسة انتخاب في الحالة الأولى ولا جلسة في الحالة الثانية، وهذا ما يؤشّر إلى مأزومية هذا الفريق الذي يُدرك استحالة انتخاب مرشحه سوى في حالة واحدة وهي تراجع أخصامه بسبب شغور مفتوح وتعويلاً على تجارب سابقة، وهذا قبل ان يَتفاجأ بتقاطعٍ عَزّز أوراق أخصامه على حسابه، فدخلَ في تخبُّط غير مسبوق، فيما جُلّ ما هو مطلوب الدعوة بكل بساطة إلى جلسة انتخاب مفتوحة، لأنّ المطروح انتخابات رئاسية تحصل في البرلمان وليس نقاشاً حول جنس الملائكة، وكان البطريرك الراعي صريحاً بقوله انّ الانتخابات كان يجب ان تحصل ضمن المهلة الدستورية، وهي مهلة مُلزِمة وُضِعت للتعامل معها كإلزام وليس كوجهة نظر.

وتأسيساً على كل ما تقدّم، يمكن الخروج بثلاث خلاصات سياسية-رئاسية:

الخلاصة الأولى انّ ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل» سيضطرّ إلى التراجع عن مرشحه عاجلاً أم آجلاً، أو ان يخسر في الانتخابات في حال قرّر خوضها. وفي الحالتين سيخرج خاسراً، ولم يكن مضطرا إلى رَفع السقوف التي تُصَعِّب عليه التراجع والاستدارة، فيما كان بإمكانه ان يلتزم السقف الذي وضعه رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيد هاشم صفي الدين في موقف الأخير الذي قال فيه: «ليس هناك جهة لوحدها قادرة ان توصِل رئيساً للجمهورية في لبنان أيّاً كان هذا المرشّح، بغضّ النظر عن اسمه وطبيعته وانتمائه ولونه وخياراته السياسية. وبالتالي، ما لم تتوافَق الجهات مع بعضها البعض، لا يمكن ان تنجز الاستحقاق الرئاسي». وبالتالي، لو التزمت بهذا السقف وفتحت النقاش البنّاء وليس على طريقة اننا اختار لكم المرشح الذي يُناسبكم، لَما أحرَجَت نفسها في تموضعها الرئاسي وسقوفها المرتفعة.

الخلاصة الثانية انّ الانتخابات الرئاسية دلّت على إدارة خاطئة لها من قبل ثنائي الحزب والحركة، وهو أمر مُستغرب من جهة مع شخصية كالرئيس نبيه بري لديها خبرة سياسية واسعة وكبيرة وكان يُفتَرض به ان يلتقط اللحظة بتوازناتها وخلفياتها وأن يتخذ الموقف المناسب منها، كما انه يُثبت من جهة أخرى مرة تِلو الأخرى انّ الحزب يُجيد القتال ولكنه يفتقد إلى الإدارة السياسية والحِس السياسي.

الخلاصة الثالثة انّ المعارضة أحسنت إدارة معركتها الرئاسية، فرشّحت منذ الجلسة الانتخابية الأولى مَن يُجسِّد مشروعها السياسي السيادي والإصلاحي. وعندما وجدت صعوبة انتخابه بفِعل التوازن النيابي القائم، تَحَيّنت اللحظة المواتية للانتقال إلى مرشّح ضمن المساحة التوافقية بالتقاطع مع تيارٍ من خصومها السياسيين، ولولا هذا التقاطع لَما كان بإمكانها تحقيق هذه النقلة التي حَسّنَت تموضعها الانتخابي الرئاسي واستَجلَبت دعماً بَطريركياَ وحَرّكت الجمود الرئاسي وقَلبت الطاولة الرئاسية من جمودٍ يستخدمه خصمها، انطلاقاً من المعادلة الأحَبّ على قلبه «الشغور المفتوح او انتخاب مرشحه».

ولو بقيت المعارضة على موقفها لكانت استمرت في موقع رَد الفعل ولم تنتقل إلى الفِعل السياسي الذي أربكَ خصمها السياسي، وهذا ما يندرج في سياق «اللعب السياسي الجميل»، فلا تبقى مجمّدة في موقعها ربطاً بمبدئية سياسية تُفقِدها القدرة على تحريك الأوضاع السياسية، ولا تتنازَل عن موقفها بتبنّي مرشّح خصمها، إنما تنطلق إلى مساحة مشتركة وهي طبيعية في ظل موازين القوى القائمة.

