hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - شارل جبور - الجمهورية

هل الحلّ بنظام جديد؟

الإثنين ٢١ حزيران ٢٠٢١ - 07:55

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا خلاف مبدئياً بأنّ الحلّ المنشود للأزمة اللبنانية يكون عن طريق قيام الدولة واحتكارها للسلاح وتحقيق السيادة، ولكن هل يمكن تحقيق هذا الحلّ؟ وهل المشكلة هي في النظام السياسي، أم مع الطرف الرافض لكل منطق النظام والدولة والسيادة والدستور؟ وإذا كان الحلّ يتراوح بين نزع السلاح وإرساء نظام جديد، فالسؤال يبقى، كيف يمكن الوصول إلى الهدف الأول والثاني؟

النقاش الدائر في البلد حول طبيعة النظام السياسي المطلوب هو نقاش صحي ومطلوب، ولكن يجب التمييز بين أحقية هذا النقاش وضرورة توسيعه والإكثار منه، وبين انّ جوهر الأزمة لا علاقة له بالنظام السياسي، لأنّ الخلاف الفعلي اليوم، ليس حول ماهية النظام الذي تريده هذه الفئة والنظام الذي تسعى إليه الفئة الأخرى، او بين من يرى انّ تطبيق اتفاق الطائف أظهر خللاً في الممارسة يستدعي إدخال التعديلات اللازمة عليه، وبين من يرفض المسّ بهذا الاتفاق تطويراً أو تحديثاً، او بين من يدعو إلى الفيدرالية وبين من يرفضها. إنما كل الخلاف هو حول تمسّك «حزب الله» بدوره الإقليمي وسلاحه. وفي ظلّ هذا التمسُّك لا حاجة للبحث عن الدستور الأمثل للبنان، لأنّ لا قيمة لأي دستور لا يُطبّق على غرار الدستور الحالي، بسبب دور الحزب وسلاحه.

فالسؤال الأساس إذاً، يتمحور حول السبل لدفع «حزب الله» إلى تسليم سلاحه للدولة اللبنانية. وإذا كان هناك من يعتقد انّ الحزب على استعداد لتسليم سلاحه فما عليه سوى محاورته من أجل البحث معه في نظام سياسي جديد للبنان. ومن يعتبر انّ الحلّ هو بالنظام السياسي، عليه ان يفتح الحوار والنقاش مع الحزب ومع غيره من المكونات اللبنانية، من أجل تحويل إشكالية النظام إلى أولوية، وإنضاج الحلول وصولاً إلى تسوية حول النظام الجديد. إذ لا يكفي إثارة المسألة في الإعلام، إنما المطلوب وضع خطة تحرُّك داخلية وخارجية سعياً لهذا الهدف.

والبحث عن نظام جديد هو هدف مشروع، والنقاش ليس في أهمية الفيدرالية او غيرها. ونكرّر انّ الفيدرالية قد تكون النظام الأمثل والأفضل للبنان واللبنانيين سياسياً وحياتياً وإدارياً، إنما المعضلة الأساس تكمن في انّ «حزب الله» لا يريد البحث في اي نظام جديد، ولا يريد التخلّي عن دوره وسلاحه طوعاً، ولا يسمح بقيام دولة فعلية. وبالتالي، السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن التعامل مع لاءات الحزب الثلاث؟ وهل الأفضل إعطاء الأولوية للنظام السياسي أم لسلاح الحزب؟ واي عنوان قادر أكثر على استقطاب اللبنانيين وتعبئتهم؟ وهل يمكن جذب الشريحة الأكبر من المسلمين عن طريق رفع عنوان النظام أم السلاح؟ وهل يمكن حمل العنوانين معاً؟

فقبل البحث عن الحلّ المطلوب للأزمة اللبنانية يجب تشخيص هذه الأزمة، لأنّه مع «حزب الله» لا يمكن الوصول إلى اي حلّ، وجلّ ما يمكن التوصل إليه هو تسويات جزئية على طريقة وقف إطلاق النار إبّان الحرب، والذي يعني وقفاً مؤقتاً للنار واستمراراً للحرب. والوضع مع الحزب يختلف عن الوضع الخلافي الذي استمر بين المسيحيين والسنّة منذ إعلان لبنان الكبير، ولكنهما على رغم هذا الخلاف، نجحا في إرساء تسويات عنوانها الدولة، وذلك بدءاً من استقلال العام 1943، إلى تجاوز أحداث العام 1958، وصولًا إلى اتفاق الطائف في العام 1989 وانتفاضة الاستقلال في العام 2005. فالبيئة السنيّة لم تكن تخفي موقفها من النظام السياسي وضرورة تعديله تحقيقاً للمساواة، ولكن، لو شاءت الظروف وعُدِّل هذا النظام في مطلع سبعينات القرن الماضي، اي لو أُقرّ الطائف مثلاً في العام 1969 بدلاً من العام 1989، هل كان تجنّب لبنان الحرب؟ على الأرجح كلا، لأنّ مشاعر المسلمين مع الثورة الفلسطينية كانت عابرة للحدود والأنظمة والسيادة والدولة.

