hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - أيمن جزيني - اساس ميديا

سيرة "مسيحية سياسية" تتكرر...

الثلاثاء ١٦ آب ٢٠٢٢ - 06:22

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إستمع للخبر


بين ميشال عون وسمير جعجع وسامي الجميل ثمة تباين قليل. رئيس الجمهورية قلق على الأقليات التي يزخر بها الشرق وتشكل جوهر تنوعه. وقلق الحكيم أيضا يصب في المصب نفسه. سامي الجميّل يسابق الإثنين في هواجسهما. كل منهم يترجم قلقه في السياسة بموقف يختلف عن موقف الآخر قليلاً أو كثيراً. المهم ألا يحضر اتفاق الطائف في أدبياتهم السياسية. على نحو أوسع، هم مهجوسون من الكتلة السنية السياسية ـ الإجتماعية. هذا يقوله الإنكفاء عن تسمية رئيس حكومة. حتماً، فإن نجيب ميقاتي ليس الشخص الذي يُدافع عنه. أقله لم يحز شرعية إنتخابية. من هذا المدخل يمكن التشكيك به، إلى قضايا أخرى كثيرة في سيرة الرجل السياسية.

لنذهب أبعد من هذا الثلاثي. ثمة أصوات "مسيحية سياسية" عالية النفير تصرخ بأقوى ما عندها مطالبة بـ "الفيدرالية"، ذلك أن "العيش المشترك" غير ممكن مع المسلمين. بُحت حناجرهم وهم يظهرون نزعات إنفصالية. لا زالوا ينشدون ماضي الجمهورية الأولى و"هستيريا الصلاحيات". أكثر من ذلك، يريدون العودة إلى "زمن الطائفة المُميزة". لا يُرضيهم ما قدمه اتفاق الطائف من ثلاثية ضامنة : نهائية الكيان، عروبته، والعيش المشترك. هذه لا تقنعهم.

لا يُناقش هؤلاء في التاريخ. هؤلاء يعرفون العزف على نغمة واحدة وحيدة. أما الثلاثي فحدث ولا حرج عن رحابة صدورهم السياسية. المناقشة إنما تتم مع من يبدي استعداداً للتفهم والتفاهم على أن التعنت الطائفي والاستئثار بالسلطة إنما كانا يطيحان بالبلد.
بمعنى أدق، فإن "التيار الوطني الحر" حالف "حزب الله" في مواجهة "الإعتدال السُني". تبرير التيار يفيد أن الطائفة السنية هي طائفة الأكثرية في المنطقة وأن حضورها في البلد سيجلس الأقليات كلها، بما فيها الطائفة الشيعية المسلحة، في مقاعد الدرجة الثانية. لذلك فإن مستقبل مسيحيي لبنان يتحدد بناء على هذه المعركة. فإما تهزم "طائفة الأمة والدولة" في لبنان، ويبقى المسيحيون والأقليات الأخرى في سدة السلطة والحكم، وإما تنتصر طائفة الأمة ويقبع الجميع في المقاعد الخلفية.

حزب "القوات اللبنانية" بدوره تمنع عن تسمية "سُني" للرئاسة الثالثة، علماً أن ما أعطوه إياه السُنة منذ إقرار العفو العام عن رئيسه حتى دخوله إلى طرابلس مدينة الرئيس رشيد كرامي لا يأخذه من أحد. والأرجح أن إنكفائه لن يكون بلا أثمان سياسية.

ولا يتأخر "حزب الكتائب" عن الإثنين، فهو يكابد في أدبياته السياسية كي لا ترد "عبارة إتفاق الطائف" في وثيقة له عليها توقيع. هذا حصل في "حراك 17 تشرين"، وكذلك في توليد ما سُمِيّ "أطر سيادية".

