hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة

مدخل لحلّ أزمات الدول المتعثِّرة

السبت ٢٧ أيار ٢٠٢٣ - 08:02

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يعتبر علم السياسة أنّ «الأزمة السياسية» في أي دولة، ما هي إلاّ تعبير عن أوضاع مأساوية مكوّنة من مواضيع سياسية - أمنية إقتصادية - إجتماعية - مالية، ليست بطارئة، بل هي تراكمات على مدى سنوات من الممارسات السياسية الخاطئة التي تتناقض والقوانين والدساتير. هذه الأزمة السياسية وبكل تشعباتها، تهدِّد الأوضاع العامة في البلاد بشكل دراماتيكي، وتراكماتها هي أخطر ممّا يتصوره أي باحث في حالات إستمراريتها ونموّها خلافًا للقوانين المرعية الإجراء، ممّا يؤدي إلى صعوبة التعامل معها، وبالتالي هناك ضرورة ماسّة للبحث عن وسائل وطرق لإدارتها بشكل يحُّد من آثارها السلّبية.

علماء السياسة يُدرجون أبواباً عدّة لمعالجة الأزمات في الدول المتعثرة وفقًا لما تكون عليه أوضاع هذه الدول. وبعضهم يذكر أبواباً عدّة لجمع المعلومات المتوفرة عن تلك الأزمات، ويتطرّقون إلى أبواب عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، المنظومة السياسية المنتهجة - آلية صنع القرار - الفكر السياسي لقادة الرأي - أهمية عامل السلام في هذه الدول. وأكثر من ذلك، يتطرّق الباحثون إلى نوّعية النُظُم المتّبعة في تلك الدولة، وآلية نُسُق معالجة القضايا الخلافية أو المعقّدة، والتي هي بحاجة إلى مفهوم ديبلوماسي عميق لإيجاد مخارج لائقة لها. وغالبًا ما يوّصف الباحثون الأزمات في دول العالم الثالث بشديدة التعقيد، حيث قادة الرأي يتميّزون بالحماقة، وبالتالي يلجأون إلى حلول بعيدة من المنطق العلمي، وغالبًا ما تكون

تدميرية تحمل رائحة الحروب والتدمير والأخطار.
أزمات الدول في العالم غير المتمدِّن إذا جاز التوصيف، تفتقد عمليًا إلى مناهج تستند إلى النظُم السياسية كالتي تُنتهج في الدول المتحضّرة، وتُعرف بـ»صانعي القرار». هذه الدول اللامتحضرة لا تهتم بتحديد خصائص الأزمات وأسبابها وأخطارها وتوسعاتها، ولا تهتّم لعنصر الوقت وإطالة أمد الأزمة، كما أنّ هذه الدول تفتقر إلى قادة رأي لهم القدرة على اتخاذ القرار الصائب دونما تسييسه وفقًا للمصالح الآنية والخاصة. ومن المؤكّد أنّ هذه الدول تفتقر إلى «مدرسة السلام والتعافي»، والتي تأخذ فعليًا واستنادًا إلى نظم العلوم السياسية، مبدأ إتجاهي نحو السلام والتوافق اللذين يجمعان بين بعض عناصر توصيف الأزمات. وبصريح العبارة، طالما أنّ الدول التي تُعاني من وجود قادة رأي متزمتين عمليًا، هناك صعوبة في إيجاد مخارج لائقة لأي أزمة داخلية.
في سياق البحث عن الأزمات في بعض الدول المتعثرّة، غالبًا ما توّصف بـ«أزمات مستعصية»، يُصنّفها علم السياسة بتصنيفين رئيسيّين، وهما «الأزمة الشديدة المخاطر The Most Loaded Crisis» أو «الأزمة الأقل شدّة The Least Crisis». ففي التوصيف الأول تكون أحداثها وتفاعلاتها ونتائجها غير متوقعة، وتشكّل تهديدًا خطيرًا على الدولة المعنية، وينحدر من أحداثها خطر كبير، مما يُملي على قادة الرأي أو ما يُعرف بعلم السياسة «صانعي القرار» إتخاذ القرارات الصائبة وردعها فورًا. وفي التوصيف الثاني، يعتبر علم السياسة أنّ الأحداث هي مجرد أفعال روتينية متوقع حدوثها وتتضمن أقلّ درجات خطيرة، وبالتالي هناك متسع من الوقت لإيجاد حلول لها.

