hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة

عيد البشارة بين الدولة والوطن

السبت ٢٥ آذار ٢٠٢٣ - 08:47

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

حسنًا فعلت الحكومة اللبنانيّة عندما جعلتْ في 18 شباط 2010 من عيد بشارة مريم العذراء عيدًا وطنيًّا. فإنّ ما يذكِّر به هذا العيد هو ظهور الملاك جبرائيل لمريم العذراء ليُبشِّرَها من قِبَل الله بأنّها ستحبل بابنها يسوع بقدرة الروح القدس من دون مباشرة رجل. وهذا الحدث يذكره الإنجيل المقدّس كما يذكره القرآن الكريم. فالاحتفال ب#عيد البشارة معًا من قِبَل المسيحيّين والمسلمين يدلّ على إيمانهم بإلهٍ واحد، وبأنّ هذا الإلهَ الواحدَ قد كوَّن السيّد المسيح بمعجزةٍ في أحشاء مريم العذراء. فالله الواحد يجمعهم كما يجمعهم تكريم السيّد المسيح ومريم العذراء. وبهذا العيد المشترَك يهدفون إلى تعزيز الوحدة الوطنيّة في ما بينهم، وعلى تأسيس هذه الوحدة ليس فقط على البعد الدنيويّ، أعني على وطنٍ واحدٍ، بل أيضًا على البعد الروحيّ أي على إيمانهم بإلهٍ واحدٍ خلقهم جميعًا، ويريدهم أن يعيشوا معًا في السلام والمودّة. فارتباط المسيحيّين والمسلمين بالله الواحد الخالق يجعل منهم إخوةً وأخواتٍ، على الرغم من الاختلافات في تصوُّرهم لهذا الإله الذي يفوق كلَّ تصوُّرٍ بشريّ. فالمسيحيّة والإسلام يختلفان في كثيرٍ من العقائد والشرائع، وهما دينان يتميَّز أحدهما عن الآخر، لكنّهما يجتمعان في الإيمان بالله الواحد. فهذا الإيمان بالله الواحد هو الذي ينبغي أن يكونَ أساسَ العيش المشترَك بين المسيحيّين والمسلمين، وبالتالي الأساسَ الدينيَّ للوحدة الوطنيّة. وهذا هو، في نظري، الهدف الأخير من جعل عيد البشارة عيدًا وطنيًّا.

لكن إزاء ما نراه اليوم من تفكُّكٍ لمؤسَّسات الدولة وفراغ كرسيّ الرئاسة الأولى والخلافات المتفاقمة بين نوّاب الأمّة وعجزهم عن الاتّفاق لانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، نسأل: أين هي الوحدة الوطنيّة؟ يقول البروفسّور فايز الحاج شاهين : "إنّ الانهيارَ قد ضرب لبنان – الدولة، لكنّه لم يصلْ الى لبنان – الوطن". ويُضيف: "إنّ ثمّةَ فرقًا بين الوطن والدولة. فالوطن هو إرادة شعبٍ بأن يعيشَ بعضُه مع البعض على أرضٍ واحدةٍ. أمّا الدولة فهي عمارةٌ قانونيّةٌ مؤلَّفةٌ من سلطاتٍ ومؤسَّساتٍ وأجهزة، وهي تولَد من رَحِم الوطن المولود بدوره من إرادة الشعب بالعيش الواحد. إنّ الوطنَ بمعنى الأمّة يسبق ظهورَ الدولة وهو يبقى ويستمرُّ حتى ولو كانت الدولة غيرَ موجودةٍ أو حتى ولو لم تكنْ قد نشأتْ بعد. إنّ لبنان – الدولة هو مريضٌ اليوم، أمّا لبنان – الوطن فهو صامدٌ طالما أنّ إرادةَ العيش الواحد باقية". ثمّ أعطى بعض الأمثلة على ذلك. ومن هذه الأمثلة "ثورة 17 تشرين 2019 التي شكّلتْ حدثًا هامَّا لا يمكن تجاهله، وذلك بقطع النظر عن وصفها بأنها ثورةٌ او انتفاضةٌ او حركةُ رفضٍ وبقطع النظر عن نجاحها أو عدمه. مهما يكن من أمر، فإنّ لهذه الثورة فضلَيْن كبيرَيْن: الفضل الأوّل هو أنّها لم تأخذْ لونًا طائفيًّا او مذهبيًّا او مناطقيًّا، وهذا أمرٌ يخلق أملاً وحافزًا يمكن البناء عليهما. الفضل الثاني هو أنّها تُشكِّل عملية حجب ثقةٍ مارسها الشعب مباشرةً بوجه السلطة."

هذا التحليل القانونيّ الدقيق للفرق بين الدولة والوطن، والتشديد على استمرار الوطن على الرغم من تفكُّك الدولة يعنيان أنّ جميعَ اللبنانيّين من مختلف الطوائف الدينيّة يريدون البقاءَ بعضُهم مع بعضٍ في وطنٍ واحدٍ تحت دستورٍ واحد. فجميعُهم يقبلون بما ينصُّ عليه الدستور في مقدمته "بأنّ لبنان وطنٌ نهائيٌّ لجميع أبنائه"، "وأنّ لبنان وطنٌ نهائيٌّ في حدوده المعترَف بها دوليًّا"، ولا أحدَ يُطالب لا بالتقسيم ولا بالانضمام إلى دولةٍ أُخرى. وإذا نظرنا إلى مختلف البلدات والقرى اللبنانيّة من شمال لبنان إلى جنوبه ومن ساحله إلى بقاعه، نرى أنّ معظمَ البلدات والقرى هي مختلطةٌ يسكنها المسلمون والدروز إلى جانب المسيحيّين من موارنة وأرثوذكس وكاثوليك. وعلى الرغم من النزاعات الدامية التي حدثتْ مع الأسف بين هذه الطوائف على مدى تاريخ لبنان، والناجمة تارةً عن التعصُّب وطورًا عن تدخُّل عناصر أجنبيّة، فبقاؤهم معًا هو الدليل على استمرار الوطن، الذي هو أكثر من وطن، كما قال عنه البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني: إنّه رسالة. ورسالته تقوم على أن يكونَ للشرق كما للغرب نموذجًا للعيش معًا بسلامٍ ومودّةٍ بين أديانٍ ومذاهبَ مختلفة.

إنّ استمرارَ الوطن على الرغم من تفكُّك الدولة هو بارقةٌ رجاءٍ بأنّ الأزمةَ التي يعانيها لبنان اليوم، مهما طالتْ، سوف تكون لها نهاية، والفاسدون الذين كانوا سبب انهيار الدولة سوف يُحاسَبون آجلاً أم عاجلاً. "إذ ليس من محجوبٍ إلاّ سيُكشَف، ولا مكتومٍ إلاّ سيُعلَن" (متى 26:10).

المطران كيرلس بسترس- النهار

  • شارك الخبر