hit counter script

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - إيلي القصيفي - اساس ميديا

انطلاق المعركة الرئاسيّة: كيف ينتهي عهد عون؟

الجمعة ١٦ نيسان ٢٠٢١ - 06:34

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

هل بدأت معركة رئاسة الجمهورية؟

هذا السؤال بدأ يتردّد جدّياً في الأوساط المسيحية على الرغم من هول الانهيار الذي تبدو مظاهره قوية جدّاً في المناطق الاقتصادية المسيحية، حيث مئات المحلات والمؤسسات تقفل أبوابها وتسرّح موظفيها. وقبل ذلك، طالت تداعيات الأزمة، منذ 17 تشرين الأول 2019، المؤسسات المسيحية التاريخية، سواء المدارس أو الجامعات أو المستشفيات، في دليل مبكر جدّاً على التبعات التي ستتركها الأزمة على القوّة السياسيّة الاقتصادية المسيحية ضمن المجتمع اللبناني.

لكنّ ذلك كلّه، وعلى الرغم من تأثيراته العميقة على الخيارات السياسيّة للمسيحيين، لم يقلّص وتيرة المنافسة السياسية الشديدة بين أحزابهم، لا بل زادها، ولا سيّما بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية. وقد باتت انتخابات رئاسة الجمهورية العنوان الرئيسي للصراع بين هذين الحزبين، بغضّ النظر عن السيناريوهات الكثيرة المحتملة لهذا الاستحقاق، وفي مقدّمها الدخول في فراغ رئاسي طويل.

حرب الردود وتقاذف الاتهامات بين التيار والقوات، الأسبوع الماضي، بعبارات من العيار الثقيل استعادت أحداث الحرب ولغتها عشية ذكراها السنوية الـ46، ليست المؤشّر الأوّل إلى طلائع المعركة الرئاسية المقبلة، إذ يفوقها أهمّيّةً ودلالةً مؤشّران آخران إلى بدء هذه المعركة، وهما:

أوّلاً: ربط العهد والتيار الاستحقاق الحكومي بالاستحقاق الرئاسي من خلال محاولتهما نيل حصّة حكومية تعكس حجم نفوذهما في الحكم، وهو نفوذ هشّ أصلاً يتّكل على نفوذ حزب الله. لكن مع ذلك يحاول العهد والتيار المكابرة على هذه الهشاشة وتجاوزها بطلب الثلث المعطّل في الحكومة. وفي زمن الانهيار، تتصرّف كلّ قوّة سياسية وفق حسابات خاصة بها، على الرغم من (أو حتّى أحياناً على حساب) تحالفاتها القائمة. وهذا ينطبق على الحزب والتيار. إذ تشير الحركة السياسيّة للحزب، سواء لجهة تعاطيه "الخلافي" مع حركة أمل منذ خطاب السيّد نصر الله في 19 آذار، أو لناحية إشاراته الملتبسة والمتضارية أحياناً في مقاربته للملف الحكومي، إلى أنّه (الحزب) يقيم حالياً حسابات خاصة جدّاً على قاعدة أنّ المرحلة تقتضي التصرّف كما لو أنّ لا حلفاء له، لكن من دون إظهار أي اتجاه للتفريط بأيّ من تحالفاته. والأمر نفسه بالنسبة إلى التيار الذي يسعى إلى الحصول على ثلث معطّل خاص به، أي خارج حلفائه في 8 آذار، وذلك لحسابات خاصّة به تتقدّمها معركة الرئاسة ووضع النائب جبران باسيل الحرج جدّاً بفعل العقوبات الأميركية عليه.

ثانياً: لقد دخلت القوات اللبنانية عملياً في مرحلة الإعداد للاستحقاق الرئاسي قبل نحو عام ونصف العام على انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. ليس المقصود
باستعداد القوات لهذا الاستحقاق اتّصالها بجهات سياسية داخلية وخارجية في شأنه. إنّما المقصود أنّها بدأت تعدّ السردية السياسية لهذا الاستحقاق لكي تكون الإطار النظري لخطّتها الرئاسية. لقد ظهر ذلك بشكل أساسي خلال مقابلة الدكتور سمير جعجع عبر تلفزيون "الجديد" في 28 آذار، حين قال إنّ الرئيس عون فشل لكنّ "الرئيس القوي" لم يفشل. أراد جعجع بذلك أن يحسم مسألة أساسية في المعركة الرئاسية، مفادها أنّ المسيحيين لن يقبلوا برئيس غير قوي، على غرار رؤساء ما قبل عون. وكأنّ جعجع أراد أن يحصر المعركة بينه وبين باسيل بوصفهما على رأس أكبر حزبين مسيحيين، ويتمثّلان الآن بأكبر كتلتين مسيحيتين في البرلمان.