هذا في قريب التاريخ . أما بعيده فمأساة. فـ "الثلاثي" هذا ـ على تباين طفيف ـ لا يشكل حالة خاصة أو ظاهرة في التعاطي مع فكرة لبنان ومكوناته. هو إستئناف أو إعادة تجديد وتأهيل لفكرة قديمة تتجدد عند المسيحيين بحضرة الأزمات الكبرى. فمع إنهيار الامبراطورية العثمانية وبداية الانتداب الفرنسي والبريطاني على المنطقة انقسم المسيحيون في لبنان الى فريقين: فريق طالب بلبنان وطناً قومياً مثلته "الكتلة الوطنية" مع إميل إده. والآخر كان تقدمياً ومثلته الكنيسة مع البطريرك الحويك في مطالبته فرنسا بإحلال "الوطنية السياسية بدلاً من الوطنية الدينية".

لبنان الكبير برأيهم لا يكون إلا من خلال بقاء الانتداب الفرنسي. اذاً، ربطوا ضمانة لبنان الكبير ببقاء الانتداب الفرنسي لأن غالبية المسيحيين كانت مع لبنان وطن قومي مسيحي. فيما غالبية المسلمين كانت مع لبنان كجزء من سوريا. وبالتالي فإن الغالبيتين لم تشكلا ضمانة لهذه الفكرة الاستثنائية.

في العام 1943 عندما خرج رجال الاستقلال بشارة الخوري ورياض الصلح بفكرة لبنان فقد فعلا ذلك بضمانة العيش المشترك، وبضمانة الوفاق الوطني بلبنان. كانا يعلنان عملياً رفض ضمانة الإنتداب الفرنسي. الرجلان شكلا إستثناءً. بشارة الخوري يمثل اقلية مسيحية. فغالبية المسيحيين رفضت في حينه ضمانة العيش المشترك، ولحقت بأفكار إميل إده عن "الطائفة المميزة" ناهيك عن طلبه من المسلمين الذين يرفضون العيش في ظلال "المسيحية السياسية" بالذهاب إلى مكة.

عند المسلمين كان رياض الصلح أيضاً اقلية في الوسط السني وبالوسط الاسلامي العريض الذي كان يطالب بأن يكون لبنان جزءً من سوريا. وهذا ما دفع جورج نقاش عام 1947 إلى القول "سلبيتان لا تصنعان وطناً" deux négation ne font pas une nation".

عملياً كان نقاش يقول : نعرف ما الذي لا يريده بشارة الخوري والمسيحيون الذين معه، فهم لا يريدون أن يكون لبنان جزء من سوريا. ونعرف ما الذي لا يريده رياض الصلح، فهو لا يريد بقاء الانتداب الفرنسي، لكن لا نعرف ما يريده بشارة الخوري ورياض الصلح معاً. بمعنى أن ضمانة العيش المشترك والميثاق الوطني كانتا ناقصتين. على هذا كان العيش السياسي للبنانيين قائماً على التقابل في المعادلات منذ العام 1943 حتى العام 1975.

"المسيحية سياسية" في حينه كانت ترفض الشراكة مع المسلمين ، وتعتقد بأن هذه الشراكة ليست ضمانة كافية لبقاء لبنان الكبير، وكانت ظروف المنطقة ماضياً تعطي أسباباً: مرة بميل المسلمين باتجاه عبد الناصر، ومرة بميلهم باتجاه "المقاومة الفلسطينية". هذه المواقف كان يستفيد منها فريق عريض من المسيحيين لينادي بعدم وجود ضمانات تكفي إلا بـ "تسيُّد" دستوري ـ إقتصادي.

بالمقابل فإن المسيحيين الذين كانوا بالحكم لم يتفهموا مطالب المسلمين. رفضوا كل المطالب الإصلاحية. حتى من كمال جنبلاط الآتي من العام 1860 وسرديتها. كان رد المسيحية السياسية على الدوام بالرفض واعتبار "لبنانية المسلمين منقوصة" وبحاجة إلى برهنة.

