hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - مقالات مختارة مقالات مختارة - محمد علوش - الديار

الحريري وباسيل يُفكّران بالإنتخابات النيابية المقبلة.. وفرنسا تدرس خيارات جديدة

الأحد ١١ نيسان ٢٠٢١ - 06:57

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كلّما فُتح باب حكومي سُدّت أبواب أخرى، وأحياناً تصبح المساعدات، سلبية، مثل تلك التي حاولت مصر تقديمها إلى لبنان عبر زيارة وزير خارجيتها سامح شكري الذي أعطى انطباعاً سيئاً حول موقف مصر مما يجري في لبنان، وساهم بتصرفاته بانضمام مصر إلى حلف لبناني بوجه حلف آخر، ولكن رغم ذلك لا تزال المحاولات جارية، وتحديداً من قبل فرنسا، المعنيّ الأول بما يجري في لبنان.

في أروقة الإدارة الفرنسية استياء كبير مما يجري في لبنان، إذ لم يكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليتخيّل أن الملف اللبناني سيسبّب له كل هذا الحرج دولياً، ولعلّه اكتشف مؤخراً أن تركيبة لبنان الفريدة تجعل إدارته صعبة للغاية، خاصة في الظروف السياسية الحالية التي تُعتبر مصيرية بالنسبة لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

ترى مصادر سياسية مواكبة أن العقد الحكومية مرتبطة بمصير الرجلين في الإنتخابات النيابية المقبلة، إذ لا يمكن لأي منهما أن يمنح الآخر سلطة كبيرة في الحكومة، لأنها ستكون بمثابة خسارة مدوّية له بحال حصلت، مشيرة إلى أن هذه العقدة هي من يجعل كل الحلول معطّلة لأن أياً منها لم يجد الحل لها بعد.

لا يزال التيار الوطني الحر مقتنعاً بأن الحريري لا يرغب بتشكيل الحكومة حالياً، ولا يزال تيار المستقبل على اتّهامه للوطني الحر بعرقلة الحلول لأهداف حكومية خاصة بالثلث المعطّل، وبالنسبة للمصادر فإن الأمرين يصحّان، فلا الحريري يريد حكومة على قياس باسيل، ولا الأخير يريد حكومة على قياس الأول، وبالتالي، فإن علاقة الرجلين السيئة، المرتبطة بصورة تياريهما بالإنتخابات المقبلة، تؤثر على ملف التشكيل بشكل واضح جليّ.

إن هذا الواقع أربك الإدارة الفرنسية، التي حاولت جمع أطراف لبنانيين في باريس، ولكنها لم تنجح لعدم ضمان ولادة الحكومة بعد خطوة كهذه، وكانت ستساهم بتهميش إضافي لصورة الفرنسيين، الأمر الذي جعل ماكرون يفكر جدّياً هذه المرة بممارسة ضغوط أكبر على المسؤولين اللبنانيين. وتُشير المصادر إلى أن الإدارة الفرنسية باتت أقرب من أي وقت مضى لفرض عقوبات على معطلي تشكيل الحكومة، كاشفة أن الحريري وباسيل لن يكونا بمنأى عنها بحال حصلت.

إن اقتراب فرنسا من مسألة فرض عقوبات دونها محاذير مهمّة، إذ تشدد المصادر على أن هذه الخطوة بحال حصلت فإنها تعني انتقال الملف اللبناني من مرحلة إلى أخرى، ولن يكون سهلاً الرجوع إلى الوراء بعدها، وبالتالي فرنسا يجب أن تفكر مليّاً في هذا الخيار، لأنه يعني انتهاء دورها كـ «أم» حنون للبنان، ويجعلها طرفاً معادياً لأطراف محليين.

يُدرك ماكرون هذا الأمر جيداً، ولكنه بحسب المصادر يجد نفسه مكبّلاً، فلا الأميركي يقدّم له الدعم الكافي، ولا السعودي أعطاه في لبنان ما يريده، لذلك يتم اليوم بحث الخيارات المتاحة في فرنسا، والبحث يتناول نتائج وتداعيات كل خيار، ورغم تقدّم خيار العقوبات مؤخراً، إلا أن المصادر تعتبر أن اللجوء إليه لن يكون سهلاً.

يتميز شكل الدولة المعاصرة عن اشكال الدولة التاريخية بأن لها حدود سياسية خطية، هي حدود مجال ممارستها لسيادتها على اراضيها. وفي هذا الاطار تعلي الخطب السياسية والديبلوماسية دوليا ومحليا من شأن مبدأ السيادة على الاراضي في اشارة الى ان خطوط الحدود السياسية ينبغي ان تبقى مصانة من كل ما يمكن ان ينال منها. غير ان عوامل عديدة ذهبت وتذهب عملياً الى معاكسة مرامي هذه الخطب لا سيما بعد ان تسببت العولمة بازدياد نفاذية الحدود وتلاشي العديد من وظائفها. غير ان اختراق وباء الكوفيد 19 لمعظم حدود الدول في العالم جعل مسألة التنبه الى استعادة تفعيل ادوار الحدود امراً ملحاً على اكثر من صعيد.

