hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - د. محيي الدين الشحيمي - اساس ميديا

ماكرون الحاجّ سعوديّاً بتفويض فاتيكانيّ

الإثنين ٢٩ تشرين الثاني ٢٠٢١ - 06:26

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ماذا يفعل حليف إيران في دول الخليج؟ ما العرض الذي يحمله؟ ماذا لديه ليبيع؟ وماذا يريد أن يشتري؟ وهل يفكر في صفقات سلاح تعوّضه خسائر الغواصات النووية في أوستراليا؟ ولماذا سيشتري العرب منه، فيما هو يتحالف مع إيران على حسابهم، من العراق إلى اليمن وسوريا ولبنان؟

في مطلع الشهر المقبل تحطّ الطائرة الرئاسية الفرنسية ضيفة في السعودية معلنةً البدء بزيارة الحجّ الماكرونيّة المثقلة بالتوازنات والمحمّلة بالأعباء والمُعوَّل عليها بأمانٍ كثيرة. هي زيارة لاذعة في توقيتها، إذ تأتي بعد المصالحة الأميركية - الفرنسية وطيّ ملفّ الغوّاصات الأوسترالية، وتلي جولة المفاوضات النووية المرتقبة في نهاية تشرين الثاني الجاري، التي من المفترض أن تحسم الشكّ في صدقيّة إيران، بحسب تصريح وزير خارجية الإليزيه.

الشرق الأوسط بالنسبة إلى السياسة الفرنسية ليس منطقة متعدّدة الأقطاب من حيث القوّة والساحات فحسب، بل ومن حيث الأيديولوجيّات أيضاً. وهي تتعرّض دائماً بسبب تنوّع أيديولوجيّاتها للجنوح نحو حالة من الاختلال المتوازن. ولذلك تحفل جولة الرئيس إيمانويل ماكرون بين قطر والإمارات والسعودية، ببرنامج مشاورات وتتطرّق إلى نقاط عديدة وحسّاسة، يحاول الضيف الاستفادة منها، بجعلها إنجازاً حاسماً، واستثمارها في الانتخابات الرئاسية التي تنتظره في فرنسا.

غير أنّ أربعة محاور ستكون لها الأولويّة في هذه الجولة، وهي الآتية:

1- الحلّ السريع للأزمة اللبنانية بالتفويض الفاتيكاني التاريخي لفرنسا.

2- الشراكة الفرنسية السعودية في مجال الأسلحة والطاقة والتجارة.

3- أهميّة الشراكة العربية الخليجية الشاملة في كواليس مباحثات فيينا النووية.

4- البحث في إقامة تحالف عربي بديل على الرغم من الاختلافات الراهنة.

يعرف الرئيس الفرنسي تمام المعرفة أنّ الاختلال في التوازنات العربية هو صفة هذه المرحلة، وهو يتجلّى بشكل كبير في عدم قدرة البلدان العربية على الانسجام التامّ فيما بينها، فلكلٍّ منها أفكارها، ولأنّ إداراتها لم تستطع التوصّل إلى اتفاق لتشكيل نوع من التحالف البديل والمضادّ لحماية المنطقة العربية على الرغم من بعض التقاطعات التي لا ترتقي إلى مستوى الوصول بنجاح إلى هذا التشكيل، وخاصة ضمن مظلّة جامعة الدول العربية.

في ما يخصّ القضية اللبنانية ذات الأولويّة الفرنسية، سوف يجول الرئيس الفرنسي على السعودية ودول الخليج العربي، متسلّحاً بالتفويض الفاتيكاني التاريخي لحلّ الأزمة، وفي نيّته التوصّل إلى تسوية، على الرغم من قناعته التامّة بتأخّر السلطة اللبنانية، وغوغائيّتها الدبلوماسية، وعجزها عن معالجة الحدّ الأدنى من المشاكل الطارئة، وخطئها في مكافحة الانهيار، إلا أنّه ليس مع زوال الدولة.

وتأتي أهميّة هذا التفويض مع تعاظم قلق الفاتيكان على لبنان، بالقياس إلى أهمية القضية اللبنانية ومكانة الدولة اللبنانية وحساسيّة الواقع الأليم الذي وصلت إليه. ويدلّ هذا التفويض على التوافق التامّ بشأن لبنان بين الفاتيكان وفرنسا، وعلى شدّة خوفهما على الدولة اللبنانية وعلى صيغة العيش المشترك ومستقبل الوجود التعدّدي والتنوّعي في لبنان. وقد تمّ التفويض لتحفيز المساعي في القمّة الأخيرة التي جمعت الحبر الأعظم البابا فرنسيس والرئيسين الفرنسي والأميركي الكاثوليكي الملتزم، والتي أيّد فيها الأخير هذا التفويض، الذي يُعتبر عربون صلح فرنسي أميركي بعد أزمة اتفاقية الأوكوس والغواصات النووية اتفاقية أمنية ثلاثية بين أوستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. إذ أبدت أميركا عدم اعتراضها على تعميق الشراكة الاستراتيجيّة الفرنسية السعودية، وموافقتها أيضاً على التعامل العسكري بينهما، وأن تبيع فرنسا إلى المملكة أسلحة وغوّاصات بدلاً من اتفاقها مع أستراليا.
الثبات السعودي

