hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - الاخبار

سوريا والقرار 1559

الثلاثاء ١٠ آذار ٢٠٢٠ - 06:58

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

اعتقدنا أن يكون التمديد تمديدين: واحد للحّود وآخر للحريري بعدما جارى الخيار السوري، إلّا أنه تمنَّع عن قبول رئاسة الحكومة ومشاركة لحّود الولاية الممدَّدة. فالرجلان لم يتَّفقا على برنامج حكم الحقبة الجديدة، فأعلن الحريري في 20 تشرين الأول 2004 استقالة حكومته، مشفوعة باعتذار عن عدم ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة الجديدة، ثمَّ وجَّه إلى اللبنانيين بياناً كان أقرب إلى الوداع.
رست خلافة رفيق الحريري على عمر كرامي. فلم يكن في الإمكان إيجاد شخصية سياسية سنِّية أخرى محسوبة على دمشق، فلا تتلاعب بالقضايا القومية الحسّاسة. أُسندت لي حقيبة الإعلام في الحكومة المؤلَّفة من 30 وزيراً، فكانت تلك تجربتي الأولى في السلطة التنفيذية. قبلتها على مضض، لأنني لم أكن مقتنعاً بها، فهي عبارة عن إذاعة لا يسمعها أحد، وتلفزيون لا يشاهده أحد، ووكالة أنباء لا يقرؤها أحد.
كنت أول وزراء تلك الحكومة أقصد دمشق وألتقي الرئيس بشار الأسد في 10 تشرين الثاني في قصر الشعب، فسمعت منه تأييداً راسخاً لعمر كرامي وحكومته، وأبلغني أنه اتّصل به مباشرة لإعلان دعمه له خارقاً البروتوكول. وقال لي أيضاً إنه يرى في تلك الحكومة إمكانات وضع أسس متينة لإنقاذ البلد والنظام. ومع ذلك، فإنني لم أشعر بالارتياح، لأنني لم أكن مقتنعاً بدوري في الحكومة.
قصدت دمشق ثانيةً، في 25 تشرين الثاني 2004، للاجتماع بالرئيس الأسد مرّة أخرى، وكانت الضغوط الدولية قد اشتدَّت وراحت تلقي بثقلها عليه، استكمالاً لصدور القرار 1559 الذي دعا إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان. فإذا كان تمديد ولاية إميل لحّود أصبح أمراً واقعاً فتعامل معه سفراء الدول على مضض، إلّا أنّ دمشق دخلت في حمأة الضغوط الدولية من كلِّ جانب. في اجتماع 25 تشرين الثاني، عرض الرئيس الأسد أمامي سلسلة التطورات المتسارعة منذ صدور القرار 1559، فقال: «عرضوا عليَّ البقاء في البقاع. لن أبقى فيه. سأنسحب من كلّ لبنان وأعود إلى سوريا. أتوقّع أن تهبَّ عليَّ عواصف عاتية، لكنني سأمترس للدفاع عن البلاد». قلت له: «قد يكون من المفيد أن أقارب في بيروت الموضوع إعلامياً لعل ذلك يخفِّف من تأثير تلك الهجمة الغربية في لبنان على دمشق». سألني مستفسراً: «كيف يكون ذلك؟» أجبته شارحاً: «سأصرِّح في بيروت، بوصفي وزيراً للإعلام، أن الجيش السوري سينسحب من كلّ لبنان، من دون أن أعلن أنك قلت لي ذلك. وسأتوجَّه إلى اللبنانيين أن البلد سوف يتعرَّض لاستهدافات شتّى في ظلِّ الفراغ الذي سيحدثه خروج الجيش السوري. وأظنُّ أن الغرب سيتنبَّه إلى مثل هذا الخطر». قال باسطاً يديه: «لا مشكلة. افعل ما تشاء».
كانت دمشق قد أجرت إعادة انتشار لجنودها في 29 أيلول 2004، وهي عمليَّة الانتشار الجزئية السادسة في ثلاث سنوات، قبل أن تبادر في 19 كانون الأول بعد أقل من شهر على لقائي بشار الأسد إلى خطوة مماثلة، بسحبها مفارز أمنية متمركزة في مطار بيروت وبرج البراجنة والبترون ونقلها مباشرةً إلى داخل الأراضي السورية، بغية استيعاب التداعيات الدولية والمحلية لقرار مجلس الأمن.
في ذلك اليوم، أدليت بتصريح أدرجتُ فيه إخلاء المراكز تلك في سياق الشعار الذي رفعه الرئيس السوري بقوله: «إن المكان الطبيعي للقوّات السورية هو سوريا». وزدت قائلاً: «إن هذا القرار هو من نتائج التفاهم بين القيادتَين اللبنانية والسورية، وقد اتُّخذ ليؤكّد حقيقتين: الأولى، أنَّ القوات السورية هي دائماً رهن رغبة الجيش والدولة اللبنانية واستعدادها لتسليم مواقعها ساعة يُطلب منها ذلك. والثانية، رسالة إلى لبنان والمجتمع الدولي رمَّةً مفادها أنَّ سوريا ليست متمسّكة بالبقاء في لبنان كقوَّة عسكرية».
قبل أيام من مقابلتي الثانية للرئيس الأسد، استقبلت في وزارة الإعلام مديري مكاتب الصحف الخليجية في بيروت، استشرفت أمامهم أننا قد نصل إلى يوم قريب جدّاً تقرِّر فيه دمشق إعادة نشر قواتها. لكن بعد أربعة أيام على زيارتي دمشق، استقبلت في 29 تشرين الثاني «مجلس نقابة محرِّري الصحافة اللبنانية»، وكشفت أمامهم فحوى ما ناقشته مع الرئيس السوري، لكن من غير البوح بالحقيقة الوشيكة، فقلت: «عدم وجود القوات السورية في لبنان احتمال قائم، وهو احتمال يجب أن يأخذه في الاعتبار أيّ مسؤول سياسي يقود بلده في مرحلة بالغة الدقّة والحساسية في الشرق الأوسط. قد يحدث وقد لا يحدث، لأن سوريا ولبنان مرتبطان بعلاقات ومعاهدات». عندما سُئلت ما إذا كان الرئيس السوري هو الذي أبلغني ذلك خلال لقائنا في دمشق، أجبت: «لا، ما ذكرته لكم هو استنتاج شخصي مني».
سألني الصحافيون أيضاً عن وضع القرار 1559 موضع التطبيق، فقلت: «يجب أن لا نستغرب إطلاقاً أن يتم ذلك في سياق قيادة سوريا لهذا الصراع، من حيث إسقاط الحجَّة الأميركية والصهيونية، فنشهد انسحاباً سورياً مفاجئاً من لبنان».
دافعت عن «المظلّة السورية الأمنية» التي حمت لبنان حتى الآن، وقلت: «لن نتخلّى عن استقلال لبنان وسيادته، ونتطلّع إلى يوم قريب ــ قريب جداً بإذن الله ــ لا نرى فيه على أرضنا عسكرياً صديقاً أو شقيقاً، وإن كان سورياً».

  • شارك الخبر