وما ينطبق على مشاعر السنّة من الثورة الفلسطينية بعد هزيمة العام 1969 ينسحب على مشاعر شيعة «حزب الله» من الثورة الإيرانية، التي يبدّونها على لبنان والدولة اللبنانية. وعلى رغم التقاطع في المشاعر بين السنّة في تأييدهم للثورة الفلسطينية، والقسم الأكبر من الشيعة في تأييدهم للثورة الإيرانية، إلّا انّ الفارق بين الاثنين يبقى كبيراً ويكمن في الآتي:

أولاً، المشاعر السنّية المؤيّدة للثورة الفلسطينية كانت عفوية انطلاقاً من وجدانهم العروبي، ولكن المشاعر الشيعية المؤيّدة للثورة الإيرانية هي عقائدية وترتكز على مشروع أيديولوجي.

ثانياً، وفّر السنّة الغطاء السياسي للسلاح الفلسطيني، ولكنهم لم يتسلّحوا، وتنظيماتهم المسلّحة كانت صغيرة ومحدودة ولا تُذكر، فيما «حزب الله» بنى ترسانة عسكرية بعنوان مواجهة إسرائيل، وهذا العنوان ثانوي الطابع مقابل العنوان الرئيسي الكامن في التهيئة العسكرية استعداداً لعودة المهدي المنتظر.

ثالثاً، وجدت الثورة الفلسطينية في لبنان أرضاً خصبة خلافاً للدول العربية التي أقفلت ساحاتها أمامها، وذلك بسبب تعددية المجتمع اللبناني والخلافات حول دور لبنان وحياده، وتحولت الساحة اللبنانية مع الثورة الفلسطينية إلى ساحة مفتوحة للتدخّلات من كل حدب وصوب، ولكن لم يكن هناك من ضابط إيقاع ومايسترو محرِّك، على غرار واقع الحال مع طهران، التي تدير وتحرِّك أذرعها في كل المنطقة، في توجُّه واحد وإيقاع واحد وهدف واحد.

رابعاً، تبدية السنّة للعروبة على اللبننة لم تحل دون الوصول إلى تسويات بينهم وبين المسيحيين عنوانها الدولة. ولبنان الذي عُرف بسويسرا الشرق بين عامي 1943 و1969 كان بفضل الطرفين معاً، الأمر الذي لا يمكن ان يتحقق مع «حزب الله» الذي يستحيل الوصول معه إلى تسوية تحت عنوان الدولة، كما يستحيل ان يزدهر لبنان بوجوده، ويستحيل أخيراً ان يتخلّى عن سلاحه.

فالفارق الجوهري بين الخلاف المسيحي-السنّي منذ إعلان لبنان الكبير حتى إقرار إتفاق الطائف، وخلاف شريحة واسعة من اللبنانيين مع «حزب الله»، وبالتالي الفارق، انّ الخلاف الأوّل كان نتيجة وجدان ومشاعر عفوية وغير محرّك من قبل دولة خارجية محدّدة، فيما الخلاف الثاني هو من طبيعة عقائدية وأيديولوجية ويُدار من إيران مباشرة.

وطالما الشيء بالشيء يُذكر، فمصر جمال عبد الناصر التي كانت تمثّل الوجدان السنّي، دعمت الدولة في لبنان والدستور، وأبرم رئيسها مع الرئيس اللبناني فؤاد شهاب اتفاقاً ساهم في ترسيخ الاستقرار اللبناني. والمملكة العربية السعودية التي أصبحت تمثل الوجدان السنّي، رعت إتفاق الطائف من أجل إنهاء الحرب وقيام الدولة، وسخرّت كل دعم مادي ومعنوي للدولة اللبنانية. ما يعني انّ الدول العربية السنّية كان لها دور أساسي في دعم الدولة اللبنانية والاستقرار، فيما الدولة الإيرانية تدعم «حزب الله» وتموِّله وتسلِّحه على حساب الدولة اللبنانية، ويشكّل دورها عائقاً أمام قيام الدولة والاستقرار.