يعلم ماكرون أنّ طلبه تليين الموقف السعودي والخليجي اتجاه لبنان مرفوض ومردود، لدرايته أنّ الباب مغلق ولم يعد ينفع شيء، فالأزمة أعمق والحالة أكثر حراجة ممّا تبدو عليه، لذا سوف ينطلق بمشاوراته من مكان أهمّ ومن نقطة أعمق لأصل المشكلة، بأن يحاول إيجاد تسوية للحفاظ على وجود الدولة اللبنانية، بمبادرة واحتضان ثلاثي فاتيكاني وفرنسي وسعودي، وبدعم أميركي، وهم يلتقون جميعهم ويتّفقون على دعمهم للدولة اللبنانية على أن تقوم صيغتها على المناصفة لا المثالثة.

اليمن؟

فالفاتيكان وإن كانت حامية الكاثوليك والمسيحيين في العالم، لكنّ ما يهمّها بشكل صريح وبأولويّة تامّة هو الحفاظ على وجود الوطن الرسالة "لبنان الدولة" الكامل السيادة والمتنوّع بجميع مواطنيه، وفرنسا وإن كانت حامية الموارنة تاريخيّاً، فهي التي أعطت وأهدت الدولة اللبنانية بصيغتها التعدّدية المعاصرة لجميع اللبنانيين وللعالم، والسعودية وإن كانت قبلة السُنّة وراعيتهم في لبنان والعالم، غير أنّها تتعامل معهم من منطلق تعاملها مع الدولة اللبنانية الواحدة الموحّدة ولا تميّزهم عن غيرهم من الفئات المكوِّنة للبنان، فهي صانعة اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب، وراعية الجمهورية الثانية، والأفضليّة عندها هي للدولة اللبنانية بمؤسساتها، ولتحصينها بكامل رعاياها وأفرادها.

لذا سوف يتمّ التكلّم، بعزم وإصرار على المشاركة الشاملة، وبصراحة في أدقّ نقطة وتوصيف يتعلّقان بلبنان الدولة وليس السلطة، وبانفتاح تامّ على كلّ الآراء ووجهات النظر التي تخدم حماية لبنان وانتشاله من هذه المحنة، عن إمكانية التأسيس أو عقد مؤتمر يطرح بكلّ صراحة الموادّ الخلافية في البلد على الطاولة انطلاقاً من تطوير النظام السياسي وحلّ مشكلة سلاح حزب الله وكيفيّة الإدارة في مؤسسات الدولة المنهكة من الفساد، وذلك لرأب وتحصين الصيغة اللبنانية وتفعيلها تحت عباءة اتفاق الطائف فقط الذي ضَمِن المناصفة والحياد وأوقف العدّ، والذي يجب العمل على تطبيقه الحقيقي وتطويره العملي، في مقابل قطع الطريق أمام كلّ الطموحات والصيغ المطروحة في الكواليس السوداء، والتي تعتمد على قوى الأمر الواقع، وبشكل خاص صيغة المثالثة. ففرنسا والفاتيكان اتفقتا بتأكيد مطلق على أن لا وجود ولا صلاحيّة "لفكرة التقسيم ولا حتى للإلحاق أو الدمج"، فلبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، وصيغة عيشه المشترك مقدّسة، وهو حاجة دائمة للشرق والغرب.

لكن ما لا يُخفى على أحد أنّ السعودية باتت تربط ملف لبنان بملف الاعتداءات اليمنية عليها. وهذا ما وضعه السعوديون على الطاولة مع الموفدين الأميركيين. ويبدو منطقياً أن يكون الملف اليمن أساسياً في الحوار مع الفرنسيين. ويعرف السعوديون أنّ فرنسا هي حليفة غير معلنة لإيران، من العراق إلى لبنان وصولاً إلى طهران، بصفقات النفط والسياسة والمال والأعمال...

يجول ماكرون في الخليج، بعدما صنع حكومة معطّلة في بيروت، وخسر "هيمنة إيران" على بغداد حتى الآن، وضرب صمود مأرب رواية "الاجتياح" التي سوّق لها الإيرانيون في اليمن. وبالتالي يأتي متحالفاً مع دول متقهقرة، على جبهات الشرق الأوسط. ولا نعرف حتى الآن الثمن الذي سيدفعه، وكيف سيقنع العرب بأنّه ليس تابعاً لسياسة إيران في المنطقة.

  • شارك الخبر