يصرُّ والدي دوماً على تجنّب قولِ كلمةٍ حلوة، ولو في مكانِها لإنسان يُجالس كرسيّاً لمسندين وركزة للرأس؛ لذا احترزتُ، فاحتبسَ قلبي بوابل من المشاعر لأناس كُثر، ومنهم محافظ بيروت القاضي زياد شبيب، الذي تعرَّفتُ عليهِ منذُ اقترابي من بيروت وبقيتُ لفترات طوال أشكُّ بأنه مُحافظ، فهوَ من القلائل الذين يُجيدون حرفة التواضع الفطريّ وليس المُكتسب.
ففي الليلة الظلماء يُفتقَد البدر، وبالليل الحالك المُحنك الذي يلفُّ المكان تعثر في قلب هذا الإنسان على جوهر قلَّ أن تُلاقي نظيرهُ في عالم المسؤوليّة والمناصب العُليا؛ حيثُ أنَّ المقابلة مع برنامج بلا تشفير التي أُجريت معه على قناة الجديد مع تمام بليق في مطلع سنة ٢٠١٨ تعتبرُ بالنسبة لي درساً روحيّاً عمليَّاً خالِصاً لإنسان كبير، يُجيد تحديد الهدف، فيصوّب سهامهُ للمُبتغى دون أن يتلفتَ ميمنة وميسرة، فهو يهتمُّ بما هو جيّد، ويصرفُ النظر عن الإهانات المدروسة التي كالها ويُكيلها له كثر، وهو أثبت للجميع استقامة الرأي البليغ، إذ تساقطتْ عند أكعاب قدميه تلك السِّهام التي سعَتْ لإسقاطه فَهَوَتْ، وبقي هوَ رزيناً رصيناً لا يلتفتُ سوى للخير والحقِّ والجمال بأفلاطونيّة واقعيّة لا يَهنأ لها بال خارج إطار السهر الدؤوب العميق والعريق.
لا أذكر مسؤولاً عرفتهُ في حياتي يهتمُّ بالكتب والعلم والمقالات وهو على رأس عمله بشكل عميق ودقيق خلا مُحافظ بيروت، حيثُ اعتدنا أنْ يحملَ المسؤولون الكتابَ في أوائل وأواخر حياتهم، سوى قلّة قد تكون نادرة ومنهم المُحافظ زياد شبيب.
هو حازمٌ برفق، لأنَّ الجزم وسيلةٌ بالنسبة إليه يصبو ِمن خلاله للوصول إلى الأسمى، كما أنهُ يمتلك دهاءَ عراقةِ الأصالةِ الحافظةِ للأطُر التي ينتمي إليها، فيذكر ما نسي ويعمل على تذكيرِ ما تمَّ تناسيه، ناسياً الشعارات ومُنطلقاً إلى المستقبل عبر الماضي والحاضر.
فتح الرجل صفحةً مُشرقةً جديدةً من تاريخ المدينة التي أُوكلت إليه، فخلق سياقاً جديداً وخلط الأوراقَ، فكان جديّاً مُدركاً ماذا يجب أن يفعل.
أمتنُّ لمعالي الوزير الذي وطّد صلتنا، وأشعرُ بالاعتزاز بالكلام الطيّب الذي وصفَ به أسقفٌ نبيلٌ المُحافظَ شبيب.
أتمنى لهُ التوفيقَ في حياته.