فالبراغماتية السياسية في اليوميات السياسية والاستحقاقات الدستورية لا تتناقض مع المبدئية السياسية المتعلقة بالثوابت الوطنية مِن قبيل السلاح الواحد والسيادة والدستور، فإذا كان متعذّراً الفوز في استحقاق دستوري فهذا لا يعني انّ المطلوب هو الهزيمة، إنما تحسين شروط هذا الاستحقاق انطلاقاً من موازين القوى القائمة، فلا أبيض ولا أسود على هذا المستوى، وبمعنى آخر إذا كان متعذّراً انتخاب معوض فلا يعني التسليم بانتخاب النائب السابق سليمان فرنجية.

فالمواجهة دفاعاً عن الثوابت المبدئية هي مواجهة مستمرة، والحِنكة السياسية هي في التعامل مع الاستحقاقات على القطعة وتسجيل النقاط في كل محطة سياسية، في سياق مواجهة مفتوحة تحت سقف تسجيل النقاط المتبادَل بانتظار الضربة القاضية التي ينتظرها فريقا النزاع.ماذا بعد إعلان معظم مكوّنات المعارضة و»التيار الوطني الحر» عن مرشحهم الرئاسي؟ وهل سيقود هذا الإعلان إلى انتخاب رئيس للجمهورية أم يَتواصل الشغور فصولاً؟ وكيف سيرد الثنائي الشيعي؟ وهل يمكن الكلام عن بدء العد العكسي لانتخاب رئيس؟

3 خلاصات سياسية - رئاسية

شارل جبور

إحتفظت المعارضة بالمبادرة الرئاسية منذ مطلع المهلة الدستورية لهذا الاستحقاق، فكانت أوّل مَن رَشّح وخاضت 11 جلسة انتخابية بمرشحها، فيما كان الفريق الآخر يقترع بالورقة البيضاء، وتَحَدّت هذا الفريق بعدم تعطيل النصاب، كما تَحدّته بجلسات انتخابية مفتوحة. وعندما أعلن عن مرشحه لم يوجِّه الدعوة إلى اي جلسة انتخابية، وبرّر ذلك مُتذرّعاً بأنّ مرشّح المعارضة ليس جدياً، علماً انه أكثر مِن جدّي، وكانت تُطالبه في الذهاب إلى مُنازلة انتخابية، وعندما وجدت انّ الاستحقاق الرئاسي دخل في جمود، عَملت على تغيير قواعد اللعبة عن طريق التقاطع مع «التيار الوطني الحر» على مرشّح ضمن اللائحة التوافقية.

وسَعت المعارضة منذ بدء المهلة الدستورية إلى توحيد صفوفها خلف النائب ميشال معوض بِهدف تَجاوز عتبة النصف + واحد، ولكنها لم تُفلح بذلك، ولو نجحت لَما كانت بحاجة إلى التقاطع مع التيار، لأنّ أي فريق يجمع 65 نائباً يَحشر الفريق الآخر ويُصعِّب عليه مهمة عدم الدعوة لجلسة انتخاب بسبب الضغوط التي ستنهال عليه من الداخل والخارج، فيما استمرار تمسّكها بمرشحها يُبقي الجمود الرئاسي على حاله، وهذا تحديداً ما يريده الفريق المُمانع الذي اعتاد رِبح مَعاركه عن طريق تجميد الاستحقاقات إلى حين تَراجُع الفريق الآخر. لكنّ المعارضة لم تكن في وارد التراجع هذه المرة، إلا انها أحسنت «اللعب السياسي» من خلال إقرارها أولاً بعدم قدرتها على إيصال مرشحها، وهذا ما ينطبق أيضاً على ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل» العاجِز بدوره عن إيصال مرشحه، وتَحَيُّنها ثانياً اللحظة المناسبة للانتقال إلى مرشّح جديد بالتقاطع مع «التيار الوطني الحر» وبما يُعزِّز الرصيد النيابي الداعم لهذا الترشيح، وتَماهيها ثالثاً مع البطريرك الراعي الذي دعا إلى اختيار مرشّح من اللائحة التوافقية تجسيداً لمعادلة «لا غالب ولا مغلوب»، ومخاطبتها رابعاً المجتمع الدولي بأنها تخلّت عن مرشحها لمصلحة مرشّح وسطي وعَزّزت رصيده بما يجعل مسؤولية استمرار الشغور تقع على الفريق المُمانِع بشكل واضح وصريح.

وأهمية التقاطع بين المعارضة و»التيار الوطني الحر» على مرشّح رئاسي تَكمُن في انه قدّم على المستوى الوطني صورة تعددية لمجموعة نيابية مِن مَشاربَ مختلفة نجحت في ان تلتقي في منتصف الطريق، مُقدّمَة نموذجاً عن كيفية الالتقاء ضمن مساحة مشتركة عندما يتعذّر على اي فريق تحقيق أهدافه بنفسه. وبالتالي، عمدت إلى خلط الألوان بهدف إنهاء الشغور الرئاسي، فيما الفريق الممانع كناية عن لون واحد ويتمسّك بمرشّح من لونه السياسي رافضاً الإقرار بأنّ ميزان القوى النيابي لا يسمح له بانتخاب مرشحه، ومُراهناً على عامل الوقت لعله يدفع أخصامه إلى التراجع عن موقفهم والتسليم بشروطه الرئاسية.