فلا يمكن الوصول مع الدولة الإيرانية وأذرعها في المنطقة إلى تفاهمات وتسويات وحلول، لأنّها دولة عقائدية، وعقيدتها تزاوج بين البعدين الديني والقتالي، اي نشر مفاهيمها الدينية ومراكمة قوتها العسكرية التي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من تكوينها تحقيقاً لأهدافها الدينية الثورية، وكل ذلك على حساب ليس فقط سيادة الدول العربية، إنما على حساب المواطن وأمنه واستقراره وسلامه وازدهاره، كونها عقيدة تعيش على الحرب والقتال، ولا تنسجم مع الاستقرار والسلام والتطور والازدهار.

وإذا كان من المنطقي جداً السعي إلى نظام جديد، لأنّه لا يمكن العيش في دولة سيادة وقانون واستقرار تحت سقف واحد مع «حزب الله»، إلّا انّ الحزب ليس فقط لن يدخل في حوار بحثاً عن نظام جديد، إنما لن يسمح بكل ما يمكن ان يحدّ من دوره وسلاحه، ويقتطع من مساحة يعتبرها في خلفيتها انّها جزء من أرضه وامتداده. ولذلك، عبثاً الكلام عن النظام، ويجب تركيز المواجهة مع الحزب على مسألة سلاحه، لأنّ هذا العنوان يستطيع ان يستقطب أكثر في الداخل والخارج. وعندما يُفتح باب الحوار لتسوية سياسية في المنطقة ولبنان، من زاوية انّه من غير المسموح إبقاء لبنان والشعب اللبناني تحت رحمة سلاح غير شرعي، وعندذاك فقط، يتمّ وضع النظام على طاولة البحث.

وبانتظار ان يُفتح باب التسوية لحلّ نهائي للأزمة اللبنانية، فإنّ خريطة الطريق المطلوبة في هذه المرحلة ثلاثية الأبعاد:

البعد الأول، مواصلة سياسة ربط النزاع مع «حزب الله»، واعتماد المقاربة التي تجمع حولها أوسع شريحة من اللبنانيين، وهي انّ الشعب الذي يعاني الفقر والجوع لم يعد يحتمل العيش من دون دولة، لأنّ تحقيق الهدف يستدعي أوسع تأييد في الداخل وتفهُّم الخارج، والمطلوب أكل العنب لا قتل الناطور. وعنوان النظام لا يستقطب داخلياً وخارجياً على غرار السلاح الذي حوّل الدولة إلى فاشلة وأعاد اللبنانيين إلى العصور الحجرية.

البعد الثاني، تحويل الانتخابات النيابية الى استفتاء بين من يريد نموذج الحزب في نمط العيش الحالي، وبين من يريد ان يستعيد نمط عيش زمن سويسرا الشرق.

البعد الثالث، استخدام كل علاقات لبنان الخارجية بدءاً من الفاتيكان، مروراً بواشنطن وباريس، وصولًا إلى دول الخليج، من أجل إخراج لبنان من دائرة التأثير الإيراني، تجنباً لزواله.

وفي حال لم يتمّ الانتقال في اللحظة المؤاتية من سياسة ربط النزاع، إلى سياسة تعليق التعايش، من أجل فرض تسوية داخلية، فعلى لبنان السلام. فيما أقل المطلوب اليوم، ان يعتذر الرئيس المكلّف سعد الحريري، ويخرج النائب السابق وليد جنبلاط من دعواته لتسوية تشكّل انقاذاً لمحور الممانعة، وترك هذا الفريق يتخبّط بأزماته، فقد يكون لبنان في أفضل لحظة لإنتاج الحل النهائي المنشود، إن بفعل التفاوض الجاري على قدم وساق في الخارج، أو بسبب انهيار الدولة في الداخل، وما بينهما جهوزية البيئة اللبنانية للحلّ الذي يُخرجها من دوامة الفشل والمأساة التي وصلت إليها. ولكن المطلوب حسن إدارة المرحلة والمواجهة، فيما القيادات المعروف عنها بأنّها سيادية تستحق بجدارة جائزة نوبل في تضييع الفرص التاريخية.

  • شارك الخبر