احياء الحدود

ان وجود الحدود السياسية هو من وجود الدولة، فلا دولة بدون حدود تفصل بين داخلها وخارجها، وبهذه الحدود تفرض الدولة تقطعات سياسية على سطح الارض تنعكس حكما على حركة الناس واشياءهم وكل ما يتعلق بهم. اما التجاهل لهذه التقطعات من قبل الوافد الى الدولة ُتعدّه الدولة اعتداء عليها يستوجب قرارا بالرد عليه . بهذا المعنى تحول اجتياح الكوفيد 19 السريع للحدود الدولية مع ما انزله من اضرار صحية واقتصادية وثقافية... في معظم الدول الى قضية سياسية عالمية بامتياز تعني الشعوب والسلطات معا. غير ان التصدي لهذا العدوان اذا جاز التعبير تميز بانفراد كل دولة على حدة باتخاذ ما تراه مناسبا من تدابير لها ولشعبها ضمن حدودها المعترف بها دولياً، وذلك على الرغم مما لهذه الدولة او تلك من التزامات ضرورية في اطر العولمة او في اطر التكتلات السياسية الاقتصادية التي تنتمي اليها. لقد بدت الدول في حال من «الانقباض السياسي» اذا جاز التعبير بانكفاءها داخل حدودها، كي تتمكن من التركيز على مواجهة عدوى العدو القادم اليها.

على هذا، سعت الدول عموما الى التشدد في مراقبة حددودها واتخاذ التدابير المناسبة لدرء خطر الوباء عنها في نقاط العبور البرية، كما في الموانىء البحرية والجوية، وتراجعت بموازاة ذلك، حركة انتقال الافراد والجماعات والسلع والمبادلات... الى حدودها الدنيا ما ادّى الى تعطيل اليات العولمة وايقاف عجلة الاندماج الاقتصادي في التكتلات الدولية كما تلاشت كثافة العلاقات عموما بين الدول بما فيها تلك المجاورة لبعضها البعض، وراحت كل دولة تحاول ان تتفرغ قدر الامكان لشؤونها الداخلية المستجدة التي احدثتها جائحة الكوفيد 19 .

سبق التشدد الحدودي هذا والذي طال معظم دول العالم، تشددا من نوع آخر اقتصر على بعض الدول الاوروبية والولايات المتحدة، استهدف صد موجات الهجرات غير الشرعية الوافدة من الجنوب وما واكبها من مضاعفات اقتصادية، ثقافية وامنية، غير ان مفاعيل هذا التشدد السابق لجائحة الكوفيد 19 لم ينل في العمق من ضغوطات العولمة على الحدود الدولية وما تنتجه من وهن في الممارسات السيادية لمعظم الدول، وذلك على عكس ما ادى اليه رد الفعل على الجائحة المذكورة، من تفعيل مستجد لوظائف الحدود الردعية ازاء الخارج.

هنا تجدر الإشارة الى ان الحدود السياسية للدولة المعاصرة كانت منذ القرن التاسع عشر وما زالت عرضة للنقد والنقض من مواقع مختلفة ومتعارضة على السواء. ذلك ان الاحزاب المنبثقة من الامميات الدولية ذات المنشأ الماركسي والاشتراكي عموما، كما الحركات الانارشية على تعددها، ترى في الحدود السياسية اداة فاعلة لشق الطبقات العمالية والشعبية وحرف نضالها السياسي، بما يمنعها من الاتحاد والتعاضد في صراعها ضد الرأسمالية التي تمعن استغلالا بها وقهرا لها. كان الهدف الاسمى والبعيد لهذه التيارات وما زال الغاء مختلف اشكال السلطة، دينية كانت ام عسكرية او سياسية، وبالتالي الغاء الدولة برمتها واستطرادا الغاء الحدود السياسية ووظائفها القاضية بالفصل بين الاراضي بابعادها الاجتماعية السياسية. بالمقابل، ومن وموقع مناقض للامميات الاشتراكية والانارشية سعت الرأسمالية المعولمة وما تزال تسعى الى ابطال مفعول الحدود السياسية تحريرا لحركة الراسمال و الاستثمارات المختلفة اينما كان، وهي تحاول دوما شطب التدابير الحدوية التي من شأنها ان تحد من انسيابية السلع الاستهلاكية والخدمات الاقتصادية والمالية... هذا وكانت اليات العولمة قد دفعت دولا مجاورة في مختلف القارات الى تشكيل تكتلات اقتصادية كبرى الغيت بموجبها تأشيرات الانتقال عبر حدود دولها كما الغيت او خفضت الرسوم و الجمارك على السلع والخدمات... بما انعكس سلباً على وظائف الحدود المختلفة. الى ذلك وفي نفس الاتجاه القاضي بتغييب دور الحدود والانخراط في سياقات منافية لها، جرى العمل على تفريخ عشوائي لمنظمات «غير حكومية» خلال الربع الاخير من القرن العشرين تحمل عناوين ذات دلالات خاصة بهذا الشأن من مثل «اطباء بلا حدود» او «مراسلون بلا حدود» او «مهندسون بلا حدود»... وغيرها... وعلى العموم كان الاتجاه العام لمجريات الامور الدولية يشير على الرغم من بعض الاستثناءات بتآكل متنامي للحدود وانحناء معظم الدول امام المؤسسات المالية الدولية والشركات الاقتصادية اوالمتعددة الجنسيات في العالم . في هذه الاجواء الانفتاحية على الانشطة الراسمالية باغت وباء الكوفيد 19 سكان المعمورة باعادة الشروط الضرورية لتحكم الدول بحدودها السياسية، انما بتكلفة اقتصادية باهظة لم يسلم منها احد لاسيما بعد ان تعطلت مختلف القطاعات الانتاجية والتجارية والخدماتية على انواعها، بحيث بدت استعادة الدولة لممارسة جوانب من سيادتها في ظل الظروف التي فرضتها الجائحة، بمثابة الرد على تدني معدلات النمو الاقتصادي لدى مختلف دول العالم.

  • شارك الخبر