hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - ايلي يوسف العاقوري - الديار

لم نتعظّ! وبعد؟

الثلاثاء ١٩ تشرين الأول ٢٠٢١ - 07:15

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ابدأ مقالي هذا بقصة حرب الشمبانزي التي عرفت بحرب غومبي لاقول اننا وبالرغم من التقدم البشري لا زلنا نسير وراء غرائزنا؛ فان كنا لا ننحدر بشكل مباشر من القرود التي نعرفها اليوم فاننا واياها اولاد عم في الفعل ورد الفعل والفوضى والتخريب.

جرت احداث هذه الحرب في تنزانيا بين عامي 1974 و1978 عندما وقع خلاف على السلطة في احد المنتزهات الوطنية هناك، فانقسم القرود الى فريقين خاضا حربا لمدة 4 سنوات استخدمت فيها شتى التكتيكات العسكرية من الكرّ والفرّ والكمائن والقتل والاسر والاغتيال والقنص ايضا.

هذه القصة وتفاصيلها ارجعتني بالذاكرة الى صور الحرب الاهلية القذرة في لبنان، صور مؤذية للذاكرة ومسيئة للنفس والروح.

اما الذي حصل في 14 تشرين الاول اعادني الى سواد سنين هذه الحرب وصحّا فيّ مرارة تلك الايام وافاق في عقول الكثيرين تنّين الطائفية النائم.

تنيّـنٌ عملنا جاهدا لبقائه نائما بل جاهدنا لقتله لكننا لم ننجح ليس لاننا لا نريد، بل لان عملنا هذا كان مبنيا على تقاسم الجبنة وعلى «يعيش الزعيم».

عندما شاهدت صور التلامذة المختبئين في احد ممرات مدرسة فرير فرن الشــباك، عدت بالزمن الى عام 1978 عندما كنت تلميذا مختبئا في المكان ذاته فشعرت بهول الحــدث وبالضــرر الذي نتج عنه وعرفت مجددا ماذا اقترفت ايادي الاشرار بالطفولة البريئة.

السيناريو ذاته والمشهد ذاته والكومبارس ذاتهم حتى القصة ذاتها مع المخرج ذاته وكأننا نعشق الموت وجلد الذات وشرب الدم. فيلم لبناني طويل حضرناه ونحن صغار وها نحن نحضره مجددا كبارا مع اولادنا.

اكثر من اربعين سنة مضت ونحن لم نتعلم من اخطاء الماضي الاليم، لم نتعلم لاننا سالكون في الظلمة ندهس بعضنا البعض وننهش لحومنا ونسفك دماءنا ليس لاجل الوطن وحمايته، بل «لعيون الزعيم».

يا للعار، لم نتأدب رغم كل المآسي التي عشناها، ورغم كل المصائب التي حلت بنا، لم نفقه بعد هول ما اقترفنا في الماضي القريب، سنظل ننزف اطفالا وشبابا وامهات ما دمنا اغبياء!

بعد اكثر من ثلاثين عاما على ما يسمى انتهاء الحرب الاهلية، ها نحن من جديد نواجه احداثا مماثلة لتلك التي كانت شرارة الحرب. فلنسأل انفسنا ان كنا قادرين من جديد تكرار التجربة الحمقاء التي ما برحنا نرزح تحت وزرها، فآثارها السلبية والمهدمة لا تزال مطبوعة في نفوسنا واذهاننا وافعالنا واقوالنا.

دمرنا لبنان وعاصمته وزرعنا الحقد والكره والطائفية ولم نتعلم.

هجّرنا مناطق وقرى بامها وابيها وقتلنا قاطنيها ولم نتعلّم.

عثنا فسادا ودمارا في كل زاوية من وطننا ولم نتعلّم.

فقدنا كل طاقاتنا البشرية الشبابية ولم نتعلّم!

دمرنا البشر والحجر وقصفنا عمر لبناننا ولم نتعلّم.

اذا نحن «ابطال» حرب داخلية طاحنة ابادت كل شيء، بلغت خسائرها 150 الف قتيل ومئات الاف من الجرحى والمعاقين والمفقودين وما زلنا في المربّع الاول نهتف «بالروح بالدم نفديك يا زعيم»!! لم نتعلّم شيئا، لم ندرك فظاعة الموت الذي كنا سببه لان الانانية مسيطرة والشعب تبعي ومذهبي والرؤية مسدودة والخطة معدومة فما العمل؟

ماذا يجب ان نفعل كي نتفادى الاسوأ؟ ما هو دور رجال الدين والدنيا في حماية الوطن؟ ما هي واجبات كل مواطن لبناني تجاه الوطن؟ اذا لم نتعظ مما حصل، فما هو مصيرنا؟ وماذا بعد؟ الكل مسؤول وعليه واجبات والتزامات تجاه وطنه اولا وأخيراً.

فلنبدأ في البيت والمدرسة والجامعة، من هنا يبدأ مشوار حماية الوطن من الجهل والتعصّب والتقوقع. فلنبدأ في الكنيسة والجامع في ترسيخ المفاهيم الحقيقية لجوهر الأديان عبر بث روح الله عز وجل في المحبة والتسامح والحوار، فلتبدأ الاحزاب في اعادة قراءة قوانينها وانظمتها ومفاهيمها ورؤيتها للوطن. فلتبدأ كل وزارة ودائرة رسمية في تعزيز روح المسؤولية الاجتماعية وتنمية روح المواطنة للعاملين فيها، فلتبدأ كل مؤسسة او شركة خاصة في تأهيل افرادها وتدريبهم على حب الوطن وتسخير كل طاقاتها المادية والبشرية لخدمته، فلنعد ثقة الشباب بوطنهم ونعمل على اعادة ايمانهم به ونشجعهم على البقاء والعمل والاستثمار في ارجائه.

اذاً حماية الوطن وتحصينه ضدّ اي خطر داخلي وخارجي هما مسؤوليتنا جميعاً والمحافظة على مقدراته وممتلكاته هي ضرورة قصوى. المساهمة في تقدّم الوطن وازدهاره هي من المهمّات الاساسية والعمل على محاربة الفساد هو حاجة وطنية. التعاون والتعاضد بين المواطنين للرقيّ بالوطن علماً وثقافة واقتصاداً هو واجب اخلاقي وديني ووطني.

واخيرآً ان يكون كل مواطن نموذجاً في التضحية للوطن، كل حسب موقعه هو أولويّة الاولويات! وطننا جريح ويصرخ من الألم وهو ينادينا ونحن لم نتعظ! وطننا بحاجة لنا كلنا، هنا تصحّ عبارة «كلّن يعني كلّن» فهل سنلبي النداء؟ ام سنقف متفرجين؟ وطننا هو ملجؤنا الأول والأخير فاذا لم نتعظ من الماضي ونعمل على تضميده وتطبيبه فعلى الدنيا السلام. والسلام!

  • شارك الخبر