hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - ديفيد فيكلينغ - الشرق الاوسط

"كورونا" سيمدد سلاسل الإمداد العالمية ولن يحطمها

الإثنين ٢٥ أيار ٢٠٢٠ - 06:55

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في ما يلي سأطرح رؤية للكيفية التي يمكن أن يبدل بها فيروس «كورونا» العالم.
ستتحرك الحكومات التي دمرها الوباء، وتكاليف دعم العاملين الخاضعين للإغلاق، والعاطلين عن العمل، في مسار معاكس تماماً لعقود من التراجع والانسحاب، بحيث تضطلع بدور أقوى في اقتصادياتها. وستعمل الشركات التي تولت على مدار سنوات تعهيد نشاط الإنتاج إلى الصين، ونقل الأرباح إلى ملاذات آمنة، على إعادة تلك النشاطات إلى أرض الوطن. وستظهر حقبة جديدة تحمل أصداء السنوات اللاحقة للحرب العالمية الثانية، بحيث تحل حقبة جديدة من المساواة محل عصر الحقوق الحصرية والحرمان العام.
تبدو تلك صورة جذابة مغرية، لكن لا تعولوا كثيراً على تحولها إلى واقع.
من جهته، قال يوسي شيفي، البروفسور في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المتخصص في شؤون اللوجيستيات: «افترض أننا عند نقطة معينة حصلنا على لقاح، أو اكتسبنا مناعة القطيع، واستعدنا حياتنا الطبيعية بعد عام من الآن. السؤال هنا: هل سنبدأ في إعادة الأشياء إلى الوطن؟».
في الواقع، نادراً ما صادفت المحاولات التي تجري من أعلى إلى أسفل لإصلاح منظومة التجارة العالمية في أعقاب الصدمات التي تتعرض لها سلاسل الإمداد العالمية، النجاح. من المحتمل أن يكون العالم فيما بعد فيروس «كورونا» مختلفاً بعض الشيء، وربما يتباطأ النمو في التجارة العالمية، مع تجمد معدلات النمو، لكن نصيب التجارة المتجهة إلى الصين والملاذات الآمنة أكثر احتمالاً لأن يزيد عن أن يتضاءل.
وغالباً ما يجري تشبيه سلاسل الإمداد الحديثة بالمنظومات البيولوجية، من حيث درجة التعقيد والاعتماد المتبادل. ومثلما الحال مع فيروس «كورونا» ذاته، من الممكن أن تتحول نقطة ضعف في جزء ما إلى مرض يسبب انهيار الكائن بأكمله. جدير بالذكر أنه مع تفشي الوباء، تزايدت القيود المفروضة على الصادرات من المستلزمات الطبية، وانتقلت من بضع مناطق إلى العالم بأسره تقريباً. وتهدد المشكلات المتعلقة بتجارة الغذاء، مثل القيود التي فرضتها فيتنام على صادراتها من الأرز في مارس (آذار)، وإغلاق بعض مصانع تغليف اللحوم الكبرى بالولايات المتحدة نتيجة ظهور إصابات بالفيروس بين العمال، بإحداث أزمة في سلاسل إمداد الغذاء التي يعتمد عليها المليارات.
عالمياً، من المتوقع انحسار مبيعات السيارات بنسبة 22 في المائة هذا العام، تبعاً لما أعلنته مؤسسة «آي إتش إس ماركيت»، وهو تراجع أعمق عن ذلك الذي تعرضت له الصناعة في أثناء الأزمة المالية (2008-2009). وقد تراجع الطلب في مارس (آذار) بالفعل على الشحن الجوي بنسبة 15.2 في المائة عن عام مضى، تبعاً لما أعلنه الاتحاد الدولي للنقل الجوي، بجانب تراجع القدرة المتاحة لحمل الشحنات بنسبة 22.7 في المائة، مما يهدد بإحداث أزمة شحن جراء توافر عدد غير كافٍ من الطائرات لنقل تجارة السلع، على الرغم من انحسار حجمها.
بعد أزمة حادة، يمكن أن تتحول كثير من العناصر التي تضمن نجاح عمليات التصنيع القائمة على مبدأ «الإنتاج الفوري» إلى نقاط قصور. مثلاً، فإن انحسار مستويات المخزونات يمكن أن يعين شركة ما على نشر رأس مالها بفاعلية أكبر، لكنه في الوقت ذاته قد يتركها دون شبكة سلامة وحماية حال تعرض جهة الإمداد للإغلاق. وبالمثل، فإن شراء كميات ضخمة من المواد من عدد صغير من الشركاء يمكن أن يقلص التكاليف، لكنه يقلص معها تنوع جهات الإمداد التي تحتاج إليها الشركات للتعافي حال وقوع أزمات طارئة. وبينما تمكن سلاسل العرض العالمية الشركات من الاستفادة من تكاليف العمالة المنخفضة داخل الاقتصاديات الناشئة، فإنها تتركها أيضاً عرضة للخطر حال وقوع توترات تجارية أو تفشي أوبئة، بما يؤدي إلى تشديد السيطرة على الحدود.