وأهمية هذا التقاطع أيضاً انه قدّم على المستوى المسيحي وحدة موقف على رغم الخلاف في التوجهات الوطنية بين مكوناته، ما جَعله في موقعِ قوة خصوصاً انّ الموقع الرئاسي مسيحي، وكَسْر المسيحيين في أحد أبرز مواقعهم من قبل فريقٍ مذهبي يشكّل ضَرباً للميثاق الوطني وإخلالاً بالشراكة وقهراً لفئة لبنانية. ومع هذا التقاطع المسيحي أصبحَ من الصعوبة بمكان تجاوز الإرادة المسيحية، وقد عبّر البطريرك الراعي في أكثر من موقف عن ارتياحه لهذا التطور الذي لم يَعد بالإمكان تجاوره، وأبلَغه إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فضلاً عن ان هذا التقاطع بين القوى الأكثر تمثيلاً مسيحياً أسقَطَ ذريعة انّ مسؤولية الشغور مسيحية.

أمّا وقد اتفقت هذه القوى، فما عليها سوى القول لِمَن كان يتذرّع بعدم اتفاقها، ان يُسلِّم بنتيجة هذا الاتفاق.

وأهمية هذا التقاطع أيضاً وأيضاً تكمُن في توقيته بعد سبعة أشهر على الشغور الرئاسي وتَزامنه مع ضغوط خارجية لانتخاب رئيس والتلويح بالعقوبات على الفريق المعطِّل، وضغوطٍ كَنسية مع تحويل البطريرك الانتخابات الرئاسية إلى أولوية من أولوياته يجول في سبيلها على عواصم القرار ويلتقي القوى السياسية بعيداً من الأضواء، وهو لم يُخفِ رغبته الصريحة التي عبّر عنها مراراً وتكراراً بضرورة انتخاب رئيس ضمن المساحة التوافقية على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، وضغوط من الرأي العام الذي أرهَقَه الانهيار المتواصل فصولاً ويريد إنهاء الشغور فوراً.

وأمام هذه التطورات فقدَ الفريق المُمانع حُجَجه تِباعاً، بدءاً من مقولة المرشّح غير الجدي واضعاً نفسه في موقع المصنِّف للمرشحين وكأنه لجنة فاحصة بدلاً من المُنازلة الانتخابية التي تقود إلى انتخاب رئيس، مروراً بتصنيف الترشيح الجديد للمعارضة والتيار بأنه مرشّح مناورة، والهدف منه استبعاد مرشحهم الرئاسي، وكأنّ هذا الأمر من المُحرّمات التي تستدعي الإدانة والشجب لا الدعوة إلى جلسة انتخاب، فيما ترشيح النائب ميشال معوض أكثر من جدي، وترشيح الوزير السابق جهاد أزعور من فئة الجديّة نفسها بعدما تَعذّر انتخاب معوض، فضلاً عن انه من بديهيات الحياة السياسية أن يسعى هذا الفريق إلى استبعاد مرشح ذاك الفريق، إلّا لدى فريق المُمانعة الذي يعتبر هذا الأمر خروجاً عن أصول اللعبة الديموقراطية التي تتطلّب البَصم على مرشحهم الرئاسي.

أمّا آخر ما ابتكَره هذا الفريق من حجج بأن لا جلسة انتخاب في ظل مرشحَي تحدٍّ، اي الانتقال من رفض الدعوة إلى جلسة انتخاب في ظل مرشّح غير جدي، إلى رفض دعوة المجلس النيابي إلى الانعقاد في ظل مرشحّين يؤدي فوز أحدهما إلى هزيمة طائفة. وأكثر مَن يَنطبق على هذه الحالة «احترنا يا قَرعَة مِن وَين بَدنا نبوسِك»، فلا جلسة انتخاب في الحالة الأولى ولا جلسة في الحالة الثانية، وهذا ما يؤشّر إلى مأزومية هذا الفريق الذي يُدرك استحالة انتخاب مرشحه سوى في حالة واحدة وهي تراجع أخصامه بسبب شغور مفتوح وتعويلاً على تجارب سابقة، وهذا قبل ان يَتفاجأ بتقاطعٍ عَزّز أوراق أخصامه على حسابه، فدخلَ في تخبُّط غير مسبوق، فيما جُلّ ما هو مطلوب الدعوة بكل بساطة إلى جلسة انتخاب مفتوحة، لأنّ المطروح انتخابات رئاسية تحصل في البرلمان وليس نقاشاً حول جنس الملائكة، وكان البطريرك الراعي صريحاً بقوله انّ الانتخابات كان يجب ان تحصل ضمن المهلة الدستورية، وهي مهلة مُلزِمة وُضِعت للتعامل معها كإلزام وليس كوجهة نظر.

