hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - نديم قطيش - اساس ميديا

تظاهرات إيران ورئاسة لبنان

الإثنين ٣ تشرين الأول ٢٠٢٢ - 06:42

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

هل للتظاهرات المندلعة في إيران منذ 17 يوماً تأثير على "ساحات" النفوذ الإيراني ومنها لبنان؟ نعم.

لم ينل حقه صوت مهسا أميني، الذي أُسقط في صندوقة اقتراع رئيس الجمهورية اللبنانية. الشابّة الإيرانية التي فجّر مقتلها على يد شرطة الأخلاق تظاهرات هي الأكبر والأعنف في إيران منذ العام 2009، قد لا تكون في حسابات الحاضرين أولى جلسات الانتخاب، التي فتحت الباب على فراغ سيطول. بيد أنّ القراءة ولو المتعثّرة لاسمها على لسان أحد أعضاء لجنة الفرز، تشير إلى حجم الترابط بين ما يجري في إيران، بنتائجه الحالية والمستقبلية، وبين ما يجري وسيجري في لبنان.

في تظاهرات سابقة، قال زعيم ميليشيا حزب الله حسن نصرالله إنّ ما يجري في إيران "زوبعة في فنجان"، وإنّ إيران ستتجاوز اضطراباتها، بلا آثار جدّية تهدّد سلامة النظام، وركائز نفوذه الإقليمي.

لكنّ المختلف هذه المرّة أنّ ما يجري في إيران، وإن كان لا ينبغي التقليل من قدرات نضامها الوحشية في القمع، يحصل في سياق مختلف أقلّه على مستويات خمسة:

1- التظاهرات هي الأضخم، حتى بمعيار العام 2009، وتشمل أكثر من 100 مدينة وبلدة، وتعبّر عن خليط اجتماعي عابر للطبقات، بخلاف ما كانت عليه معظم التظاهرات السابقة، التي إمّا كانت حراك نخب (2009) أو انتفاضات جوع وعطش (2017-2021).

2- نجح الجانب النسوي من التظاهرات في توليد حجم غير مسبوق من التأييد الشعبي للانتفاضة، عبّر عنه انضمام مشاهير إيران في الداخل والخارج لتأييد مطالب المتظاهرين والتعاطف معهم.

3- إنّ قيادة المرأة الشارع، واتّصال موضوع التظاهرات بشأن يطال الخصوصيّة الفرديّة، عطّلا قدرة الماكينة الدعائية للنظام على تدبيج تهم الخيانة والعمالة للخارج والارتهان للأجندات الأجنبية، حتى حين تحوّلت التظاهرات إلى التصادم المباشر مع النظام نفسه من المرشد نزولاً باتجاه آخر شرطي في الشارع.

4- التظاهرات تعبّر عن فجوة عمريّة هائلة تفصل بين المتظاهرين، ممّن وُلد معظهم بعد الثورة، وبين نظام تتصدّر التعبير عنه وجوه عجوزة وذكورية في الغالب. إنّه تصادم قاسٍ بين أحفاد الدولة وأجدادهم، كما وصف الأمر المعلّق الأميركي من أصول إيرانية كريم سجادبور. كما تشهد قدراً من الشجاعة غير المسبوقة، عبّرت عنه ظاهرة قصّ النساء شعرهنّ علناً، وحرق المناديل وأغطية الرأس.

5- ليس بعيداً عن النقطة الرابعة، تحصل التظاهرات في لحظة تتّسم بالغموض بشأن اعتلال صحّة المرشد علي خامنئي، التي باتت كناية عن اعتلال نظام الثورة نفسه، كأنّ جسد خامنئي الهزيل هو مجرّد تجسيد تعبيريّ لهزال نظام الثورة بمؤسّساته وأفكاره ومشروعه.