إذن تسعى القوات لإعادة إحياء تسوية 2016 من خلال إعادة تعويم نظرية "حكم الأقوياء في طوائفهم"، مع استبدال عون بجعجع. ولا شكّ أنّ مسعى القوات هذا يصبّ في مصبّ حزب الله بوصفه القوي شيعياً والأقوى في معادلة حكم الأقوياء في طوائفهم، أي الناظم لهذه المعادلة بدءاً من رئاسة الجمهورية.

القوات وحزب الله

وعلى قاعدة أنّ سنونوة واحدة لا تصنع ربيعاً (مع أنّ تسوية 2016 لم تكن ربيعاً أبداً)، يكون كلام جعجع غير كافٍ لبناء سردية متكاملة وعملية للطرح الرئاسي للقوات. ولذلك عادت أصوات مسيحية، كانت قد أدّت دوراً بارزاً في الترويج لنظرية "حكم الأقوياء" عشية انتخاب عون، لتعزف المعزوفة نفسها من خلال تأكيد الإيجابيات الوطنية لوحدة كلّ من المسيحيين والمسلمين وتلاقي هاتين الوحدتين على مرشّح رئاسي واحد. وهذه نظرية تهدف في ظل موازين القوى الحالية إلى التقريب بين القوات والحزب: القوات بوصفها الطرف المسيحي الأكثر تماسكاً، إن لم يكن الأكثر قوّةً، في ظلّ تراجع التيار، والحزب بوصفه الطرف المسلم الأقوى والأكثر تأثيراً في اللعبة السياسية.

أضف إلى ذلك أنّ تمسّك القوات بـ"أوعى خيّك"، في وقت يتراشق التّيار والقوات بأقذع العبارات والاتهامات إلى حدّ اتهام التيار جعجع بـ"الإجرام" في وقت الحرب والسلم، يهدف إلى رمي تهمة إسقاط تفاهم معراب على التيار. فلا تريد القوات الظهور بمظهر المفرّط بوحدة المسيحيين، بل بمظهر الحريص عليها، مع تركها الباب مفتوحاً أمام اتفاق جديد مع التيار عشية الاستحقاق الرئاسي المقبل. لكن حتّى في تمسّكها بـ"أوعى خيّك" تهدف القوات، في آخر المطاف، إلى مخاطبة حزب الله على قاعدة أنّها أعقل من باسيل حليف الحزب، وأنّ خلافها معه لا يرجع إلى تحالفه مع الحزب، بل إلى فساده وطمعه الزائد بالسلطة على حساب القوات شريكته في "تفاهم معراب". وفي المقابل، لن يحرق الحزب المراكب مع القوات ما دامت لا تطالب باستقالة عون ولم يستقِل نوابها من البرلمان، أي ما دامت القوات لا تزعزع المعادلة السياسية القائمة التي تناسب الحزب.

على الرغم من كلّ تلك الحسابات الحزبية والرئاسية لا يبقى السؤال الرئيسي الآن، من يخلف عون؟ بل كيف ينتهي عهد عون؟ ففي سنة 1990، انتهى "عهد عون" بحرب الإلغاء ودخول القوات السورية إلى قصر بعبدا ونفي "الجنرال" إلى فرنسا، ودخل لبنان العصر السوري على مدى 15 عاماً. ومعلوم أنّ تصرّفات عون وقتذاك كانت تتحكّم بها حسابات رئاسية.

فكيف تمرّ الفترة الباقية من العهد الحالي في ظلّ تسارع وتيرة الانهيار على وقع بلوغ سعر صرف الدولار مستويات قياسية وتفاقم الأزمة المعيشية إلى حدود جعلت المنظمات الدولية تحذّر من خطر المجاعة؟ وكيف تكون حال لبنان الذي يطمح المسترئسون إلى رئاسته بعد انتهاء الولاية الرئاسية الحالية؟

للمفارقة فإنّ عون نفسه ذكّر اللبنانيين الأسبوع الماضي بنهاية الثمانينيات، عندما قال: "أنا الجنرال".... فهل يعيد التاريخ نفسه بصورة دراماتيكية عشيّة الاستحقاق الرئاسي المقبل؟

  • شارك الخبر