علم السياسة يركّز في مبادئه التعريفية على مبدأ «إدارة الأزمات»، وهذا المبدأ يؤسس لحركة سياسية ديبلوماسية تجمع بين المعرفة ضمن أبواب علم السياسة والتفكير الإبداعي - الإنقاذي، وضرورة التنسيق بين فرقاء العمل الذين يعملون ضمن مبدأ التكامل في ما بينهم. وهذه المجموعات الفكرية تعمل ولا تُنظِّرْ، بل تتعامل مع إحتمالية حدوث أزمة أو تجذّرها، وفي حالة مقاربتها تكون جميع إجراءات التخفيف من حدّتها سالكة نحو التنفيذ لا التعقيد، أي حلّها في أقرب فرصة مناسبة وبأقل جهد وتكلفة. وفي حالة وقوع أزمة ما وبمختلف مندرجاتها، ومن الممكن أن تخلق أزمة ما أو تحويل مسار العملية التفاوضية باتجاه معاكس، يكون التعامل معها بالإطار الحاسم منعًا لتفاقم وتوالد أزمات أخرى. إنّ أفضل طريقة وفق علم السياسة لإدارة أزمة، هي في منعها من الحدوث في المقام الأول، وإن كان هناك أحيانًا وجود أزمة هو حل لأزمة أكبر منها، أو تشتيت الإنتباه لتحقيق هدف أكبر، من خلال جعل الأخصام يضعون كل جهودهم وإمكانياتهم في حلّ أزمة معينة، بينما الأزمة الحقيقية غير مباشرة أو في طور التكوين، وحتى تكتمل أركانها ستحاول الجهة التي تعرّضت لأزمات معينة، وهي تعالجها، أن تصبّ جمّ تركيزها على الأزمة الأكبر التي تتبلور، وبالتالي توّفر فرصة لإذكاء النار في الأزمة الأولى أو الأزمات الصغيرة المتفرّقة، لتشكّل أزمة خطيرة في داخل الجهة المستهدفة، من دون الحاجة إلى مواجهتها. (إنّ ما حصل في تواريخ معينة ضمن شريط الأحداث اليومية، وكان آخرها حادثة مسبح صيدا وما رافقها من مواقف، إضافة إلى العروض العسكرية ضمن منطقة حسّاسة ودقيقة في الجغرافيا اللبنانية، وهذان الحدثان ترافقا مع بيان صادر عن القمة العربية الـ 32، ليؤكّدا أنّ الأزمة اللبنانية وآلية مقاربتها تمُّرْ بطرف واحد يُمسك الملف اللبناني بقبضة حديدية).

إنّ المدخل لحلّ أزمات الدول المتعثرة يفرض الإمتثال للتدابير الدستورية والقانونية والإدارية، لتنفيذ أي حل، ولكي تنجح أي لجنة في إيجاد حلول مستدامة لأي أزمة، على الأطراف الفاعلة في مجتمع الدول المتعثرة، والتي تتمتع بحضور ذهني يستند إلى مبدأي العلوم السياسية والديبلوماسية، الإشتراك في عملية صياغة القرارات التقنية وتوصياتها العامة، وأن يُشرفوا على تنفيذ هذه القرارات من خلال لجان تنسيقية تعمل على التمكّنْ من حل المشاكل بطرق دستورية.
مساعي إيجاد الحلول للدول المتحضّرة يجب ألاّ تتوقف، لأنّ الحروب والويلات لها ضررها الخطير على المجتمعات، وغالبًا ما يرجع الأمر إلى عدم إتقان فن السياسة وإدارة الملفات بشكل فعّال، ولا سيّما في ظلّ الظروف التي تتطلّب الإستعانة بمبادئ علم السياسة لدرء أي خطر محدق بدولة ما. عسى أنْ يكون مدخل حل أزمة الجمهورية اللبنانية المتعثرة بادرة إنقاذية لحلّها وليس لإطالة أمدها.

بسام ضو- الجمهورية

  • شارك الخبر