وفي هذا الصدد، قالت نادا ساندرز، البروفسورة بجامعة نورث إيسترن في بوسطن: «تغلي سلاسل الإمداد حالياً وتقف في حالة سكون»، مما يعني أن نتائج ما يحدث الآن لم تظهر على السطح بعد. وأضافت أن «المدى المتوسط سيكون الأشد خطورة. وبمجرد أن يدخل الشتاء، لا أشعر بالتفاؤل تجاه ما سيحدث».
أما الأزمة التالية، فمن المحتمل أن تقع في مجال النقد، ذلك أن انحسار تجارة البضائع، بما يصل إلى الثلث هذا العام، مثلما تتوقع منظمة التجارة العالمية، سيخلق ضغوطاً هائلة على عائدات كل شركة تعمل عبر الحدود. وستبحث الشركات عن إعانات من الحكومات، ولين من جانب جهات الإقراض، لكن سلاسل الإمداد ستتحمل نصيباً كبيراً من التوتر، مع سعي الشركات نحو الحفاظ على النقد من خلال استغراق فترات أطول في سداد فواتيرها.
وتعد مثل هذه التأجيلات في السداد واحدة من أقدم صور التمويل، وتتميز بكونها خالية من الفوائد.
وستترك التداعيات الاقتصادية للوباء الشركات الكبيرة صاحبة الميزانيات القوية والقدرة على الحصول على تمويلات وأموال حكومية في وضع أقوى نسبياً. وربما تتمكن الشركات الأصغر الموردة لعناصر أساسية من الاعتماد على دعم شركات متعددة الجنسيات تقف عند قمة سلاسل الإمداد. أما الشركات التي تنتج منتجات أكثر سلعية فقد تجابه صعوبة أكبر.
من ناحية أخرى، ورغم الحروب التجارية التي يشنها الرئيس دونالد ترمب، والشكوك العالمية بخصوص اتخاذ بكين منعطفاً أكثر قومية، تبدو الصين مؤهلة للاستفادة من الوضع الراهن. يذكر أنه في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة كانت الصين بصورة أساسية مكاناً لتجميع منتجات مثل الهواتف الذكية التي كان يجري إنتاج العناصر المحورية فيها، بينما توجد حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها في أماكن أخرى.
إلا أنه حتى قبل انتخاب ترمب، كانت تلك الحقبة قد ولت، فقد ارتفعت القيمة المحلية المضافة في الصادرات الصينية من 75 في المائة عام 2005 إلى 85 في المائة بعد عقد، تبعاً لما كشفته بيانات صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مما أضاف 1.25 تريليون دولار للاقتصاد سنوياً.
وما تزال الحوافز التي توفرها الصين، مثل الاتفاقات التمييزية بخصوص المعدلات الضريبية واستغلال الأراضي، تجتذب الشركات الأجنبية. ويوجد في الصين 2.543 من إجمالي 5.383 منطقة اقتصادية خاصة على مستوى العالم، تتركز عناصر الجذب فيها في مثل تلك المزايا، تبعاً لما كشفه مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
وتوحي بيانات الاستثمارات الأجنبية أن طبول الحرب التجارية المتصاعدة من واشنطن لم تحقق شيئاً يذكر في تقليص المزايا الجاذبة داخل الصين. ورغم تراجع التدفقات الاستثمارية في السنوات الأخيرة، مع تباطؤ عجلة الاقتصاد العالمي، كان نصيب الصين من المجمل العالمي خلال آخر 4 فترات ربع سنوية نحو 11 في المائة، ما يتوافق تقريباً مع المستوى الذي كان سائداً أواخر العقد الأول من الألفية الجديدة.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حققت الصين قدراً أكبر من الصادرات عن أي شهر آخر في التاريخ. ورغم المحفزات التي توفرها اليابان بقيمة 2.2 مليار دولار لدعم الشركات التي تنقل إنتاجها خارج الصين، تبدو الشركات اليابانية العملاقة مترددة إزاء الإقدام على هذه الخطوة.
وحتى الحرب التجارية التي تشنها أميركا لا يبدو أنها أحدثت تغييراً يذكر، مع ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الولايات المتحدة إلى الصين خلال عام 2019 إلى 14 مليار دولار، بفضل مشروعات ضخمة جديدة مثل مصنع شركة «تيسلا» في شنغهاي، تبعاً لتقرير نشرته مؤسسة «روديم غروب» البحثية العاملة بمجال الاستشارات هذا الشهر. وتكشف هذه الأرقام عدم حدوث تغيير يذكر منذ عام 2005.

  • شارك الخبر