hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - أيمن جزيني - اساس ميديا

عيد المقاومة… متى التّحرير؟

الأحد ٢٦ أيار ٢٠٢٤ - 06:29

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

25 أيار “عيد المقاومة والتحرير” في لبنان. “التحرير” كان من إسرائيل التي بدأت احتلالها التدريجي منذ عام 1978 واستمرّ حتى سقوط بيروت صريعته عام 1982. كابد لبنان في هذه التواريخ ما لم يكابده أحد. في الأثناء كان كليشيه “المقاومة والتحرير” ولّاداً لقوى وحركات سياسية مسلّحة… فهل تحرّر لبنان فعلاً؟ خصوصاً بعد “حرب إسناد غزّة” التي أفرغت قرى الشريط الحدودي من أهلها وجعتها “شبه محتلّة”؟

حتى الساعة المقاومة مستمرّة والتحرير غير مكتمل. هو عيد الاستقلال الثاني عند البعض، خصوصاً عند من جعل “التحرير اختصاص طائفة”. قبل هؤلاء كان من يعتبر “الاقتصاد” اختصاص جماعة أهلية بعينها. وسبق الاثنين من قالوا إنّ البلد صنيعتهم وهم ضمانته، وإنّ الاستقلال الأوّل كان عشايا عام 1943. بل وهناك فريق أبقى على علم الانتداب الفرنسي مرفوعاً حتى عام 1946.

“ثورة 14 آذار” التي يعود فضلها إلى دماء الرئيس رفيق الحريري عام 2005 قالت إنّ خروج القوات السورية واستخباراتها بعد إقامة مديدة بين اللبنانيين استمرّت زهاء 29 عاماً، هو “الاستقلال الثاني”. يكاد لبنان أن يشكّل فرادة سياسية في استقباله على امتداد تاريخه الحديث لجهة تلقّيه رسائل من دول عظمى وصغرى، ومن أخرى دولية وإقليمية، وكلّها تؤكّد احترامها لسيادته.

حسناً فلنصدّق الأماني هذه. لكنّ الوعي ينفيها. ذلك أنّ الأعمّ الأغلب من هذه الدول كان المُقرّر الخفيّ لوقائع البلد وسيرته وسيرة أهله. في الأحوال كلّها بقي استقلال لبنان غير ناجز. كما بدا أنّه على الدوام بحاجة إلى أكثر من استقلال حتى يكتمل. كلّ حرب تقول هذا. كلّ يوم يمرّ على لبنان يقول هذا.

الأعياد التي لا تتوقّف

ليس في أيّ دولة في عالمنا الحديث أعياد استقلال كما في لبنان. نحن اللبنانيين من دون سائر أهل الدول الأخرى، لدينا إلى اليوم، وعمر دولتنا قرن واحد، ثلاثة أعياد للاستقلال، و”الخير لقدّام”.

في 25 أيار عام 2000، انسحبت القوات الإسرائيلية وميليشيات أنطوان لحد من جزء كبير من الأراضي اللبنانية المحتلّة في جنوب لبنان. أعلنت الدولة اللبنانية هذا اليوم عيداً للمقاومة والتحرير. يحقّ لنا اليوم، مدجّجين بثلاثة أعياد للاستقلال والتحرّر، أن نسأل: إلى كم عيد استقلال نحتاج بعد كي نصير دولةً ومواطنين ويعلو القانون في بلدنا ولا يُعلى عليه؟ إلى كم عيد استقلال نحتاج بعد لكيلا تتدخّل الدول الأخرى، الكبرى والصغرى والمتوسّطة، في شؤوننا وقراراتنا؟

شيء عن الاستقلال

في 22 تشرين الثاني 1943، نال لبنان استقلاله الأوّل. تحرّر من الانتداب الفرنسي. حدث ذلك بقرار بريطاني، أو بمساعدة بريطانية. بدلاً من أن يؤدّي الاستقلال هذا إلى بلورة شخصية وطنية وبناء دولة، فقد أدّى إلى بلورة مشكلات وأزمات وطنية لا تزال تتهدّدنا إلى يومنا هذا بعد ثلاثة استقلالات.

تصدّرت الغلبة المارونية عناوين الخلافات داخلياً في لبنان. خارجياً اختلفنا على جنس الرياح. سرعان دخلت على الخطّ القضية الفلسطينية بلاجئيها وفصائلها ومنظّماتها في السنوات اللاحقة. دخلت أو أُدخلت لا فرق، فالنتيجة واحدة. خطوتان عن الغرب، وخطوتان عن العرب، لا تصنع استقلالاً.

كتب الصحافي جورج نقّاش يوماً إنّ سالبتين لا تصنعان وطناً. لكنّه عاش. عاش بوجهين على الأقلّ. وعاش حتى بلغ سنّ الحرب الأهلية عام 1975. عاش وعلى ترابه جيوش ودول ورؤساء. عاش على الوحدة الوطنية والسلاح المتفلّت. وعلى الدوام عاش على قلق العصبيّات وهواجس الجماعات التي تسكنه.