في لبنان، كما في العراق واليمن وسوريا، لا تُرصد هذه المسائل إلا باعتبارها شؤوناً داخلية في كلّ دولة من هذه الدول الواقعة تحت هيمنة إيران بشكل أو بآخر. ولم يكن غريباً أن تتصدّر التفاصيل الإيرانية "تريندز" مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الدول على الرغم من فداحة القضايا الداخلية التي تشغل بال مواطنيها.

إنّنا، إذن، بإزاء نظام يهتزّ، في الداخل هذه المرّة، لا في مواجهة خارجية مع خارج ما، (الإهانات الإسرائيلية لإيران في سوريا مثلاً)، أو في مواجهة في الداخل مع خارج ما (الإهانات الإسرائيلية داخل إيران). إنّه اهتزاز في الداخل مع الداخل، وهو أمر مرعب للأدوات التي تستمدّ قوّتها من قوّة المركز.

ويصدف أن يحصل هذا الاهتزاز الإيراني في لحظة تبدو فيها الأنظمة الخليجية، في أعلى درجات الثقة والثبات والتماسك، وهي تعبر لحظاتها الانتقالية برشاقة وسلاسة لافتة، إن كان في السعودية حيث أُعلن عن تعيين وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان رئيساً للوزراء، تمهيداً حاسماً لتسلّمه مقاليد الحكم مليكاً لبلاده، بعد عمر طويل لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز، أو إن كان في الإمارات التي تسلّم مقاليد الرئاسة فيها، الشيخ محمد بن زايد، خلفاً لأخيه الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، بعد أن قاد بلاده بالنيابة طوال أكثر من عقد.

صورتا الاهتزاز والثبات، مؤثّرتان بلا شكّ في مجريات الأحداث اللبنانية. فبعد عزوف خليجي عن التدخّل في الشأن اللبناني، تبدو الفرصة سانحة اليوم لتدخّل سياسي من باب الاستحقاق الرئاسي اللبناني، يبني على ارتدادات الضعف الإيراني داخل لبنان.

ولعلّ بدايات الحراك السعودي تجاه لبنان كما عبّرت عن نفسها من خلال البيان الفرنسي السعودي الأميركي، مضافاً إلى حركة السفير السعودي في الداخل اللبناني، تجد في الأحداث الإيرانية ما يشجّعها على تزخيم النشاط السعودي، والدفع باتجاه رئيس يعيد الاعتبار لمرجعيات الشرعية العربية والدولية في لبنان، بدءاً من اتفاق الطائف وصولاً إلى القرارات الأممية، ولا سيّما القرارين 1701 و1559.

غرق ديكتاتوريين

لطالما قيل إنّ الرئاسة في لبنان ظرف. ونحن الآن على أبواب ظرف سياسي إقليمي ودولي كبير جدّاً، لا يُختصر بالحدث الإيراني فقط، بل في تداعيات الحدث الأوكراني أيضاً. ليس بسيطاً أنّ علي خامنئي وفلاديمير بوتين يغرقان معاً في أزمات من صنعهما، مهما طالت فترة الغرق، فيما تعمل كلّ الدول المؤثّرة على إعادة صوغ مواقفها من الصين إلى الهند إلى دول الخليج.

في الجانب الآخر، لا بدّ أنّ حزب الله الذي يستشعر مخاطر ما يحدث في إيران، سيتشدّد في مقاربته الاستحقاق الرئاسي، سعياً إلى تأمين رئاسة تحميه، وتسنده في مواجهة المتغيّرات التي تطرأ على سيده، والتي لا تزال قيد التشكّل ويمكن لها أن تذهب في أكثر من اتجاه.

من هنا يمكن الاستنتاج أنّ لبنان أمام فراغ رئاسي طويل، وأمام ساحة معركة سياسيّة فُتِحت بمعيار ومستجدّات لم تكن قائمة قبل أسبوعين، حين كانت مهسا أميني مجرّد فتاة لم تحسن وضع الحجاب على رأسها كما يُتوقّع منها أن تفعل.

  • شارك الخبر