الرد الإسلامي كان أسوء فذهب إلى الطعن بـ "عروبة المسيحيين" واعتبار هؤلاء "غربيون" ثقافة وأسلوب عيش. نجح المسلمون في تثبيت موقفهم السياسي عند العرب من طريق التدليل على أن " هذا التنوع اللبناني" الذي يمثله المسيحيون هو عبارة عن إحتكار الوكالات والمصارف والمستشفيات، وعلاقة مع الفاتيكان والغرب، وعليه فهو "سفارة للإستعمار" على أرض عربية.

لم ينقسم اللبنانيون فقط حول قضية فلسطين. انقسموا حول القضايا الجوهرية في البلد في الـ20 والـ43 والـ58 وبكل المراحل. بدأ الكلام عن اصلاحات دستورية ببداية الـ75 والـ76 والرفض الحاسم كان من قبل المسيحيين. اتت مرحلة بشير الجميل عام الـ82 الذي كان يقول من خلال اخراج ابو عمار من لبنان ، انه لا إصلاحات والقديم على قدمِهِ.
اتفاق الطائف بالعام 1989 عندما فرضت الاصلاحات الدستورية نتيجة ظروف المنطقة من خلال وثيقة الوفاق الوطني، عاشت "المسيحية السياسية" في لبنان والمنافي الطوعية وثيقة الوفاق الوطني على أنها أنزلتهم درجة في النظام، بينما أعطت المسلمين درجة اضافية. ما زاد من وطأة هذه الوجهة دخول الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى السلطة بعد العام 1992 وشكل علامة فارقة في الأداء السياسي، إذ افتتح صفحة جديدة في العلاقات مع فرنسا، وصفحة جديدة في العلاقات العربية والاسلامية مع الفاتيكان. وهذا يضاف إلى صفحة جديدة بالعلاقات العربية والاسلامية مع الولايات المتحدة.

الواقع هذا عزز الجنوح المسيحي وشكل قناعة مفادها أنّ المسلمين ينقسمون إلى إثنين : سُني يملك المال والسياسة الخارجية وقاعدته السعودية بما هي أرض الحرمين، وشيعي مسلح حتى الأسنان وجذره في إيران الإسلامية. عليه، فإن "التيار المسيحي" الذي دافع عن الشراكة والعيش المشترك في العام 1943، وثبت العروبة في العام 1958 مع عبد الناصر من خلال خيمة فؤاد شهاب – عبد الناصر، ثم عاد ودافع عن عروبة لبنان في اتفاق الطائف والاصلاحات الدستورية، قد تراجع إن لم يكن قد ذوى.

الإطار "المسيحي السياسي" الذي كان بعد الطائف أصبح اليوم ضعيفاً جداً خاصة بعد عودة سمير جعجع وميشال عون عام 2005. الرجلان أطبقا على "الجو المسيحي" وذهبا باتجاه التنظير عبر شكلين من الممارسة أزعجا المسلمين:

ـ الأول مثله عون حليف حزب الله وتولى "شيطنة" السُنة بأنهم نوعان: من يتأنق منهم فاسد، أما من يرخي لحيته فهو "إرهاب".

ـ الثاني وعبر عنه "القوات" و "الكتائب" ، وبدل أن يتمسكا بالشراكة والعيش المشترك كانا ينأيان بذاتهما كلٍ على طريقته، لكن بمضمون سياسي واحد. ففي كل مرة يقع إشتباك سياسي سُني ـ شيعي كانا يريان أنها حرب مسلمين مع مسلمين.

هذا الانسحاب من جهة والتواطئ من جهة اخرى جعل المسيحيين اليوم غير قادرين على التفاعل الوطني مع اي فريق من اللبنانيين . والأرجح أنهم سيعيشون عزلة في الإنتخابات الرئاسية المُزمعة، أو سيحل في بعبدا رئيس من طينة هم لا يريدونها، لكن ذلك سببه الإنشداد إلى الماضي واعتبار أن لبنان لهم، فيما دعاهم البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير إلى أن يكونوا من أجل لبنان.

  • شارك الخبر