عشر سنوات بعد خروجه من نيران الحرب الأهلية، استقلّ ثانيةً. تحرّر جزء كبير من أرضه من العدوّ الإسرائيلي. تحرّر بفعل ضربات المقاومات من أرضه وعليها، وأشدّها ضربات “جبهة المقاومة الوطنية” اليسارية والعروبية ثمّ “المقاومة الإسلامية” في زمن الطائف.

الفخّ الإسرائيليّ

نسيت. الطائف استقلال أيضاً. استقلال عن الحرب، واستقلال عن الاستقلال الأوّل. وتحرّر أيضاً بفعل الخبث الإسرائيلي. لم تنسحب إسرائيل لتخفّف عن المقاومة والدولة أعباء التحرّر من الاحتلال. انسحبت لتشعل ما هو أشدّ من الاحتلال وأكثر فتكاً وحيلولةً دون بناء الدولة.

الدولة العبرية انسحبت لتطلق “البعبع” صوب الداخل. ونجحت إلى حدّ كبير. نجحت في توريط المقاومة وحاضنتها الدينية والاجتماعية في وحول الداخل. ونجحت في استثارة الخوف عند الآخرين. صار الخوف عنوان الجمهورية. صرنا دولةً مستقلّةً خائفة. كلّ مَن فيها يخاف من كلّ مَن فيها وما فيها.

تفجّر الخوف جرأةً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. انسحبت القوات السورية من لبنان عام 2005. احتفل كثر بالاستقلال الجديد. الاستقلال الثالث. إذاً، تحرّرنا من الفرنسيين والإسرائيليين والسوريين. ولكنّنا ما زلنا مختلفين حولهم وعليهم. ما زلنا نتحيّر: من العدوّ ومن الصديق؟ من منهم احتلال ومن منهم قوّة صديقة أو ضيف ثقيل؟ أجزم أن لا أحد سيجيب عن هذه الأسئلة بعد أعياد كثيرة للاستقلال لم تأتِ بعد.

استقلال عن الدّولة

يمرّ “عيد المقاومة والتحرير” هذا العام، ونحن على أبواب استقلال جديد كما أوحى الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، في أكثر من خطاب منذ السابع من تشرين الأول الماضي. هناك فرصة تاريخية لتحرير كامل أرضنا قال. لكنّنا في لبنان. لبنان الوطن المستقلّ حتى الآن ثلاث مرّات، ما زال أمامه الكثير بحسب الراهن من أموره.

تحرير الحزب للأرض اللبنانية من إسرائيل، بدا كأنّه احتلال من نوع جديد. احتلال سياسي للحزب. هكذا يرى البعض تحرير كامل أرضنا. هكذا رأوها عام 2000، وهكذا سيرونها ربّما غداً. كلّ استقلال يحمل معه بذور احتلال جديد، وكأنّنا لا نعرف إلى الاستقلال الحقيقي سبيلاً.

أحد أبرز وجوه المشكلة الحقيقية في لبنان، التي تحول دون تحرير الأرض وبناء دولة المؤسّسات والقوانين والمواطنة فيه، أنّ اللبنانيين منقسمون حول هذه الاستقلالات الثلاثة. أمّا المشكلة الحقيقية فهي الفساد. الفساد الأخلاقي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي.

في لبنان لدينا أنواع الفساد كلّها. فساد بوجوه كثيرة. لا استقلال مع الفساد، ولا تحرّر ولا دولة ولا من يحزنون. الفاسد كالعميل قال يوماً الأمين العام للحزب. بل هو أشدّ وأفتك. التحرّر الحقيقي يكون من الفساد. الاستقلال الحقيقي يكون عن الفساد. لا يمكن أن تحرّر أرضاً وأنت فاسد. ولا يمكن أن تبني دولةً وأنت فاسد. وإن حدث فتكون أضغاث أحلام.

لبنان أرض الفساد

التجربة اللبنانية عمرها مئة عام ونيّف. الفساد عمره أطول. الفساد في لبنان أقدم من كلّ احتلال. لطالما كان سبيل كلّ محتلّ للمكوث أطول مدّة ممكنة. ولطالما فعل هذا في دول العالم كلّها: لكنّه تفرّد وتميّز في ربوعنا وتاريخنا. وعليه، في عيد المقاومة والتحرير، عيد الاستقلال الثاني، وقبل الاستقلال الرابع، الأجدر بنا، والحرب الإسرائيلية مستمرّة علينا، أن نحتفل بنوع جديد من الاستقلال هو الاستقلال عن الدولة ومؤسّساتها. نحتفل ونسأل: متى الاستقلال الحقيقي؟ متى نستقلّ عن الفساد؟ متى نستقلّ عن استقلالاتنا؟

  • شارك الخبر