وتأسيساً على كل ما تقدّم، يمكن الخروج بثلاث خلاصات سياسية-رئاسية:

الخلاصة الأولى انّ ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل» سيضطرّ إلى التراجع عن مرشحه عاجلاً أم آجلاً، أو ان يخسر في الانتخابات في حال قرّر خوضها. وفي الحالتين سيخرج خاسراً، ولم يكن مضطرا إلى رَفع السقوف التي تُصَعِّب عليه التراجع والاستدارة، فيما كان بإمكانه ان يلتزم السقف الذي وضعه رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيد هاشم صفي الدين في موقف الأخير الذي قال فيه: «ليس هناك جهة لوحدها قادرة ان توصِل رئيساً للجمهورية في لبنان أيّاً كان هذا المرشّح، بغضّ النظر عن اسمه وطبيعته وانتمائه ولونه وخياراته السياسية. وبالتالي، ما لم تتوافَق الجهات مع بعضها البعض، لا يمكن ان تنجز الاستحقاق الرئاسي». وبالتالي، لو التزمت بهذا السقف وفتحت النقاش البنّاء وليس على طريقة اننا اختار لكم المرشح الذي يُناسبكم، لَما أحرَجَت نفسها في تموضعها الرئاسي وسقوفها المرتفعة.

الخلاصة الثانية انّ الانتخابات الرئاسية دلّت على إدارة خاطئة لها من قبل ثنائي الحزب والحركة، وهو أمر مُستغرب من جهة مع شخصية كالرئيس نبيه بري لديها خبرة سياسية واسعة وكبيرة وكان يُفتَرض به ان يلتقط اللحظة بتوازناتها وخلفياتها وأن يتخذ الموقف المناسب منها، كما انه يُثبت من جهة أخرى مرة تِلو الأخرى انّ الحزب يُجيد القتال ولكنه يفتقد إلى الإدارة السياسية والحِس السياسي.

الخلاصة الثالثة انّ المعارضة أحسنت إدارة معركتها الرئاسية، فرشّحت منذ الجلسة الانتخابية الأولى مَن يُجسِّد مشروعها السياسي السيادي والإصلاحي. وعندما وجدت صعوبة انتخابه بفِعل التوازن النيابي القائم، تَحَيّنت اللحظة المواتية للانتقال إلى مرشّح ضمن المساحة التوافقية بالتقاطع مع تيارٍ من خصومها السياسيين، ولولا هذا التقاطع لَما كان بإمكانها تحقيق هذه النقلة التي حَسّنَت تموضعها الانتخابي الرئاسي واستَجلَبت دعماً بَطريركياَ وحَرّكت الجمود الرئاسي وقَلبت الطاولة الرئاسية من جمودٍ يستخدمه خصمها، انطلاقاً من المعادلة الأحَبّ على قلبه «الشغور المفتوح او انتخاب مرشحه».

ولو بقيت المعارضة على موقفها لكانت استمرت في موقع رَد الفعل ولم تنتقل إلى الفِعل السياسي الذي أربكَ خصمها السياسي، وهذا ما يندرج في سياق «اللعب السياسي الجميل»، فلا تبقى مجمّدة في موقعها ربطاً بمبدئية سياسية تُفقِدها القدرة على تحريك الأوضاع السياسية، ولا تتنازَل عن موقفها بتبنّي مرشّح خصمها، إنما تنطلق إلى مساحة مشتركة وهي طبيعية في ظل موازين القوى القائمة.

فالبراغماتية السياسية في اليوميات السياسية والاستحقاقات الدستورية لا تتناقض مع المبدئية السياسية المتعلقة بالثوابت الوطنية مِن قبيل السلاح الواحد والسيادة والدستور، فإذا كان متعذّراً الفوز في استحقاق دستوري فهذا لا يعني انّ المطلوب هو الهزيمة، إنما تحسين شروط هذا الاستحقاق انطلاقاً من موازين القوى القائمة، فلا أبيض ولا أسود على هذا المستوى، وبمعنى آخر إذا كان متعذّراً انتخاب معوض فلا يعني التسليم بانتخاب النائب السابق سليمان فرنجية.

فالمواجهة دفاعاً عن الثوابت المبدئية هي مواجهة مستمرة، والحِنكة السياسية هي في التعامل مع الاستحقاقات على القطعة وتسجيل النقاط في كل محطة سياسية، في سياق مواجهة مفتوحة تحت سقف تسجيل النقاط المتبادَل بانتظار الضربة القاضية التي ينتظرها فريقا النزاع.

  • شارك الخبر